اللسان العربي في بيروت: لغة الضاد بخير
بيروت ــ «برس نت»
ربما أصبحت المؤتمرات الفكريّة «موضة» قديمة بحسب منطق «العصريين» الذين يبحثون دائماً عن البساطة والسهولة، أو قل السخافة. بيد أن بعض هذه المؤتمرات وإن غلب على معظمها جوالملل والتكرار، والرتابة في أحيان كثيرة تبقى ضرورة على صعيد التشاور والمساهمة وتطارح الأفكار والرؤى في سبيل التذكير باستمرارية الفعل الحضاري.
ولعل اللغة العربية بما تواجهه اليوم من تحديّات التكنولوجيا والعولمة وضعف القراءة، وما تفرضه على الجيل من أدبيات جديدة تشوه الحرف العربي وتستبدل الحرف اللاتيني به، (ما يجعل لغة الضاد هجينة على غرار لغة أتاتورك في تركيا) يتطلب عقد العديد من المؤتمرات وتحريك عجلة كل ما من شأنه تصويب مسار استخدام اللغة والدفاع عنها وتعزيز حضورها في كافة وسائل التعليم والتربية والترفيه والتكنولوجيا والاتصال.
في هذا السياق جاء المؤتمر الثامن للمجلس العالمي للغة العربية في مقره وسط مبنى كلية الدعوة الإسلامية في بيروت، تحت عنوان «اللغة العربية من مخاطر الجمود إلى تداعيات التجديد”، ليؤكد حجم الإهتمام بلغة القرآن وضرورة حمايتها من التشويه والتحديّات الكثيرة.
المؤتمر الذي عُقد يومي الثلاثاء والأربعاء في 15-16 كانون الثاني 2013، حفل بمناقشات طويلة ومُعمّقة حول المخاطر التي تتهدد اللغة العربية والنظرة إلى المستقبل، والعمل على تجديد الواقع اللغوي.
وتميّزت هذه التظاهرة التي احتضنت العديد من جهابذة اللغة والمهتمين بتطويرها وتعليمها وباحثين من خمس عشرة دولة عربية وغير عربية، بمعرض الخط العربي، الذي أُقيم على هامش المؤتمر للسنة الثانية على التوالي، متضمّناً مخطوطات عربية من أوروبا.
والخط العربي هو أحد تجليات عظمة هذه اللغة، حيث أضفت اللوحات المرسومة بأنامل الخطاطين سحراً على جمالية اللغة وبلاغتها، وبأنواع من الخطوط المختلفة (الخط الكوفي والرقعة والنسخ وخط الثلث والخط الفارسي والإجازة والديواني وغيرها).
كذلك ما تم عرض شريط تصويري «فيلم» قصير عن المجلس العالمي للغة العربية،وأُلقيت قصيدة للشاعرغازي مراد، بعنوان “لغتي والشعر”، جاء فيها:
كتبْتُ شِعْري بحرف الضاد ألـوانا وصُغتُ في القـوْلِ منه النثرَ فازدانا
وجئتُ أحضـرُ أعـمـــالاً لـمؤتمــرٍ يَشــدُّني الإســمُ تـَعْريـفـاً وعُـنوانـا
فأنعشَ النفـسَ مـا لاقيْتُ مِـنْ قِـيـَمٍ وأفــرحَ القلبَ مَـنْ قابلـْتُ إخــوانــا
وحِرْتُ في النظـْم أيُّ البحر أعْبُرُه لأقطـعَ الـيــمَّ قـبـطــــانــاَ ورُبَّــانـــا
وأمخـُـرَ الموجَ لا أُلوي على خطرٍ يُهــددُ الشــعـرَ إغــراقــاً وفـُقــدانــا
ورحْتُ أبحثُ في الأكوان عن لغةٍ تـُماثِلُ “الضاد” أوصافـاً وأركــانــا
ومن أهم المحاور التي ناقشها المؤتمر: التراث اللغوي وتداعيات التجديد، وجدلية العلاقة بين التأصيل والتحديث، واللغويون والتراث اللغوي (دور اللغويين في الحفاظ على التراث). والمحور الرابع عن «المعاجم العربية المعاصرة: أمهنة أم رسالة؟».
وشهد المؤتمر خلال الجلسات على مدار يومين نقاشات اتّسمت بالجدية والغيرة على اللغة العربية، وطرحت الكثير من الأفكار والتصورات لما يجب أن تكون عليه خطوات العمل مستقبلا، من أجل النهوض مجدداً بلغة العلم والحضارة.
وفي الختام صدرت التوصيات التالية:
1- الحرص على اللغة العربية لغة القرآن الكريم والحديث الشريف.
2- إنشاء وحدة تنمية اللغة العربية والمحافظة عليها.
3- تبادل الرسائل الجامعية بقسم الدكتوراه في اللغة العربية بين الجامعات العربية.
4- الدعوة لإنشاء فرق عمل عربية من ذوي الاختصاص تكلف توحيد المصطلحات العربية في جوانب المعرفة كافة.
5- الاهتمام بالتراث الفكري العربي، ولا سيما المصادر الأدبية واللغوية والمعاجم، وتوجيه أهل العربية والناطقين بها إلى متابعة مثل هذا الاهتمام.
6- عقد المؤتمرات بالاشتراك مع المؤسسات التعليمية العربية والإسلامية، وإقامة المؤتمرات في بلدانها، والسعي إلى أن تعم البلدان الداعية إليها.
7- دعوة الحكومات العربية، وخاصّة وزارات التربية إلى الاهتمام باللغة العربية تعليما وتطويراً.
8- تفعيل توصيات المؤتمرعبر المؤسسات الرسمية والخاصة.
9- الدعوة إلى التنوّع اللغوي عبر تكنولوجيا المعلومات لعدم اتّساع الفجوة بين اللغة العربية ولغات العالم.
10- 10 – شكر المجلس العالمي للغة العربية بعامة وهيئته الإدارية بخاصة، على النشاطات العلمية التي يقوم بها المجلس، والمؤتمرات الفكرية التي يعقدها.
وفي المناسبة نفسها اختار أعضاء الهيئة العامة للمجلس العالمي للغة العربية هيئة إدارية جديدة، ونظراً لعدم وجود مرشحين أكثر من العدد المحدد فقد فاز المرشحون الخمسة عشر الذين قدموا ترشّحهم بالتزكية، ثم عقدت الهيئة المنتخبة اجتماعها الأول لتوزيع المهام بين أعضائها، والذي تم بموجبه اختيار مدير كلية الدعوة الإسلامية الشيخ عبد الناصر جبري من لبنان، رئيساً للمجلس، وليلى خلف السبعان من الكويت، نائبة للرئيس وجوزيف الياس من لبنان، أمينا للسر، إضافة الى المسؤوليات الأخرى التي توزعت على الباقين.