“لنحتل سوليدير”: دعوة غاضبة لاسترداد بيروت
إميلي حصروتي ـ خاص «أخبار بووم»
إنه الغضب حول العالم. فغليان الشعوب الصابرة على جور السياسات الاقتصادية المجحفة بحق الفقراء وصل حدّه الأقصى، وما لم يتوقعه معدّوالسياسات الاقتصادية قد حصل، فازداد الفقراء فقراً وسدّت أبواب الرزق أمام جيل من الشباب لم يجد أمامه إلا الفتات وفضلات عدالة اجتماعية يقرّرها حيتان المال. البوعزيزي التونسي أحرق نفسه غضباً استنكاراً للذل والفقر والبطالة، مات هو وعاش من بعده الأمل بالتغيير في ضمائر شعوب كاملة. صدمة موت البوعزيزي وتشابك المصائر وانعكاس أزمات الشعوب على بعضها رغم ما يفصلها جغرافياً وثقافياً، هي أبرز التفسيرات للتمدّد الغاضب الذي يشهده الربيع العربي، فوصلت شظاياه إلى أحياء لشبونة ومدريد ونيويورك وبوينس أيرس وفرانكفورت وأخيرا بيروت.
ففي خضم عولمة الغضب وجدّيته، وفي ظل انقسام سياسي هوالأصعب منذ الحرب الأهلية اللبنانية، انطلقت من بيروت مؤخراً أصوات تنادي بثورة اجتماعية تغيّر من مآل الظروف الاقتصادية التي ترهق كافة شرائح المجتمع اللبناني الذي أضعفه غياب أي رقابة فعلية على الأداء الاقتصادي العام. فبعد انطلاق صفحة “لنحتل بيروت” على موقع الفايسبوك لمواكبة الحركة العالمية وتفعيل النقاش حول التغيير المطلوب في لبنان كما تقول المعلومات المتوافرة عليها، برزت أيضا في تشرين الأول /أكتوبر الفائت صفحة أخرى حملت اسم “لنحتل سوليدير”.
لمعرفة أهداف هذه الصفحة يكفي أن نقرأ التعريف الذي اختاره الطالب الذي أنشأها، وقد اختار عدم الافصاح عن هويته حالياً، إذ يقول: “تلخّص “سوليدير” كل ما يشوب هذا البلد من عيوب وأخطاء. لقد ولدت من رحم الفساد الحكومي والاحتيال المؤسساتي واستولت بطرق غير شرعية على اراض وعقارات هي ملك شرعي للناس. إن مشاريع إعادة البناء تواصل القضاء على جزء كبير من تاريخ بيروت، والتباين الحادّ بينها وبين محيطها هو رمز للصراع الطبقي ولتكديس الثروات من قبل أقليّة نخبوية. لقد سيطرت الشركة، من خلال سياسة الأمر الواقع، على ميناء يمتد على طول الساحل اللبناني. وتجسّد في جوهرها شرور نظام نودّ لو نشهد على نهايته. إنّ حملة “لنحتل سوليدير” تهدف إلى إسقاط هذا الوحش، كخطوة تمهد لسقوط النظام الفاسد. علينا أن نبادر وأن نتصرف. علينا أن نستردّ بيروت”.
إن الشركة اللبنانية لتطوير وسط مدينة بيروت وإعاد إعماره، “سوليدير”، هي إحدى أكبر شركات العقارات في الشرق الأوسط، لكنها شكلت منذ إنشائها سنة 1994 حالة فريدة من نوعها في السجال السياسي القائم في لبنان. فبينما نجحت في جعل بيروت موقعاً إقليمياً مميزاً ونقطة جذب للاستثمارات، رافقت الظروف الضبابية طريقة تملّكها للعقارات الواقعة ضمن خريطة عملها، والتساؤل المتداول حول حصول غش في عمليات التخمين، بالإضافة لعمليات الإبعاد القسرية لسكان لم يكونوا راغبين بالبيع أوالتنازل عن عقاراتهم، أرخت بثقلها على أي تقييم عادل لإنجازاتها.
“لنحتل سوليدير” تضم حتى الآن نحو 800 متابع، وهي تتطور ببطء قياسا بالحماسة التي بثتها دعوات مماثلة في دول أخرى. أما حول نشأة الفكرة وتبلورها، يقول القائم على هذه الصفحة لـ”أخبار بووم”: منذ بعض الوقت، نفكّر وآخرون في طرق لتحدّي الوضع الراهن. وبعد ركود حملة “الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي” المستوحاة من الربيع العربي، ومع اندلاع طراز “الإحتلال” في الولايات المتّحدة الأميركية وأوروبا، قرّرنا أن نتعلّم من كلّ هذه التحرّكات وأن نخلق تحركنا وحملتنا، وقد بدت لنا “سوليدير” مع كلّ ما تمثّله، العدو الفوري. بناءً على ذلك، أسّسنا يوم الجمعة 7 تشرين الأول/ اكتوبر الماضي صفحة “Occupy Solidere” على موقع الفايسبوك، كي نفتح نقاشًا عن كيفية القيام بذلك.
تحمل “سوليدير” ككلمة وكمؤسسة، معنى سياسياً كبيراً في الداخل اللبناني. فهي ترمز إلى نهج رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الإقتصادي، الذي قدّم الكثير للبنان، إلا أنه خلّف أيضاً مديونية كبرى بطّئت إقتصاده لسنوات آتية. انطلاقا من هذه الرمزية، كان لا بد من الوقوف على الجهة التي تنشط خلف ستار هذه الصفحة الغاضبة، ولكن الجواب كان بسيطا: “لم تكن الحملة ومنذ يومها الأول نتاج أفكار شخص واحد، لا بل كانت ولا تزال نتاج أفكار العديد من المنضوين تحت هذا التحرّك والمشجّعين له. لست سوى طالب جامعي عادي أخذ مبادرة إنشاء الصفحة لتجتمع فيها كلّ الأفكار. لقد فوجئنا بعدد الناس الذين انضمّوا إلينا، وقد فاق عددهم الـ 800 إلى الآن، من دون أي جهد منّا للترويج للصفحة. والأهم من ذلك، لقد استجاب عدد كبير لدعوتنا إلى تشكيل مجموعة أساسية هي عبارة عن وحدة تطوّعية من المنسقين الذين سيحييون هذه الحملة”.
وعن التصوّر الممكن لطريقة التعاطي الامني اللبناني معها، تبرز مخاوف يحسبها المنظمون جيداً، واختصرها لنا القائم على صفحة “لنحتل سوليدير” بالقول: “لا يوجد ردّ فعل رسمي أو أمني على تحركنا حتى الساعة، لكننا نتوقّع مضايقات رسمية ما إن تتحوّل الحملة الإلكترونية تحرّكا فعلياً على الأرض. لدى القوات الأمنية اللبنانية سمعة سيئة بكونها عنيفة ضدّ كل من يجرؤ على تحدّي السلطة (لا سيّما من ليس محمياً أومدعوماً من قبل سلطة أخرى). ومع أننا نتوقع معاملة قاسية من قبلهم عند حدّ ما، إلاّ أننا نؤكّد على سلمية تحرّكنا، وسنحاول قدر الإمكان تجنّب أي مواجهة مع حرّاس الفساد، إذ إن الجنود هم مثلنا ضحيّة النظام الفاسد”.
في بيروت، التي تسود فيها شريعة المحاصصة بعد أن كانت أم الشرائع، تُرى كم هي أعداد هؤلاء اللبنانيين الذين سيلبّون الدعوة لاحتلال “سوليدير”، هل تنجح دعوة طالب يرى في حقبة سياسية واقتصادية عدواً له في شحذ همم المهمّشين للمطالبة بعدالة اجتماعية وسياسية واقتصادية؟ يصعب التكهن بجواب على مثل هذه الأسئلة في بلد مثل لبنان، نخرته حروب الطوائف وحروب الوراثات السياسية من دون أن يتوصل شعبه لاستنتاج ما يجعله يجتمع حول رؤية موحدة للمستقبل.