أيام بيروت السينمائية تُختَتم بـفيلم فلسطيني في “عالم ليس لنا”
معمر عطوي
بدت حصة فلسطين لافتة في برنامج مهرجان الأفلام العربية، الذي نظمته “ايام بيروت السينمائية” في العاصمة اللبنانية بين15 و24 آذار- مارس 2013، إذ عُرض مجموعة من الأفلام التي أخرجها أو شارك في صناعتها فلسطينيون، إذ كان مسك الختام عرض فيلم “علم ليس لنا” للمخرج الفلسطيني الفنان البصري، مهدي فليفل.
الشريط الوثائقي الذي نال جائزة السلام في مهرجان برلين السينمائي هذا العام، يصوّر ثلاثة أجيال فلسطينية عاشت في المنفى في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان. ويعرض هذا الشريط بمواقف حميمية لا تخلو من الطرافة أحياناً، محفوظات عائلية ولقطات تاريخية تركز على قضايا الانتماء والصداقة والعائلة.
أيضاً من فلسطين تم عرض فيلم “غزة 36 مم” للمخرج الفلسطيني خليل المزيّن، والذي يسلط الضوء على مشهد الحياة في قطاع غزة، في ظل تدمير كوة من كوات الإطلالة على العالم الخارجي. ففيما يستمر الحصار والعزلة الدولية على غزة، تساهم بعض قطاعات المجتمع الغزاوي نفسها في هذه العزلة عبر تدمير دور السينما التي كانت صلة وصل جميلة بين القطاع والعالم الخارجي.
اما المخرج الفلسطيني خالد جرّار فكان نصيبه من مهرجان بيروت عرض شريط بعنوانة “متسللون”، الذي يروي محاولات الشعب الفلسطيني فتح ثغر في الجدار العازل للعبور إلى أفق جديد.
وفي شريط “لمّا شفتك” تحكي السيناريست الفلسطينية المقيمة في الأردن، معاناة لاجئ فلسطيني الى هذا البلد عام 1967، حيث يلجأ الطفل طارق مع والدته الى شرقي النهر في عملية هروب مؤقت من ظلم الاحتلال. لكن طارق الذي يبلغ من العمر 11 عاماً فقط يبحث عن مغامرات جديدة يتلمس من خلالها الشعور بالحرية والاستقلال.
كذلك كان لفلسطين حصتها من الأفلام الوثائقية الت تم عرضها في “مهرجان الأفلام العربية”، حيث عُرض شريط هاني أبو أسعد “تقريباً” الذي يحكي قصة سماح، المرأة الفلسطينية التي غادرت بلدها في عام النكبة عام 1948 لتعيش في سوريا. يواصل صاحب فيلم “الجنة الآن” الغوص في الذاكرة الفلسطينية، حيث تحاول سماح لقاء شقيقتها في مدينة اسطنبول التركية بعد 62 عاماً من الفراق، الا أن اللحظة التراجيدية المسيطرة تفصل بين الأختين على مسافة 500 متر فقط.
ومن الأفلام القصيرة الفلسطينية فيلم “مقلوبة” للمخرج نيكولا داموني المولود في بيروت، ويحكي قصة خمسة شبان من مختلف الخلفيات يتشاركون شقة في رام الله بسبب حظر التجول، يقررون إعداد طبق مقلوبة، لكن ضيف غير متوقع يحرمهم من الاستمتاع بالوجبة.
المفقودون كان لهم أيضاً حصتهم من الأفلام المعروضة، لعل فيلم “ليال بلا نوم” للمخرجة اللبنانية إليان الراهب، قد حقق سبقاً تحقيقياً استقصائياً، من خلال البحث عن ماهر الطفل الشيوعي المقاتل الذي فُُقد في إحدى معارك بيروت بين القوى الوطنية من جهة واالقوى الانعزالية كما كانوا يسمونها آنذاك.
مريم سعيدي والدة ماهر تلتقي وجهاً لوجه مع أحد مجرمي الحرب “التائبين” أسعد الشفتري، الرجل الثاني سابقاً في استخبارات القوات اللبنانية التي يرأسها اليوم سمير جعجع، في محاولة لمعرفة معلومات عن ولدها. وما بين الشعور بالندم والاعتذار الذي يعيشه الشفتري والحرقة والدمعة التي يغص بها قلب سعيدي. يعيش المشاهد لحظات تراجيدية مؤلمة عاشها ويعيشها حتى اليوم اهالي المفقودين والضحايا الذين سقطوا خلال الحرب اللبنانية (1975-1990).
وفي عملية بحث واستقصاء دؤوبين تتوصل الراهب الى مقبرة جماعية في الحديقة الخلفية لكلية العلوم في منطقة الحدث بضاحية بيروت الجنوبية، من دون أن تحسم قضية وجود ماهر الى جانب هذه الجثث المجهولة أم لا.
شريط اليان الراهب يسلط الضوء على جرائم حرب وعلاقات مكشوفة مع العدو الصهيوني وطموحات بتأسيس وطن للموارنة في لبنان، حيث تتبلور نظرة استعلائية مسيحية ضد المسلمين والعرب.
قضية الفقودين أيضاً مشكلة عانتها الجزائر، حيث يتناول المخرج مرزاق علواش، في فيلمه “التائب” قضية طفلة مفقودة خطفها الإسلاميون المشتددون وقتلوها في الجبل لأن والدها الصيدلي لم يلب كل احتياجاتهم من الدواء.
يقرر راشد الإسلامي التائب الذي قاتل في الجبال الى جانب الجماعات الإسلامية، الاستسلام للشرطة مستفيداً من “قانون الوئام الوطني” الذي يُعفى بموجبه عن كل “تائب”. لكن طمع الشاب بالحصول على المال يدفعه لابتزاز والدي الطفلة اللذين انفصلا عن بعضهما اثر حادثة الخطف مبديا استعداده لأخذهما الى قبر الفقيدة.
ويبدأ راشد رحلة طويلة مع الصيدلي وزوجته الى حيث قبر الطفلة، حيث تنتهي قصة الخطف بمجزرة جماعية يسقط خلالها الأشخاص الثلاثة برصاص المتطرفين.
أفلام عديده قصيرة وطويلة، روائية ووثائقية تسجيلية تجاوز عددها الأربعين ومن معظم الدول العربية، حفل بها مهرجان بيروت السينمائي للأفلام العربية.
وكان هناك حصة أيضاً لكبار السن وذكرياتهم مثل فيلم “جمر” لتمارا ستيبانيان، و”السلاحف لا تموت بسبب الشيخوخة” لسامي مرمر وهند بنشكرون، و”الحارة” لنيكولا خوري. شرائط جميلة في معالجتها للذاكرة وتضمنها مواقف طريفة أسعفت العمل أحياناً كثيرة من الرتابة.
بدأ المهرجان، الذي حضره عدد من المخرجين والعاملين في قطاع السينما، بفيلم “وجدة” من السعودية (تناولناه في مقال سابق) وانتهى في “عالم ليس لنا” في المخيمات الفلسطينية في لبنان.