تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين 2003 – 2011 (1)
فداء عيتاني
تمهيد: اجتياح بالضرورة
بوجود اسلحة دمار شامل او بعدم وجودها، بوجود علاقة تربط صدام حسين والنظام العراقي بتنظيم القاعدة الدولي او مع عدم وجود هذه العلاقة، قامت القوات الاميركية بالتحالف مع عدد من الدول باجتياح العراق العام 2003، واسمت اجتياحها باسمه الصريح “احتلال” وبقيت فيه لغاية نهاية العام 2011، وبدأت بالمساومة في جدولة الانسحاب العام 2011، وباخلاء العراق الا من عشرات الاف الجنود الذين سيحمون قنصليات الولايات المتحدة ابتداءا من الجزء الاخير من العام 2011.
ووسط تلكوء الولايات المتحدة في سحب جيشها، فان السياسيين العراقيين بجزء كبير منهم لم يبدوا متحمسين للانسحاب الاميركي، وعلى مستوى المواطنون فانهم كانوا وحتى اللحظات الاخيرة من الانسحاب الاميركي يبدون اعتقادهم بان هذا الانسحاب لن يحصل، وهو خروج من الباب للدخول من الشباك.
صراع صامت ولكن عنيف حصل قبل الوصول الى خروج القوات الاميركية من العراق، صراع استمر بعد هذا الخروج، ولم ينته العام 2011 الا والقوات الاميركية خارج الحدود العراقية، انسحبت الى الكويت برا، ومن هناك الى بلادها، كما انحسبت باتجاه تركيا عبر المناطق الكردية، واتخذت الولايات المتحدة قرارا بتقليص عدد الوحدات العسكرية بحوالي مليون جندي في الاعوام القليلة اللاحقة، الا ان النزاع الداخلي الذي تحضر فيه الولايات المتحدة الاميركية وايران بقوة استمر على اشده خلال الاشهر التالية، ربما استمر النزاع بصمت ولكن بقوة قاتلة كالعادة في العراق.
على طول الطرقات الممتدة من بغداد الى الشمال، خرجت خلال شهر تموز من العام 2011 مئات الشاحنات التي تحمل معدات عسكرية ولوجستية اميركية، واتجهت هذه الشاحنات الى الشمال في عملية اخلاء طويلة وبطيئة للمواقع الاميركية، وان كان موعد تسليم المواقع العسكرية الاميركية الى الجانب العراقي لم يكن معروفا بالتحديد حينها. وما يزيد في الغموض عدم وجود حكومة عراقية في البلاد لتعذر تشكيلها في صيف العام 2011، وهي تشكلت بعد الانتخابات بما تيسر الاتفاق عليه، قبل ان ينسحب الاميركيون وتبدأ التصفيات السياسية الدموية وغير الدموية الداخلية، بعضها على وقع الانسحاب والبعض الاخر على خلفية الازمة السورية والدور الايراني في العراق وسوريا والمنطقة.
الشمال الذي انسحب اليه الاميركيون هو مناطق كردستان، التي لها خصوصيات متعددة بنظر القوات الاميركية، وهي ربما المناطق الوحيدة التي يتحد رأي السكان مع رأي الرسميين بشأن القوات الاميركية بانها “قوات صديقة” بينما يراها العراقيون في باقي المناطق، سنة وشيعة كقوات احتلال، وما خلا بعض المنتفعين، او تصريحات رسمية عسكرية تصف الاميركيين بالقوات الحليفة، او القوات الصديقة، فان الرأي العام ومجالس السياسيين تشير الى الجيش الاميركي كجيش احتلال للعراق.
وها هم الاميركيون ينسحبون صيفا نحو كردستان، ليتجهوا الى قواعد اميركية في تركيا، بينما في الشتاء يعلنون عن انسحابهم نحو الكويت، وفي الليالي وعلى الطرق الدولية العراقية، تلك التي تصل ما بين العاصمة بغداد ومحافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك وغيرها، يمكن لمن كان يتجول هناك مشاهدة القوافل الاميركية حيث تمر عشرات من العربات الضخمة المقاومة للالغام والكمائن MRAP الاميركية، وبينها شاحنات تحمل حاويات بالعتاد والمعدات الاميركية المسحوبة نحو الشمال وخارج العراق، او المناطق العربية في العراق بمرحلة اولى، نحو كردستان. وتضيء الشاحنات الكشافات على جوانبها الثلاثة، الميمينة والميسرة اضافة الى الكشافات الامامية، وفي نهاية الرتل المنسحب تضيء العربة الاخيرة الطريق خلفها.
انعزلت كردستان من اللحظات الاولى للغزو، وشكلت دولة شبه مستقلة، وترأست الجمهورية العراقية، واصبحت زيارة المواطنين العراقيين لكردستان العراق تحتاج الى موافقة مسبقة يستغرق اصدارها اسبوعا تقريبا، واقامت علاقات ود مع القوات الاميركية، واستعانت بها لتسير خطواتها الاولى في انشاء سلطتها المحلية، وضربت الى جانب القوات الاميركية حركة “انصار الاسلام” منذ بدايات الغزو الاولى، ودفعت بكل القوى المقاومة والسلفية الجهادية الى خارج حدودها، ولم تشهد عمليات قتالية الا فيما ندر.
ومن لحظات الغزو الاولى كان طموح الاكراد بانشاء دولة مستقلة واضحا، وبدأت القوات الكردية المعروفة بالبشمركة بسحب ممتلكات الدولة العراقية الى المناطق الكردية، ومحاولة ضم اقاليم اضافية الى مناطق كردستان العراق، واستجلاب المزيد من السكان وتركيز كثافة سكانية في كردستان العراق، واجتذاب خبرات ورؤوس اموال، كردية ومسيحية (عراقية وعربية)، ولكن ليس عربية مسلمة.
واعتمدت “الدولة” الفتية في كردستان على الاسلوب الاسرائيلي في تحشيد القوى والخبرات الانتاجية، وفي توطين الاكراد وفي محاولة التوسع في محيطها المباشر.
وكان لافتا القضاء على منظمة انصار الاسلام، التي يرأسها الملا كريكار (نجم الدين فرج أحمد مواليد 1954 وهو لاجئ حاليا في النروج)، والتي بايعت الشيخ اسامة بن لادن، وتعرضت المنظمة الى قصف عنيف من القوات الاميركية خلال الايام الاولى للاجتياح الاميركي (2003)، وتكفلت قوات البشمركة الكردية بالقضاء الكامل على التنظيم ومؤيديه قبل ان يتسنى له استعادة انفاسه من القصف الاميركي.
اما باقي اراضي العراق فكانت نهبا لخليط من الصراعات، تداخل فيها المذهبي بالاقليمي، والمقاوم للاحتلال بالانفصالي، والسياسي بالامني والمافياوي، حتى اصبح من الصعب التمييز بين ما يحصل في كل مرحلة وعند كل خطوة، وانتهى الامر باستباب جزئي للامن في بغداد خاصة، وبضرب تنظيم القاعدة بشكل كبير في المحافظات التي نشط فيها، سواء في محافظة بغداد او صلاح الدين، او ديالى، او الانبار، او التأميم، او (الموصل).
بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة