هل طلبت باريس تعاوناً أمنياً من دمشق؟
باريس – بسّام الطيارة
سبق أن قيل «إذا أحببتم كلود غيان فسوف تعشقون مانويل فالس» أي كان الأمر استشفافاً بأن وزير الداخلية الفرنسي الاشتراكي الجديد سوف يلحق بخطى سلفه وقد يتفوق عليه في «الشدة والصرامة». وبالفعل لم تتوقف عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين ولم يتراجع تأييد الوزير الشاب الطموح للشرطة أياً كانت شدة تصرفاتها، تماماً مثل غيان وهو ما يفسر شعبيته في الأوساط اليمينية.
كما أن فالس وضع أيضاً خطاه في خطى سلفه في مسألة محاربة الإرهاب، الهاجس الأول للسلطات السياسية والأمنية الفرنسية، خصوصاً منذ بداية الحرب في مالي والتهديدات التي تصلها تباعاً من الجهاديين بالانتقام من «الحملة الصليبية» حسب قولهم على الأراضي الفرنسية. وفي الواقع فإن كلود غيان رئيس الشرطة السابق ورئيس مكتب نيكولا ساركوزي عندما كان وزيرا للداخلية ثم سكرتير الإليزيه أي رجل المهمات السرية عندما انتخب ساركوزي رئيساً وقبل أن يستلم حقيبة وزارة الداخلية اشتهر بـ«علاقاته الشرق أوسطية» بحكم كون تلك المنطقة مصدر الإرهاب في الثمانينات، وكانت علاقته الأوطد مع … آصف شوكت رجل الأجهزة السوري الذي قضى في تفجير في بداية الثورة. وكان زوار غيان في الإليزيه يصفون «علب الفاكهة المجففة السورية التي كانت تتربع على بوفيه في مكتبه» ما يدل على علاقات وطيدة ومستمرة مع «أقوى جهاز أمني» حسب وصف أحد المقربين من غيان.
وقد قطفت فرنسا ثماراً كثيرة جراء هذا «التعاون الأمني» فقد ساعدت الأجهزة السورية مرات عدة الأجهزة الفرنسية على كشف شبكات إرهابية تخطط لضرب مصالح فرنسية، أو تفجير شبكات مترو الأنفاق كما أنها كانت «من حين لأخر» تمد الأجهزة الفرنسية بأسماء الجهاديين الفرنسيين الذين كانوا يعبرون حدودها مع العراق.
ويقول مصدر مقرب من الأجهزة الأمنية «إن شهر العسل بين أجهزة البلدين كان مفيداً للباريس بقوة» ويتابع بأن هذا التعاون كان من أحد الأسباب التي دفعت ساركوزي لمحاولة الانفتاح على سوريا بشار الأسد.
مجريات الأمور تغيرت كثيراً في السنتين الماضيتين بعد انطلاق الثورة السورية وباتت فرنسا رأس حربة دعم المعارضة، وانقطعت جسور التواصل والتعاون بين باريس ودمشق، وانتقل مكتب «الأمن ومكافحة الارهاب» الذي كان يتابع هذا التعاون من دمشق إلى عمان العاصمة الأردنية.
ولكن ما أن انتهت الحرب على ليبيا وبدأت الثورة في بلاد الشام حتى بدأ تحرك الجهاديين انطلاقاً من ليبياً باتجاه المشرق السوري، وقد رأى عديدون بذلك دعم للثورة وتسريع في سقوط النظام البعثي. ولكن عندما احتل سلفيون شمال مالي بدأت باريس تنظر بريبة إلى هذا «المد السلفي» وبدأت تراقبه وترى فيه «خطراً على أوروبا وعلى فرنسا» بالتحديد. وعندما قررت وقف زحف الجهاديين نحو عاصمة مالي وقامت بحملتها بدأت أصوات الجهاديين ترتفع وتطالب بالاقتصاص من «المستعمر السابق» ووصفت حملة باريس بـ«الصليبية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين».
مسؤول كبير أكد لـ«برس نت» أن الجهاديين ينتقلون ويتنقلون بحرية تامة بين الساحل وسهول سوريا مروراً بليبيا ومصر وسيناء والأردن ولبنان. ما الحل؟ كيف يمكن إبقاء شبكةمراقبة واستباق العمليات الجهادية متيقظاً وفاعلاً؟
مانيول فالس الوزير النشط أعاد فتح الملفات القديمة ليخرج «الأدوات التي كان يستعملها سلفه غيان» حسب قول مصدر مقرب من الأجهزة. وماذا كان يفعل غيان؟ كان يلجأ للسوريين. وتبع فالس حسب أكثر من مصدر «إلحاح أجهزته» فوافق على تقديم «طلب للسلطات السورية لإعادة مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب إلى دمشق» أي بشكل أوضح طلب إعادة مد شبكة التعاون بين الأجهزة السورية والفرنسية.
ولكن جاء الرد من دمشق برفض قاطع.
ولم تنفع تصريحات فالس الأخيرة التي تحدث فيها عن «شبكات إرهابية في فرنسا تطوع مجاهدين للقتال في سوريا» ولا التشديد على تصريحات زميله وزير الخارجية البريطاني بأن «سوريا باتت وجهة للجهاديين» في تليين موقف دمشق.
يقول المصدر المقرب من الأجهزة «لا يجب أن نفقد الأمل» ويتابع قائلاً «إنهم يريدون أن يرفعوا ثمن هذا التعاون ليكون سياسياً بينما نحن نبحث عن تعاون أمني مع أجهزة أمنية». أما المصدر العربي المتابع فيقول إن السوريين يعلمون جيداً بأن «عدداً لا يستهان به من القوات الخاصة الفرنسية -قسم العمليات الخارجية- تدعم الجيش السوري الحر تدريباً وتسليحاً» عبر عمليات شراء لأسلحة من السوق السوداء، وإن هو اعترف بأن وجود القوات الخاصة الفرنسية والبربطانية والأميركية التي تعمل عبر الحدود اللبنانية والأردنية والتركية ليست قتالية بل هو للتدريب ولإدارة غرف عمليات مشتركة وتسليم الأسلحة ومعدات الاتصال وخصوصاً «لمنع وقوع الأسلحة بأيدي الجهاديين».
ويتفق المصدران في أن «مسألة تسليح المعارضة» يمكن أن تتم «مساومة عليها» بين العاصمة الفرنسية وعاصمة الأمويين، كتسوية بين الطرفين لإعادة شبك علاقات التعاون الأمني بين البلدين، خصوصاً وأن لدمشق مصلحة في ضبط نوعية الأسلحة التي تستلمها المعارضة، كما أن لها مصلحة كبرى في «سد منابع انطلاق الجهاديين قبل الوصول إلى الأرض السورية وتجفيف مصادر تمويلها وتسليحها».