الرئيسية » رأي » فداء عيتاني »

برلين تحت الارض: مافيات ودعارة ومخدرات

برلين- فداء عيتاني
تقترب منك امرأتان يافعتان، تطلب احداهما اشعال سيجارتها، وحين تكتشفان انك لا تتحدث الالمانية تعتذران وتمضيان في سبيلهما في الليل البارد في شارع كودام، ثم يقترب منهما على مسافة اربعة شبان المان ويتمازحون قبل ان يرحلوا سويا.
لا تأمن الغانيات في برلين من شر الغرباء، رغم ان مهنتهن تقتضي ايجاد زبائن مشابهين، الا انهن يفضلن الابتعاد عن العرب والاتراك واليهود الاتين حديثا، فعمليات العنف التي تطال الغانيات في هذه المدينة كثيرة ومتكررة من هؤلاء، ولهؤلاء اماكن ونوعيات خاصة من النساء الغانيات، انهن فتيات المافيات الروسية التي تسيطر على شبكة الدعارة في الشارع البرليني وخاصة الدعارة غير الشرعية، والعديد من بيوت الدعارة الشرعية في المدينة الالمانية ذات المزاج الطيب.
المافيا الروسية احتكرت النساء، ومدت يدها الى تجارات اخرى، بينما مافيات تركية احتكرت المخدرات، وتحاول دائما توسيع اعمالها، والبقية من الفتات في الحياة السوداء تركت لمن يرغب، فاتى اللبنانيون الى اسفل السلم، ومنذ عقود وهم يعملون في تجارة السيارات والخردة والغش في شراء سيارات مستهلكة وتزوير اوراقها وترميمها وبيعها في بلدهم، فالعديد منهم قد اتخذ من تجارة المخدرات في الشوارع مصدرا لرزقهم، ولبناء منازل لهم في بلدهم الام وتأمين حوائج عائلاتهم.
تغري العاصمة الالمانية الشبان في السفر اليها، وكل المانيا تعتبر من كلمات السر في لبنان التي تجعل اي شاب يحلم بالحياة السهلة والمريحة، وبالحرية، وبفك كل العقد الجنسية لديه، وبالتخلص من فقر الحال ايضا، الا ان ارض المانيا ليست كما يتخيلها الشبان اللبنانيون، الذين حين يصلون بعد جهد جهيد، وعمليات تهريب طويلة ومعقدة وخطرة، يكتشفون ان الدنيا هناك مخصصة لمن يجيدون العمل وللمتعلمين وللعمال الذين لا يمانعون في الشغل ودفع الضرائب المرتفعة، وان تقديمات الدولة الالمانية ليست كرم على درب المهاجر اللبناني.
يهرب الشبان اللبنانيون من بلدهم، اغلبهم ممن تسربوا مبكرا من المدارس، ومن ابناء القرى، الذين سمعوا الكثير عن شبان من قراهم ومن محيطهم وقد اثروا بسرعة في المانيا، او عاشوا حياة سهلة، ويهرب معهم الاف من الشبان الفلسطينيين من المخيمات، تاركين حياة اللجوء والموت البطيء في بيوتهم الضيقة والفقيرة، ويرحلون من مهرب الى اخر، ومن مزور لجوازات سفر الى مزور لسمات عبور، ومن سجن الى تسلل عبر حدود يصلون الى المانيا، حيث تنتظرهم خيبات امل كثيرة.
الدولة الالمانية لا تزال تعمل بقوانين اللجوء الانساني، وخاصة للفلسطينيين، ولكن التقديمات ليست مرتفعة، ومن يصل تسللا او بشكل مشبوه، او يثير الشك حول اصله يتم تخفيض تقديماته، ليجد نفسه كما اغلب الواصلين في (هايم) سكن جماعي مع كل ما خلق الله من مدمني مخدرات وفارين من دول العالم الثالث ومحكومين سابقين، ومتشردين المان.
ومن هناك ستبدأ رحلات ومغامرات لا تحصى ليصل المهاجر اللاجئ الى مستوى حياة افضل. سيتعرف الى المهاجرين من قريته، ومن منطقته وسيكتشف ان العديد منهم يعمل في تجارة المخدرات، انهم من يوزع المخدرات في الشوارع، بعد ان تعفف المهربين الاتراك والروس وغيرهما عن توزيعها في الشارع لما في ذلك من مخاطر.
الدولة اذا بطريقة ما تدفع هؤلاء الى الشوارع لتوزيع المخدرات، وهم في وهم الاثراء السريع وتحسين نوعية الحياة قد لا يمانعون من الدخول في لعبة التجارات القذرة، ويصبح عندها من الصعب تحديد من المسؤول، علما ان اللاجئين يشبهون ضيوفا غير متوقعين يطالبون بحسن الضيافة رغم وصولهم غير المرغوب فيه اصلا.
يستورد الاتراك الكميات الكبرى من المخدرات من مرافئ الدنمارك كما يقول تجار المخدرات في الشارع البرليني، بينما تستورد المافيا الروسية نسائها من بولندا ومن جمهوريات روسيا، ويتم توزيع المستوردات على المدن الالمانية، وكانت برلين وحتى العام 2006 مقرا لتجارة رائجة للمخدرات والنساء، الى اليوم الذي بدأت فيه عمليات مكافحة جدية مع استضافة برلين لمباريات كأس العالم لكرة القدم. قبلها كان تجار المخدرات اللبنانيون والفلسطينيون يقفون مع بضائعهم في محطات المترو ويبيعون بضائعهم للراغبين، ولكن الشرطة واجهزة التحري واحيانا المخابرات الالمانية نفسها شنت العديد من الحملات وراكمت المعلومات، وراقبت اتصالات هؤلاء وصولا الى سجن اغلبهم.
ومن لم يسجن بعد من هؤلاء فان ملفاته تتراكم، وتطاول اغلب عمليات المطاردة التجار الصغار في الشوارع، اولئك الذين يبيعون الهيرويين، واما الكوكايين والحشائش فان التعامل معها اقل قسوة في الضبط والمتابعة، الا انها لا تزال تحت الحظر والمنع والمطاردة على عكس ما يحصل في الدنمارك المجاورة.
ومع تراكم ملفات التجار الصغار فان العديد من المهاجرين بات يحمل اوراق “ترحيل” وهي بطاقة اللاجيء السياسي مع الخط الاحمر عليها الذي يميزها عند اجراء اللاجيء اية معاملة، وعلى الرغم من قسوة الشرطة الا انها تضطر الى التعامل بالحسنى مع التجار، سواء عند اعتقالهم، حيث يعترض المارة على عنف الشرطة بحال واجهت المتهمين بعنف، او في السجون حيث تضبط ادارة السجون التعامل بشكل عام، ويوضع الكثير من المساجين بعد الحكم عليهم بفترة في سجن مفتوح، يسمح لهم بالخروج والعمل في الخارج على ان يناموا دائما في زنازينهم ويدفعوا بدل منامتهم.
ما ان تجلس الى جانب حسن (اسم مستعار) الاتي من قرية لبنانية فقير، حتى يبدأ باخبارك عن اوراقه الـ”زفت” وقرار الرحيل الى لبنان بعد اشهر، وهو الذي اعتقل وسجن بعد ان اكتشفت العصابة التي كان يعمل ضمنها، ونال عقوبة متوسطة لتجارته في الهيرويين، ومن بعدها سمح له بالبقاء في المانيا ولكن مع اشارة الترحيل على اوراقه، وهو سيبقى بانتظار دوره في الترحيل الذي قد يتأخر لاعوام، وبشكل مقصود من السلطات الالمانية.
حسن يتحدث بطلاقة عن اسباب سجنه، ومتابعته للعمل في تجارة المخدرات، وهو الذي لم يمض على تعرفه اليك اكثر من عشرة دقائق، ثم يخرج هاتفه الخليوي ليعرض عليك صور النساء اللواتي عرفهن، ثم يشير اليك انه بانتظار احداهن الان، ويضيف “النساء هنا سهلات، وكلهن يحبونني، هذه التي انتظرها ساعطيها 70 يورو فقط لليلة”. ثم يعود الى الحديث عن نشاطه في توزيع المخدرات كأنه يخبرك عن احوال الطقس.
حسن هو احد النماذج لرجال الشارع الذين يوزعون المخدرات في برلين، وحين تمتد جلستك لاكثر من نصف ساعة معه يمكنك معرفة اسماء كل العصابة، من مورد المخدرات اليه وصولا الى اهم زبائنه. وبينما تطارد الشرطة باحترافية عالية في حملاتها هؤلاء فانهم يبدون شديدي البساطة في العمل على ارض الشارع.
16 الف اتصال هاتفي تعرضه الشرطة امام مجموعة متهمة بتوزيع الهيرويين في برلين، 16 الف اتصال للشبكة، ولكن الشرطة تحاول الحصول على اعترافات العصابة، وتوهمهم بانه يمكنها استخدام الاتصالات في المحكمة، وتحاول جر بعضهم للاعتراف على الاخرين، بينما هم يسمعون اصواتهم في الاتصالات المسجلة، وينتظرون مصيرهم امام المحاكم، بعضهم بنى منزلا له في لبنان، واخرين تزوجوا من المانيات، والبعض اعتقد انه اصبح من اصحاب الثروات وهرب امواله الى قريته قبل ان يدخل السجن.
تحتقر المحاكم الالمانية بشكل خاص تجار الهيرويين، وتعامله بقسوة نسبية، خمسة اعوام وربما ستة في السجن، هي ما يسمى بالقسوة، ولكنهم يعودون الى الشارع ليعاودوا اعمالهم، وقلة منهم تتوقف عن بيع المخدرات، وتعود الى حياة العمل المنتجة والعائلة الصغيرة، بينما يشعر البعض تأنيب ضمير ولكنهم لا يجدون سبلا للحياة الا في مواصلة تجارة المخدرات القاتلة.
يشير اليك يحيى الى احدى النساء في المترو، المرأة في اوائل الاربعينيات من العمر، واضح من ملامحها انها المانية الاصل، تشعث شعرها الاشقر، واتسخت ثيابها، تحمل في يدها سيجارة مطفأة، وتجلس على كرسي في نهاية المقطورة، غير شاعرة بما حولها، تغيب في ما يشبه النعاس الا انها حين تفتح عينيها يتضح من نظرتها انها مخدرة تماما، تدير رأسها كمان ينظر حوله الا ان عيناها تبقيان تحدقان في نقطة واحدة، واسفل عيناها ارتسمت دوائر بنية، يقول يحيى “هذه من ضحاياي”، وهو يشير الى انها من مدمني الهيرويين. يمر المترو باكثر من عشر محطات، تغادر المقطورة والمرأة لا تزال غير واعية لما حولها وسيجارتها اصبحت على الارض في المترو البرليني النظيف.
يحيى من اولئك النادمين، الذين يخبرونك كيف يحاول التخلص من حياة تجارة المخدرات، وكيف يكره العرب في برلين، ويبتعد عن مناطق تواجدهم، وكيف ان المسؤولية برأيه موزعة بين الدولة الالمانية وبين العرب والعصابات واعضائها. ولكن في الوقت نفسه لا تزال الشوارع في برلين تحمل المخدرات لكل من اراد، ولا يزال العديد من اطفال برلين عرضة لهذه التجارة، رغم ان البلاد استقبلت مئات الاف اللاجئين العرب، والاتراك والروس وحاولت تعويض نقص ولادات سكانها الاصليين بالقادمين من كل انحاء المعمورة، واستبدلت بنقص العمالة المحلية عمالة مهاجرة مع الحفاظ على حقوق هذه العمالة الانسانية، الا انها زرعت في بطنها عصابات صغيرة تبث سمومها كل الوقت في عروق العاصمة الاكثر ترحيبا بالمختلفين.

بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings