حرب عصابات تنتظر القوات الفرنسية في مستنقع مالي
باريس – بسّام الطيارة
تغير وجه الحرب التي تخوضها فرنسا في مالي. فبعد أن كانت «رحلة سريعة وراء فلول الجهاديين في الشمال» ها هي تتحول رويداً رويداً إلى «مستنقع حرب عصابات»، فقد فقد تبين أن «اختفاء» مقاتلي أنصار الدين وحركة التحرير والجهاد في غرب أفريقيا وكذلك أفراد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لم يكن «هروبا» بل استراتيجية مدروسة يمكن وصفها بالانتثار والتفرق، وهو ما كان يتخوف منه مصدر فرنسي كبير قبل يومين من الهجوم الأخير على غاو (١٢٠٠ كلم شمال شرق باماكو).
وقالت مصادر بأن متمردين قد تسللوا عبر نهر النيجر تحت جنح الظلام وهاجموا القوات مالية يوم الأحد في شوارع المدينة التجارية التي أعيدت سيطرت عليه قبل أسبوعين فقط.
وقد نفذ الهجوم الجريء للمتمردين بعد تفجيرات متعاقبة شنها مفجران انتحاريان عند نقطة تفتيش وشكل مفاجأة لقيادة العمليات العسكرية التي والتي لم تصادف حتى الان سوى مقاومة محدودة من الجهاديين.
وقال سكان من المنطقة إن الجهاديين احتلوا مركز الشرطة الرئيسي في البلدة عقب التفجير، وقال إن المهاجمين جاءوا على متن دراجات نارية يطلقون نيران بنادق كلاشنيكوف والقذائف الصاروخية على الجيش المالي الذي أصابه الهلع في لبداية. وجرى تبادل رطلاق نار كثيف حول مركز الشرطة من دون أن تقوى القوات المالية على إخراج الجهاديين من مركز الشرطة طيلة ساعات أربع طويلة. وقد هرعت القوات الفرنسية إلى المكان وقامت طائرات الهليكوبتر بقصف مركز الشرطة طيلة ساعات الليل. وفي صباح أمس الاثنين أعلن عن «انتهاء العملية» وتطهير مركز الشرطة الذي تهدم كلياً.
واكتظت السوق الرئيسية في غاو وجاءت الحشود للنظر إلى المركز المهدم . وقال شهود إن الجثث ما زالت ملقاة في الشوارع وبعضها لمتمردين ومدنيين أصابتهم رصاصات طائشة. في حين أعلن بيان رسمي أن عدد القتلى بلغ خمسة بينهم جهايين وثلاثة مدنيين.
ويدل الهجوم إن لزم الأمر إلى أن الجيش الفرنسي الذي ينشر أربعة آلاف من جنوده في مالي في إطار عملية تدخل في أسبوعها الخامس معرض لهجمات كر وفر من قبل جهاديين. خصوصاً وأن ريبورتاجات الصحافيين أظهرت عدداً كبيراً من المهاجمين بين كانت نتيجة قتال دان ساعات طويلة «قتيلين وأسير واحد». ومن هنا السؤال أين اختفت بقية المهاجمين؟
وقال ضابط فرنسي طلب عدم ذكر اسمه للصحفيين « إن الماليين يفتشون منزلاً تلو الاخر ومجمعاً سكنيا تلو الاخر» في رد غير مباشر على هذا السؤال. واعترف مسؤولون فرنسيون وماليون في غاو إن مخاطر التسلل وتبادل إطلاق النار والتفجيرات ما زالت كبيرة.
وكان قادة فرنسيون قد لمحوا إلى أنهم يعتزمون بدء سحب قواتهم من مالي في نهاية آذار/مارس وأنهم يريدون تسليم العمليات الأمنية لقوة عسكرية افريقية أكبر مكونة من ثمانية آلاف جندي يجري تجميعها حاليا وتضم جنودا من دول في غرب افريقيا. إلا أنه يبدو أن «الهجوم على غاو» قد بدد كل أمل بانسحاب سريع للقوات الفرنسية.
وفقد نسب رئيس بلدية غاو سادو ديالو هجوم الاحد الى «تراخ» في سيطرة الجيش المالي على المخرج الشمالي للمدينة حيث فجر انتحاريان نفسهما مؤخراً. وافاد عدد من الشهود أن الجنود الماليين «فروا بعد الهجوم الانتحاري الثاني مساء» السبت ما سهل دخول الاسلاميين يوم الأحد.
وتبنت حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا الهجمات الاخيرة مؤكدة ما يتخوف منه الجميع من أن «المجاهدين في مدينة غاو وسيبقون فيها». وهو ما تخشاه مصادر عسكرية مالية وفرنسية وجود إسلاميين آخرين في المدينة، خصوصاً وأن بعض السكان تحدث عن «أسلحة وذخائر مخبأة في المدينة». كما أنه لا يمكن إلا الاعتراف بوجود نوع من «التأييد» للجهاديين لدى شريحة ضيقة من السكان.
وقد وجهت اتهامات لبعض الجنود بالقتل العشوائي. ونقلت وكالة فرانس برس عن أحد السكان قوله عندما رأى جثة ملقاة في الشارع «إنه ليس اسلامياً. هذا فيصل هارونا مايغا، وهو خياط من غاو». مؤكدا انه كان يعرف القتيل ويجهل «من اطلق النار عليه».
وترتفع الانتقادات من أن الجنود الماليين الا يظهرون الكثير من ضبط النفس. فقد اطلقوا النار عدة مرات الأحد على أشخاص عزل كانوا يمرون قرب موقع المواجهات بحسب صور سجلها صحافيو قناة فرنسا الثانية. كما تكاثرت الاتهامات للجيش المالي بتنفيذ اعمال تعذيب وقتل منذ بدء الازمة، وتوقيف أشخاص واقتيادهم إلى أماكن مجهولة.
كل هذا يشير إلى أن عملية ردع الإسلاميين باتت حرب بكل معنى الكلمة كما كان يتخوف البعض. وبالفعل ذكرت تقارير صحافية نشرتها وسائل الاعلام الجزائرية أن خبراء من الجيش الفرنسي بدأوا الإعداد لتجهيز قاعدتين جويتين في مالي تبدآن العمل خلال أشهر، بهدغ الإبقاء على قوات جوية ضاربة في مالي، يمكنها التعامل مع تهديد الجماعات الجهادية، التي مازالت قوية وقادرة على تكرار حملتها التي أدت إلى طرد الجيش المالي من مدن الشمال.. وهو ما يدل إن صح الخبر على أن القوات الفرنسية باقية طويلة في رمال صحراء مالي.