واشنطن: الشاب كيم يونغ اون يستخدم استراتيجية الجنون
يقول مسؤولون أمريكيون إن زعيم كوريا الشمالية الشاب كيم يونغ اون يستخدم استراتيجية “مجنون في الحي” التي اتبعها أسلافه إلا أنه أدخل استفزازا جديدا إلى المعادلة.. توجيه تهديدات مباشرة إلى الولايات المتحدة.
وهم يقولون إن ما قد يبدو من جنون كلمات كيم سبقته مؤشرات تنم عن نهج قريب الشبه سلكه أبوه وجده خلال حكم دام أكثر من نصف قرن.
لكن مع حالة التشكك الكبيرة المحيطة بكيم وقلة معلومات المخابرات حول قيادة كوريا الشمالية تحاول واشنطن قياس إلى أي مدى يمكن أن يذهب الزعيم الشاب البالغ من العمر 30 عاما ليثبت نفسه أمام شعبه وقادة جيشه أو ليناصب رئيسة كوريا الجنوبية الجديدة والعالم العداء.
وإعلان كوريا الشمالية المفاجئ يوم الثلاثاء باستئناف تشغيل مفاعل نووي كان متوقفا عن العمل -حتى وإن لم يعلن كيم الأمر بنفسه- قد يزيد من المخاطر في مواجهتها مع الغرب.
وقال مسؤول كبير في الادارة الأمريكية “ليس لدينا تاريخ معه يكفي لمعرفة ما إذا كان يملك قدر التمرس الذي كان والده يبديه في التعامل مع المواجهات الدبلوماسية.”
وتحدث هذا المسؤول وآخرون عن تهديدات وتحركات كوريا الشمالية المستمرة منذ شهور بما في ذلك إجراء تجارب نووية وصاروخية تمثل تحديا لسياسة “التريث الاستراتيجي” التي يتبعها الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه بيونغيانغ.
ولم تسفر هذه السياسة المتمثلة في رفض تقديم حوافز جديدة لبيونغيانغ إلى ان تعلق برنامجها النووي المثير للجدل سوى عن التحدي منذ مجيء أوباما إلى الرئاسة عام 2009 .
وقال جوزيف ديتراني الذي كان يشغل منصب كبير الخبراء المختصين بكوريا الشمالية في المخابرات الامريكية إن “تغير الايقاع” الذي بدا في خطاب كيم شديد اللهجة والتلميحات العسكرية مثل التجربة النووية التي أجريت هذا العام يشيران إلى أنه تحت ضغط كبير من النخبة العسكرية في بلاده.
وأضاف “عليه أن يبدي.. قوة أمام هذه العناصر.”
وعلى الرغم من أن كيم قام منذ توليه السلطة بإعفاء او خفض رتب بعض القادة العسكريين تظل القيادة العسكرية في البلاد قوة سياسية يحسب حسابها.
ويقول خبراء في شؤون آسيا إن كيم سعى إلى استرضاء الجنرالات باتباع فلسفة “الجيش أولا” التي روج لها والده الزعيم الراحل كيم يونغ ايل لتبرير استغلال الموارد الشحيحة في كوريا الشمالية في بناء جيش قوامه 1.2 مليون جندي وبرنامج البلاد للتسلح النووي.
ولا تزال الادارة الأمريكية تؤكد أنه ما من شيء يستدعي القلق.
وقال البيت الابيض إن تأكيد بيونغيانغ في مطلع الاسبوع على أنها دخلت “حالة حرب” مع كوريا الجنوبية بسبب تدريباتها العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة لم تصحبه تحركات موازية للحدث من جانب قوات كوريا الشمالية.
وفي حين أن تهديد بيونغيانغ يبعث على القلق فإن صور كيم التي يظهر فيها أمام خرائط تحدد أهدافا للصواريخ على الأراضي الأمريكية تتطلب خيالا أوسع لأن كوريا الشمالية لم تثبت بعد إتقانها لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول للشواطئ الأمريكية.
أما المسؤولون الأمريكيون فلا يرون في هذا إلا إحياء لأيام كيم يونغ ايل الذي كانت تلمس واشنطن منه خطرا وإن كان خطرا متوقعا. ووجه كيم الأب تهديدات بل وقام بتحركات عسكرية جذبت انتباه العالم لكنه كان يقف عند حد الصراع العسكري المفتوح واستغل أزمات أثارها هو نفسه كأداة ضغط في المفاوضات الدولية.
ويبدو كيم الابن -الذي لم يكن الغرب يعرف عنه الكثير عندما تولى السلطة في ديسمبر كانون الأول 2011- عازما على مواصلة نهج عائلته. وخطف الاضواء ليس فقط عندما بتوجيه تهديدات بنفسه لكن بتماديه بعض الشيء عندما وجه هذه التهديدات إلى الولايات المتحدة.
وقال مسؤول أمريكي كبير آخر “هناك اختلافات واضحة (بين الأب والابن) في الأسلوب والنبرة… إنه (الابن) أكثر انخراطا بشخصه في الأمور… والتهديدات هذه المرة أكثر تحديدا وموجهة بصورة أكبر إلى الولايات المتحدة.”
لكن هذا المسؤول أكد أن هذا التغير الذي طرأ على ما وصفه “باستراتيجية الرجل المجنون” التي تتبعها كوريا الشمالية لن يجعل الأمر “ينطلي” على واشنطن وحلفائها ليقدموا المساعدات والوقود وتنازلات أخرى مثلما كانت تفعل إدارات أمريكية سابقة.
وأوباما نفسه عرض العام الماضي تقديم مساعدات غذائية لكوريا الشمالية لكن بشروط مراقبة صارمة لضمان ألا تصل هذه المساعدات في النهاية إلى الجيش وذلك في مقابل تعليق التجارب النووية واختبارات الصواريخ بعيدة المدى. وانهار الاتفاق بعد أقل من ثلاثة أسابيع عندما أعلنت بيونغيانغ خططا لاطلاق ما قالت إنه قمر صناعي وقال مسؤولون أمريكيون إنها تجربة لإطلاق صاروخ.
ويرى بعض المسؤولين الأمريكيين أن لهجة بيونغيانغ العدائية تستهدف في الأساس استقطاب تأييد داخلي.
وهم يرون أن كيم يسعى للإبقاء على حماسة جيشه الضخم بدعاية مناهضة للولايات المتحدة وتحسين صورته بين المواطنين الفقراء بالوقوف في وجه أعداء خارجيين بينما يحاول احكام قبضته على الحكم.
لكن هناك مخاوف متنامية من أن يسفر افتقار كيم للخبرة ورغبته في إثبات نفسه عن هجوم محدود على هدف في كوريا الجنوبية مثل سفينة أو موقع حدودي أو أن تدخل الكوريتان في مواجهة عسكرية.
وقال وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا لقناة (سي.ان.بي.سي) يوم الاثنين “الاحتمال الاكبر هو حدوث حسابات خاطئة… ويكمن الخطر الأكبر في فعل شيء من شأنه تصعيد الامور بسرعة.”
ويقر مسؤولون أمريكيون ومراقبون مستقلون بأن معلوماتهم عن كيم محدودة للغاية مما يجعل توقع تصرفاته مجرد تخمين.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الآمال التي راودت إدارة أوباما في البداية في أن يكون كيم إصلاحيا لم تتبلور بعد بل وتبدو غير مرجحة على المدى القريب.
ومع هذا يرى معظم مراقبي شؤون كوريا أن كيم شخص متعقل يدرك أن جيشه لا يضاهي جيش سول وحليفتها واشنطن وأن الابتعاد كثيرا عن الممارسات التي اعتادت كوريا الشمالية على انتهاجها قد يعرض بقاءه السياسي هو نفسه للخطر.
وخفف كيم من حدة خطابه في آخر كلمة له هذا الاسبوع ولم يكرر التهديدات التي وجهها في الآونة الاخيرة بمهاجمة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
ومن آن لآخر يحاول كيم إبداء صورة الزعيم الودود. فبعد أسابيع من إصدار أوامر بتفجير نووي محظور دوليا عبر عن شغفه بكرة السلة باستضافة نجم السلة الأمريكي السابق دينيس رودمان.
وبعد أن أمضى مع كيم وقتا أطول مما أمضاه مع أي مسؤول غربي آخر وصف رودمان الزعيم الكوري الشمالي بأنه “ولد مدهش