اتساع رقعة الحرب في الساحل
باريس – بسّام الطيارة
فيما كان وزير الخارجية لوران فابيوس يبدأ مؤتمراً صحافياً مخصصاً لـ«الحرب على الإرهاب في مالي»، كان رتل من حوالى ثلاثين آلية عسكرية فرنسية ترافقه طوافة، يعبر المركز الحدودي بين شاطئ العاج ومالي في بوغو (شمال البلاد) ويشق طريقه نحو غرب البلاد. ذلك أن متمردين إسلاميين شنوا هجوماً مضاداً بوسط غرب مالي رغم غارات جوية فرنسية على مدى أربعة أيام استهدفت مواقعهم بشمال البلاد. وكانت الطائرات انطلقت من بوركينا فاسو والتشاد يوم الأحد من فرنسا مباشرة. ونتيجة لضغوط باريس قالت عدة دول في المنطقة انها سترسل جنود على الارض هذا الاسبوع، كما يجتمع قادة عسكريون من الدول الاعضاء في «ايكواس» (منظمة غرب أفريقيا) في باماكو يوم الثلاثاء حيث من المتوقع أن تقود نيجيريا القوة الأفريقية.
إن دلّ ذلك على شيء فهو أن «الحرب المالية» لن تكون حرب محصورة في شمال مالي بل سوف تطال معظم دول الساحل المحيطة بمالي. ولكن أهم هذه الدول وأكثرها تأثيراً هي ن دون أي شك الجزئر التي من دون مساعدتها فإن أي عملية عسكرية ضخمة لن تجدي أي نفع في منطقة تتجاوز مساحتها أوروبا كاملة.
لذلك شدد فابيوس في مؤتمره الصحافي على الدور الجزائري، فقال إن «الجزائر سمحت بلا أي قيد استخدام باريس لمجالها الجوي» في إطار عمليات ضرب الجهاديين كما أشار إلى استعداد الجزائر «لإغلاق حدودها» التي تبلغ ألفي كيلومتر لمنع الصراع من التوسع شمالاً ما يعني سد منافذ عودة الكتائب المقاتلة إلى الصحراء الجزائرية التي طُردَت منها قبل عقد ونيف. لا يعني هذا أن الجزائر تجاوزت تحفظاتها ومعارضتها أي تدخل عسكري، بل يشير إلى أن الحكومة الجزائرية قررت «عدم عرقلت العملية العسكرية الفرنسية». وتؤكد مصادر ديبلوماسية «يبدو أن الجزائر قد فوجئت ببدء العملية من دون وضعها في الصورة».
وقد ظهر ذلك جلياً حين اعتقلت سلطات الأمن الجزائرية عصر أمس الرجل الثاني في “جبهة الإنقاذ” علي بلحاج بعد احتجاجه أمام السفارة الفرنسية على التدخل العسكري شمال مالي. وذكر بيان للهيئة الإعلامية لبلحاج أن «قوات الأمن الجزائرية اعتقلت نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالإكراه البدني أمام السفارة الفرنسية في الجزائر وساقته إلى جهة غير معلومة». وأوضح البيان أن بلحاج كان “بصدد القيام بوقفةاحتجاجية على التدخل العسكري المباشر على مالي، حيث رفع لافتة تطالب بطرد السفير الفرنسي من الجزائر كما ندد بـ«سماح السلطة الجزائرية لفرنسا الاستعمارية بضرب المجاهدين و حركة الأزواد من الأراضي الجزائرية»، في إشارة إلى فتح المجال الجوي أمام الطائرات الفرنسية .
ومن المؤكد أن موقف الجزائر مهم جداً بالنسبة لباريس رغم أن فابيوس قد أكد وجود «شبه اجماع دولي على دعم العملية العسكرية الفرنسية» وأن عدداً من الدول ستنضم الى فرنسا و تشارك إلى جانبها في مالي باشكال مختلفة قد تكون لوجيستية أو استخباراتية أو غيرها، وخصص بالذكر بريطانيا والمانيا والولايات المتحدة، وان مجلس الامن انعقد أمس في نيويورك بطلب من فرنسا لتسريع وتيرة انتشار القوة الافريقية في مالي، كما كشف أن وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي سيعقدون اجتماعاً خاصاً بمالي في الايام المقبلة لتقويم الوضع إلى جانب مؤتمراً للدول المانحة سيعقد في أديس أبابا قبل نهاية الشهر. وتستعد بريطانيا لإرسال طائرتي شحن تنقلان معدات عسكرية بينها مركبات مدرعة ومعدات طبية إلى باماكو، كما تحدثت ألمانيا عن إمكان تقديم دعم لوجستي طبي أو إنساني للعملية الفرنسية في مالي. في المقابل أعلن الحلف الأطلسي (ناتو) انه لم يتلقَ طلباً فرنسياً بتقديم مساعدة، فيما استبعد الاتحاد الأوروبي منح مهمته العسكرية التدريبية المقبلة في مالي أي دور قتالي.
بالطبع من الأسباب الأساسية للتدخل العسكري الفرنسي كسر الجهاديين للهدنة غير المعلنة وانطلاقهم نحو الجنوب وتهديدهم باحتلال باماكو. وهو ما يمكن أن يخلق «قلعة جهادية وسط بلاد الساحل» حيث المصالح الفرنسية الكبرى.
وقد أشار فابيوس الى الرهائن الفرنسيين الثماني في منطقة الساحل وأكد أن تحول مالي الى معقل ارهابي يزيد من المخاطر على حياتهم. ويتخوف الأوروبيين من أن تحول هذا المعقل الجهادي كهمزة وصل مع القاعدة في اليمن والصومال، إلى منطلق إرهابي يتهدد أوروبا.
ولكن التدخل العسكري لم يمنع حت الآن من اتساع رقعة القتال على الأرض، فقد اشتبك الجهاديون مع القوات الحكومية أمس الاثنين داخل بلدة «ديابالي» التي تقع على مسافة ٣٥٠ كيلومترا شمال شرقي العاصمة باماكو كما شنوا هجوماً مضاداً في أقصى الجنوب الغربي، واقتربوا من منطقة الحدود مع موريتانيا التي توجد بها ثغرات وصولاً إلى معسكرات لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
وقد أكد من جهته وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان أن المتمردين الإسلاميين سيطروا على بلدة ديابالي في وسط مالي مما يعني فتح جبهة جديدة في جنوب غرب البلاد بعد أربعة أيام من بدء التدخل العسكري الفرنسي في البلاد. وأضاف أن المعركة مستمرة وأن قوات فرنسا ومالي تقاتل لإخراج المتمردين من المنطقة.وأضاف الوزير«كنا نعلم انه سيكون هناك هجوم مضاد في الغرب لانه توجد هناك أكثر العناصر تعصبا وتنظيما».
في المقابل توعد متحدث باسم «حركة التوحيد والجهاد» وجماعة «أنصار الدين» في غرب أفريقيا وهي من الفصائل الرئيسية في تحالف المتمردين «المواطنين الفرنسيين بأن يدفعوا ثمن الضربات الجوية التي وقعت يوم الاحد في معقلهم في جاوا» حيث قتل عشرات المقاتلين الاسلاميين عندما سقطت صواريخ على مستودع وقود ومبنى للجمارك يستخدمونه مقرا لهم. وقال المتحدث لراديو «اوروبا 1» بنبرة تحد إنه كان يتعين على الفرنسيين شن هجومهم على الارض وأنهم كانوا سيرحبون بهم بأذرع مفتوحة. وأضاف «إن فرنسا فتحت أبواب الجحيم على كل الفرنسيين»، وأنها« وقعت في مصيدة أكثر خطورة من العراق وأفغانستان والصومال».
إن انتشار رقعة القتال غير مستبعدة إذ تقع منطقة الساحل في وسط حلقة مصالح فرنسية استراتيجية لن يتردد الجهاديون في مهاجمتها في مالي ولكن أيضاً في موريتانيا والنيجر حيث تحوي المنطقة مناجم اليورانيوم التي تستثمرها شركة «أريفا» الفرنسية. بالطبع تتغلغل القاعدة في المنطقة خصوصاً بعد حصولها على كميات ضخمة من الأسلحة نتيجة لانهاير النظام في ليبيا واستيلاء المجموعات المقاتلة على مستودعات القذافي، ولم تتردد في دعم الإسلاميين المرتبطين معها في حلف جهادي لمهاجمة المصالح الفرنسية والغربية بشكل عام.
ولن يقتصر خطر رد فعل الجهاديين في منطقة الساحل وأفريقية السمراء حيث من المتوقع أن تتحرك جماعة «بوكو حرام» النيجيرية لدعم الجهاديين عبر الحدودو المشتركة مع النيجر قرب «زندر»، إذ يتوقع أن يحاول الجهاديون ضرب فرنسا في عقر دارها وهذا يفسر الإجراءات الفرنسية الأخيرة من ناحية رفع مستوى الاستنفار على الأراضي الفرنسية إلى أقصى درجاته أي درجة «الأحمر الشديد» وهي الدرجة الأخيرة التي تسبق إعلان حالة الطوارئ.”انسحاب تكتيكي”.