عون والحريري: الاصل والصورة
فداء عيتاني
الخطاب المقابل لرئيس الحكومة سعد الحريري هو خطاب الجنرال ميشال عون واعضاء كتلته للتغيير والاصلاح.
انه خطاب مقابل كما تقابل صورة المرء نفسه في المرآة، ولم يعد يشفع للجنرال انه تفوه يوما بشعار “انبذوني ان تحدثت طائفيا” فلم يعد يتحدث الا طائفيا، ولا يشفع له انه يوما عقد تفاهما مع حزب الله الممثل الشرعي والوحيد للمقاومة في لبنان منذ نهاية الحرب الاهلية، فالتفاهم قد استهلكه الزمن وابتزاز الجنرال للمقاومة منذ اليوم الاول في قضية المسيحيين التي اعتبرها تعطيه مكاسب هامة في شارعه الانتخابي: العملاء الفارين الى دولة العدو الاسرائيلي.
ميشال عون كما سعد الحريري، او الجنرال كما الشيخ، يقدمان خطابا متقاربا حد التماثل، ويكرهان الصحافة والصحافيين الا من كان منهم ذليلا، او من اشتراه الشيخ وداهن الجنرال.
سعد الحريري يعتقد ان بديله هو السلفية الجهادية، او القاعدة، لطالما هدد بها اخصامه السياسيين، وصولا الى نطقه بها حرفيا في الدوحة بعيد معارك السابع من ايار، حينها قالها على روؤس الاشهاد “تعاملوا مع القاعدة ان اردتم ابعادي”، اي اما هو واما القتل والدم والاغتيالات، وها هي السلفية الجهادية اليوم تتطور في لبنان وتنمو، رغم ان سعد الحريري لم تمس مصالحه الرئيسية من تشكيلات في الدولة وانظمة هدر ومؤسسات، لا بل حافظ رئيس حكومتنا الحالية على مصالح سعد الحريري وتياره بافضل مما كان يحافظ عليها ويديرها سعد وفريقه.
الجنرال ميشال عون في المقابل شعاره الدائم “انا او القوات” طبعا هذا الشعار موجه الى طبقة متعلمة مسيحية وصاحبة مصالح مالية واقتصادية وابناء الطبقة الوسطى او ما تبقى منها، هؤلاء الذين يمكن ان يأكلهم الرعب من عودة قوية للقوات اللبنانية صاحبة التاريخ الحربي والقتالي والدامي، والذين لا يرغبون الا بتجنب هذه العودة، والذين الى مرحلة قريبة كانوا بوارد فعل اي شيء لتجنب رؤية المسيحيين من ابناء القرى الفقراء يحملون السلاح تحت قيادة سمير جعجع في مغامرة جديدة، او لعدم رؤية هؤلاء القرويين يستولون على الاحياء والشوارع ويتحكمون بمصير المسيحيين في لبنان.
الجنرال عون راهن على خوف المسيحيين من القوات، وسعد الحريري راهن على خوف المسلمين الشيعة من التطرف السني، الجنرال عون اعتبر انه المخلص، سعد الحريري رأى في نفسه الممثل الاوحد لطائفته، الجنرال عون سار كما يرغب هواه وهوى صهره المدلل جبران باسيل، مضحيا بعشرات من الكوادر، حتى لا نقول، ممن صنعوا التيار الوطني الحر واعادوا احيائه بعد هروب الجنرال من لبنان، سعد الحريري سار كما يرغب هواه ايضا معتبرا انه يمسك بالشيعة في خوفهم من السنة ويقود البلاد من موقع رئاسة الحكومة كما يرغب، حينا الى قصر الرئيس السوري بشار الاسد وحينا الى واشنطن ليصافح الرئيس الاميركي باراك اوباما.
بعد اتفاقه مع حزب الله راح الجنرال يشد الحزب نحو تقديم كل شيء له، لم يترك للحزب الا الجنوب ومقاومته، ومع تشكيل كل حكومة كان الجنرال يضع الشروط العليا، ويعود ليرفعها مع كل اجتماع تفاوضي، هكذا هو، يركض الى الامام ويقفز الى الهاوية، ويجر خلفه كل من يؤيده، لم يشفع له ولم يدفع الى التعاطف معه الا موقف واحد: تغطيته لحزب الله والمقاومة خلال حرب تموز، وهي والحق يقال سابقة تسجل في تاريخه، الا انه ومن يومها راح يستنزف كل من حفظ له ودا في هذا الموقف.
الحكومة لا تتشكل ان لم يكن فيها جبران باسيل في الموقع الذي يريده” يقول لي يوما رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، لم يكن الميقاتي مضطرا لتلبية شروط ميشال عون، ولكن المشكلة كانت محاولة القفز فوق دعم حزب الله لعون.
ميشال عون لم يتحمل اي اصلاحات في الحكومات، قاصص شربل نحاس في ارساله من وزارة الاتصالات الى وزارة العمل، ومن الوزارة الى المنزل، بعد ان خاض شربل نحاس مجموعة معارك قاسية مع سعد الحريري ونجيب ميقاتي وبدأ في ارساء تعديلات جذرية على التعامل الرسمي مع الملفات الحساسة، سواء في الهاتف او في شؤون العمال، انه الاصلاح الذي لا يرغب الجنرال في متابعته او السير فيه، كل المطلوب هو اخافة الشارع المسيحي من المسلمين، ومن المسيحيين الاخرين لضمان اصوات ناخب مسيحي يكرر التأييد للجنرال بصفته مخلص.
حسنا بعض المسلمين لا بأس بهم، انهم الشيعة الذين تم توقيع اتفاق تفاهم معهم، ولكن رئيس مجلس النواب لا يمكن التفاهم معه رغم انه حليف حليف عون، ولكن الرئيس نبيه بري صعب المراس، ولا يحب مزاح ميشال عون وصحبه وصهره، لذا لا بد من المداورة حين التحدث او التطرق الى بري، هنا لا يرى ميشال عون الفساد، ولكنه لا يستيغ ذكر اسم رئيس مجلس النواب مخافة ان يخطيء فيلتلفظ هو او من حوله بكلمة تورطه في معركة لا يتمكن لاحقا من تداركها الا بوساطة من حزب الله.
فاذا ليكن التركيز على المسيحيين الاخرين وعلى المسلمين السنة، ولكن الطبقة الوسطى المسيحية، واولئك المتعلمين والذين انتخبوا عون مرة اثر مرة، بدأوا بالتذمر، شعروا بانهم يخسرون كيفما دارت الاحوال، ليس لان الطوائف الاخرى تأخذ من حصصهم كما يصر الجنرال على القول، ولكن لان الجنرال والصهر يأخذون كل الحصة المسيحية مقابل انقاذ المسيحيين من القوات ومن خطر السنة وتطرفهم.
تماما كما كان يعتقد سعد الحريري ان لواء قيادة طائفته عقد له بفعل خوف السنة من اجتياح شيعي لحياتهم وارزاقهم وراح يتوهم بانه من الممكن قيادة الطائفة حيث يرغب طالما هي خائفة من الاخرين، ومواجهة الاخرين بخطر التطرف السني ايضا.
لم يتغير الكثير، الا ان سعد الحريري بات يدافع عن “تطرف سني” يهاجمه الجنرال، الحريري يدعم من بعيد الثورة السورية كونها ستحسن من موقعه السياسي في التركيبة الطائفية في لبنان، بينما الجنرال يرى ان انتصار الثورة السورية سيؤدي الى استقواء السنة (الذين يخيف بهم جمهوره) عليه في الانتخابات الطائفية اللبنانية.
يسأل الجنرال ان كان الولد الانركي يعرف في علم الاجتماع، ربما لا يعرف من يقصده في علم الاجتماع، الا ان الجنرال نفسه بحاجة الى اعادة تقويم في المفاهيم، فالطائفية في لبنان كصيغة حكم لا تمت الى الاصلاح ولا الى التغيير بشيء، الفساد في الوزارات ليس نظافة كف، والصراخ لا يمكن ان يثبت صحة الكلام، واخافة الناس لا تعد جماهيرية، يمكن ان تكون شعبوية ولكنها ليست شعبية.
ملاحظة: كتب هذا المقال في عتمة بعد انقطاع مفاجئ في الكهرباء (التي يترأس وزارتها الوزير جبران باسيل) وعلى بطارية جهاز محمول تخدم خمسة ساعات مستوردة خصيصا بعد تولي باسيل لوزارة الطاقة.
بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة