معاذ الخطيب يحصد «كتلة شعبية» عابرة لقوى النظام والأكثرية الصامتة والمعارضة
باريس – بسّام الطيارة
«الحوار مع النظام أمامكم وخراب الوطن وراءكم» قول يمكن أن نضعه في فيه رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية معاذ الخطيب. فللمرة الثانية يجد «معارضة داخل المعارضة» لتوجهه المنفتح على حوار مشروط مع النظام. ولكن تأتي المعارضة هذه المرة من «المجلس الوطني السوري» الذي شن حملة عنيفة على «رئيس الائتلاف الوطني» الذي هو جزء منه وأشار إلى رفض «الدخول في اي حوار او تفاوض» مع النظام السوري. وأعلن المجلس في بيان أن ما سمي بمبادرة الحوار مع النظام، «انما هي قرار فردي لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات الائتلاف»، مضيفاً ان هذه المبادرة «تتناقض مع وثيقة تأسيس الائتلاف»، التي تنص على «عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم» في تكرار لما كان قد صدر قبل اسبوع في القاهرة عقب أول تصريح للخطيب.
لم تنظر «المعارضة ضمن المعارضة» صوب دمشق حيث لم تُستقبل مبادرة الخطيب بالترحاب: صحيفة «الوطن» السورية التي تنقل عادة وجهة نظر السلطات قالت إن العرض الذي تقدم به رئيس الائتلاف المعارض للتحاور مع ممثلين للنظام لانهاء الازمة السورية «جاء متأخرا» وإن المطلوب هو “محاربة الارهاب». وهذا كما يقال رفض بطريقة ديبلوماسية. وهو ما يعطي مبادرة الخطيب قوة إضافية من الناحية الديبلوماسية والنفسية، فعوضاً أن يحمل لواء الـ«لا للحوار» فيما الضحايا بالمئات يومياً ها هو رئيس الائتلاف يبرهن للعالم أجمع وخصوصاً (وهو الأهم) لمواطنيه في الداخل أنه «طالب للحوار بينما النظام يرفض الحوار». هذه الإشارة التواصلية موجهة لمن ما زال يدعم ويقف إلى جانب النظام في الداخل.
كما أن هذه المبادرة تعتبر «ضربة معلم» على الصعيد السياسي فالخطيب بمبادرته هذه إلتف على «هيئة التنسيق» المعارضة الداخلية ذات الوزن، التي كانت ما زالت تعمل على بلورة «قاعدة حوار» مع النظام مبنية على اتفاق جنيف العتيد. ولكن هذا الالتفاف على هيئات المعارضة الداخلية لا يحسب إلا بمكيال الربح إذ أن وضع هيئة التنسق أمام حائط القبول بما «لا يتناقض وروحية مطالبها» وبالتالي يكسب دعمها في الداخل وهو ما افتقده المجلس الوطني السوري منذ سنتين.
ولكن وجب هنا توضيح المسلك الذي قاد معاذ الخطيب لأخذ «مبادرة مجابهة» مع حلفاءه في الائتلاف والذي ينبع من بيئته ونشأته. أولاً وخلافاً لما تقوله بروباغندا النظام (وبعض حلفاءه) فهو لا نسب له ولا قرب بينه وبين تاج الدين الحسيني أول رئيس للجمهورية السورية تحت الانتداب الفرنسي. ولكنه بالفعل كان خطيب الجامع الأموي في الدمشق، أي أنه يستشعر ما تعيشه البورجوازية الدمشقية، التي تعتبر الجامع الأموي معقلها الأول. وهذه البرجوازية التجارية شاهدت ما حصل مع برجوازية حلب الصناعية (المنافسة)، شاهدت خراب المدينة وخراب المصانع والنهب الذي أصابها. من هنا فإن الخطيب بمبادرته (التي رفضها النظام) يخلخل أسس دعم النظام في قلب عاصمة الأمويين أي لدى البرجوازية السنية التي ما زالت تتخوف من الثورة. وهذا ما لم يفقهه عدد كبير من أعضاء المجلس الوطني.
حسب أخر «قياس لميزان القوى» فإن القوى داخل الإتلاف ما زالت «عددياً» تميل لمصلحة «معارضين أي حوار» وهم متمثلين بشكل أساسي في فريق مصطفى الصباغ الأمين العام الأتي من المجالس المحلية (١٥ عضو في الائتلاف) والمجلس الوطني السوري (٢٢ عضو) وكمال لبواني وعدد من الشخصيات المستقلة، في المقابل فإن رياض سيف (المنتدى الوطني الديموقراطي) وعبد الباسط سيدا ووليد البني ومطيع البطين يقفون وراء رئيس الائتلاف، بينما تقف نائبة الرئيس سهير الأتاسي بين الفريقين. ولكن رغم ميزان القوى هذا فإن معاذ الخطيب استطاع أن يشكل «كتلة شعبية» عابرة للقوى الثلاث التي تشكل الخارطة السياسة للحالة السورية اليوم: النظام والأكثرية الصامتة والمعارضة.
وهنا تكمن قوة الخطيب في تجاوز الكتل المشكلة للقوى السياسية السورية اليوم. أضف إلى ذلك الدعم الدولي الذي حصل عليه بشكل مباشر ومرتبط بمبادرته.
إذ رحبت واشنطن بهذا العرض مشترطة عدم منح الرئيس بشار الاسد اي حصانة، كما حال باريس على لسان الناطق الرسمي لوزارة الخارجي «فيليب لاليو» الذي قال لـ«أخبار بووم» رداً على سؤال حول مبادرة الخطيب «إن تصريحات رئيس الائتلاف تبدو لنا مبادرات انفتاح مرحب بها» وتابع بأن باريس «طالما اعتبرت أنه لا يوجد حل سوى سياسي»، وأضاف من هنا فإننا «ندعم هذه المبادرات». واستطرد بأن سبب هذا الدعم أن «هذه المعارضة هي البديل الوحيد لنظام الأسد»، إلا أنه استدرك بالقول «ولكن بالطبع فإن هذا الدعم مرفق بثابتة ألا وهي أن بشار الأسد لا مكان له في أي حل للأزمة السورية»، وتابع «يجب أن يكون هناك حوار ولكن ليس مع من تلوثت أيديهم بالدماء». ورداً على سؤال حو التباين داخل الائتلاف وصف لاليو ما يحصل بأنه « أشارة إلى ديموقراطية وأنه لا بد أن يصل الأعضاء إلى موقف موحد».
ولا تتوقف مكاسب الخطيب على «حلفاء المعارضة الغربيين القدماء»، بل حصل على رضى ضمني من موسكو وطهران عقب لقاءه مع وزيري الخارجية الايراني والروسي في ميونيخ وهما حليفتي النظام. بالمقابل فإن دولاً أخرى بارزة حليفة للمعارضة، مثل السعودية وقطر، لم تبد اي موقف في الأيام القليلة الماضية منذ إطلاق المبادرة.
ولكن كما يبدو فإن النظام السوري يبدو عاجزاً عن التقاط المبادرة أيضاً، فقد ذكرت صحف مقربة من النظام ان «تصريحات الخطيب تبقى منقوصة ولا تكفي لتجعل منه مفاوضاً أو محاوراً مقبولا شعبياً على أقل تقدير» وصفت التصريحات بـ«المناورة السياسية لتصحيح خطأ الدفاع عن جبهة النصرة والتبرير المستمر لجرائم ترتكب كل ساعة بحق سوريا». وهنا في حال عبرت هذه التعليقات عن حقيقة وجهة نظر أركان النظام يكونوا هؤلاء في هذه الحال مساهمين في إفساد مبادرة يمكن أن تشكل أساساً للحل.
وعلى الصعيد الديبلوماسي فقد أعلنت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى في جامعة الدول العربية أن مساع تجري لعقد قمة ثلاثية اليوم الأربعاء بين مصر وتركيا وإيران بشأن الأزمة السورية، مضيفة أن اتصالات ما زالت تجري مع السعودية للانضمام إلى القمة التي ستتناول مبادرة رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أحمد معاذ الخطيب. وهو ما يعطي زخماً أكبر لتلك المبادرة.