لا سياح عرب في لبنان
تركت الازمة في سوريا اثرها السلبي على اسواق لبنان التي افتقدت في عطلة نهاية السنة سياحها الخليجيين، وتراجعت فيها حركة استهلاك المواد غير الاساسية على مدى السنة اكثر من النصف، بحسب ما يقول خبراء.
وتقول صوفي سلامة، صاحبة محل تجاري لبيع الاكسسوارات في وسط بيروت، لفرانس برس “العرب يقاطعوننا. انهم يسجلون موقفا ضد موقف الحكومة اللبنانية من الازمة السورية”.
وتلتزم الحكومة اللبنانية المؤلفة من غالبية مؤيدة للنظام السوري سياسة “النأي بالنفس” تجاه الازمة السورية بسبب عمق الانقسامات بين اللبنانيين الذين يتوزعون بين مؤيد لنظام الرئيس بشار الاسد ومناهض له، وخوفا من تداعيات للنزاع في البلد الصغير ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة.
وتقول صوفي “نمر في ظروف عصيبة، ما اضطرني الى خفض مصاريفي بشك كبير حتى اتمكن من تحقيق بعض الدخل في نهاية السنة”. وتضيف انها اعتمدت كذلك “استراتيجية تقوم على تقديم تنزيلات في غير موعدها وعلى توجيه رسائل الكترونية الى زبائني في دول الخليج الممنوعين من السفر الى لبنان لشرح العروض”.
وفرضت دول الخليج اعتبارا من الصيف الماضي حظرا على سفر مواطنيها الى لبنان بعد احداث امنية متنقلة في المناطق اللبنانية على خلفية الازمة السورية وحصول عمليات خطف طال بعضها مواطنين خليجيين.
وتقول مديرة الاستراتيجيا في شركة “فيرست بروتوكول” لتنظيم المؤتمرات والمعارض فيوليت بلعة ان “قرار القطيعة الخليجي اثر كثيرا على الحركة السياحية والاقتصادية. هذا القرار ظاهره امني والتذرع بالخوف من زعزعة الاستقرار وعمليات الخطف، لكن خلفيته سياسية وهي الموقف اللبناني الرافض لادانة النظام السوري”. وتوضح الخبيرة في شؤون الاقتصاد ان السعوديين والكويتيين هم اكبر نسبة من السياح الى لبنان بين العرب، وهم اكثر من ينفقون في المجال السياحي في لبنان. غيابهم أخل بالميزان السياحي”.
ويضاف الى هؤلاء ايضا الاردنيون الذين لا يشملهم قرار الحظر، لكنهم اعتادوا زيارة لبنان عن طريق البر عبر سوريا، وقد امتنعوا بمعظمهم عن الزيارة هذه السنة بسبب الاحداث الدامية الجارية على الاراضي السورية. وتقول بلعة “خسرنا هذه السنة حوالى 22 الف اردني يدخلون لبنان عبر الحدود مع سوريا”.
وتشكل عائدات السياحة في لبنان اكثر من 22 في المئة من اجمالي الناتج القومي، وقد تراجعت هذه السنة، بحسب تقديرات خبراء، الى حوالي عشرة في المئة.
رغم ذلك، تبدو اسواق بيروت في اليومين الاخيرين من السنة تعج بالزبائن، الى جانب زحمة سير خانقة في العاصمة وعلى الطرق المؤدية اليها. وتقول صوفي سلامة “اللبنانيون لديهم دائما خطة بديلة… انهم يعشقون الانفاق حتى في الايام الصعبة”، مضيفة ان عددا كبيرا من السوريين جاءوا الى لبنان كما يسهم المغتربون اللبنانيون في تحريك الاسواق.
ولجأ الى لبنان منذ بدء النزاع في سوريا قبل 21 شهرا عشرات الاف السوريين. واذا كان بعضهم يعيش في ظروف مزرية في مناطق بعيدة عن العاصمة لدى اقارب او في مدارس او مراكز ايواء مستحدثة، فان غيرهم ممن ينتمون الى طبقة ميسورة استاجروا شققا او نزلوا في فنادق.
ويقول بالغ الذي يعمل في محل البسة في اسواق وسط بيروت الفاخرة ان كثيرين ممن تعج بهم الاسواق “هم من المتنزهين وليسوا زبائن”، مضيفا ان الحركة تراجعت كثيرا منذ مقتل مسؤول امني كبير قبل حوالى شهرين في عملية تفجير كبيرة وجهت المعارضة اللبنانية اصابع الاتهام فيها الى دمشق.
وتؤكد جوانا التي تعمل في محل للالبسة الداخلية ان الزبائن اللبنانيين “يشترون الاساسيات ويفاوضون على الاسعار بالحاح”، مضيفة “نحن نعتمد خصوصا على السياح، لكن لا سياح في لبنان اليوم”.
وتشير بلعة الى دراسات تفيد عن تراجع نسبة الاستهلاك على المواد غير الاساسية في لبنان بحوالى 60 في المئة خلال السنة الفائتة.
وفي مؤشر آخر على وجود ازمة، الغت شركة “سوليدير” التي اعادت اعمار العاصمة بعد الحرب الاهلية (1975-1990)، حفل اطلاق المفرقعات والاسهم النارية الذي كانت تحييه عند منتصف ليلة راس السنة والذي كان ينقل مباشرة على شاشات التلفزة ويتجمع لمشاهدته الاف الناس.
ويعبر طوني عيد العضو في جمعية تجار وسط بيروت عن الاسف لالغاء الحفل.
ويقول “في ايام الازمة، على الجميع ان يضاعف جهوده من اجل ان يحقق اقصى قدر من الربح، او ان يحد من الخسارة”.
ويقول طوني سلامة، صاحب احد افخم المحال التجارية في وسط العاصمة، “اذا اوقفنا الالعاب النارية والاعلانات وحملات الترويج، سيعتقد الناس ان بيروت لم تعد مكانا يقصد للسياحة. وهذا ليس صحيحا”.
ولا يخلو السوق من بعض السياح الذين قدموا رغم كل شيء. على احد الارصفة، فتاتان اردنيتان تحملان اكياسا باسماء محلات البسة وشوكولا، تعتذران عن الرد على اسئلة فرانس برس قائلتين، “نحن في عجلة، علينا ان نلحق الطائرة المسافرة الى عمان”.