فتوى تحرم عيد الحب وأخرى تجيزه
بسّام الطيارة
نقطة على السطر
منذ يومين وأنا أبحث عن رابط بين «عيد الحب» (أو سان فلانتين) وبين العرب بشكل عام. أسمع أن بعض الدول العربية تحتفل بشكل غير رسمي بعيد الحب على مستوى شخصي أي أنه يكون في بعض الأحيان مناسبة للالتقاء مع الأصدقاء للاحتفال أو تكون مناسبة خاصة بين امرأة ورجل لشد أواصر الحب والالفة التي تجمع بينهما، أو بين خطيب وخطيبته ، أو بين صديق وصديقته.
وجودي في باريس حيث الفضاء الإعلامي يضج بالحديث عن زواج المثليين من رجال ومن نساء تكريساً قانونياً لعلاقة تربطهما (وهو ما صوت عليه البرلمان قبل يومين من مناسبة هذا العيد اليوم أي ١٤ شباط/فبراير)، جعل أفكاري تشطح قليلاً نحو معنى الحب. لم أجد ضيراً أن يشمل الحب شخصين من جنس واحد. فالحب لا تفسير له.
فأمسكت قاموساً عربياً ورقياً وقد ضقت زرعاً بأنترنيت وبالبحث على الشبكة فلجأت إلى عاداتنا القديمة. وتوجهت نحو المفردة «الحبُّ» فوجدت أن لها معنى مادي ومعنى فلسفي: الأول يدل على الخشبات الأربع التي توضع عليها الخابية (أو الجرة) وجمعها حِباب. أما المعنى الثاني فيدل على «ميل إلى الأشخاص أو الأشياء العزيزة أو الجذابة أو النافعة (لاحظت أنه لم يحدد ضرورة أن يكون الشخصين من جنسين مختلفين). وأعطي للمعنى الفلسفي أمثلة عدة: مثل حب المال (الشجع) وحب الوطن (الوطنية) وحب الذات (الأنانية) وحب الله (صوفياً حباً لله وبالله)، . تعجبت لما لم يذكر القاموس حب الرجل للمرأة أو حب الفتاة للشاب أو حتى حب الأم لأولادها أو حب الأولاد للأبوين؟ لم يعط أمثلة لحب الأشخاص بين بعضهم البعض لربما خوفاً من الوقوع في تفسير جنس المحبين. فقط أسطر أربعة في القاموس الحديث.
وجدت التفسير جافاً ومختصراً لكلمة تحرك الناس أجمعين. فقررت العودة إلى الوراء. فأخذت قاموس «لسان العرب» للعلامة أبي فضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري. وتحت باب حرف «الباء» وجدت أنه يفيض بشرح كلمة حب في صفحة ونصف من الخط الصغير ويبدأ بالشرح أن الحب «نقيض البغض» ويتوسع بشرح المعاني التي هي أقرب لما نفهمه عن «هذا الشعور الجارف»، يتكلم عن «حب رسول الله» ولكن يتكلم أيضاً عن المرأة والرجل يتكلم عن الجوارح وجعل الأشعار ليرمز إليها فيقول «أتهجر ليلى بالفراق حبيبها — وما كان نفسا بالفراق تطيبُ». أمضيت ساعة اتمعن بفصل الحب في «لسان العرب».
قررت العودة إلى أنترنيت. فضربت كلمتي «عيد الحب» ويا للعجب أول ما قفز إلى الشاشة «تحريم» صادر عن المرحوم الشيخ محمد بن صالح العثيمين في عام ٢٠٠٠ بقوله «عدم جواز الاحتفال بعيد الحب» وبرر ذلك «أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة» فهو حسب التحريم« يدعو إلى اشتغال القلب بالأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل أو المشارب أو الملابس أو التهادي أو غير ذلك وعلى المسلم أن يكون عزيزاً بدينه وأن لا يكون إمّعة يتبع كل ناعق».
عجيب أمر هذا الداعية.
بغض النظر عن أصول عيد الحب الوثنية وأن المسيحيين تلقفوا المناسبة وربطوها باسم أحد القديسين (القديس فلانتين) إلا أن هذا «اليوم الذي ليس مثل الأيام الأخرى» (مثل كل الأعياد) هو «اتفاق» البعض على أن يكون هذا اليوم مناسبة للاحتفال بشيء ما هو … الحب. وبما أن الحب لا يعرف الحدود ويصيب كل الناس (من منا لم يحب؟) فقد توسع الاحتفال به مع اتساع التواصل الإعلامي وبدأ سكان العالم يحتفلون به. وهو عيد يحتفل به بتواضع مقارنة مع أعياد أخرى حتى يمكن القول إنه «عيد خجول». فقط شركات التسويق تحاول تأجيج بيع سلع وهدايا. ولكن حتى في الغرب فإن الاحتفال يكون على شكل باقة ورد يقدمها الزوج لزوجته أو تبادل هدايا صغيرة بين الأحباء من شباب وشابات بشكل عفوي ولطيف.
وفيما أنا أهم بإقفال الأنترنيت وأنا أتساءل ما بال هذا الداعية (رحمه الله) ليجعل همة تعكير صفو المحبين، وقعت على إفتاء مناقض تماماً للدكتور عبد العظيم المطعني عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة وأستاذ الدراسات العليا في جامعة الازهر الذي أباح الاحتفال بعيد الحب وكتب «إن تخصيص أيام بعينها للاحتفال بها من أجل توثيق العلاقات الاجتماعية بين الناس مثل عيد الحب مباحة ويجوز حضور الاحتفالات التي تقام من أجل ذلك بشرط ألا نعتقد أنها من شعائر الدين ولا نقوم فيها بما يؤدي إلى ارتكاب الاثم». بالطبع ليس تقديم باقة ورد إثم ولم أرى شخصاً يؤدي ركعتين بمناسبة عيد الحب. وينهي الدكتور المطعني فتواه بعد أن يعدد ما لا يجب القيام به من « الهرج والمرج والرقص واللهو والخلو والاختلاط والبدع والخرافات وسائر المحرمات والمحظورات» يؤكد إباحة حضور عيد الحب «وإحياءه والمشاركة فيه مجاملة وكرباط ود وحسن علاقة وكريم صلة».
فتوتان حول عيد الحب تختصرا واقعنا اليوم (سياسياً واجتماعياً و…حتى ثورياً وحربياً) بين تشدد جامد وأعمى ومتحجر، وبين انفتاح على العقل والمنطق وتسهيل حياة بني إنسان.
باقة ورد حمراء للجميع.
اصبح رسول الله اليوم كالمسيح فهم يقدسونه و يألهنه و ذلك هو تماماً ما حذر ضده الرسول بحد ذاته قبل موته.
تاريخ نشر التعليق: 2013/02/14اصبح الدين عند المسلمين هاجس و هوس و المسلمون اليوم لا يختلفون عن المخدرين الذين اصبحت حياتهم كلياً معتمدة على المخدرات و الأفيوم الديني للعيش و البقاء. إن سر الحياة هو في البساطة و ليس التعقيد الزائد عن حدوده. إن الزائد هو اخو الناقص.
اُكتب تعليقك (Your comment):