تصرفات الزعيم الكوري تخدم استراتيجية واشنطن (تحليل رويترز)
لا أحد سوى كيم جونغ أون يعرف ما الذي يأمل في تحقيقه من حملته الصاخبة لكن الزعيم الكوري الشمالي الشاب لا يهدف على الأرجح إلى مساعدة الولايات المتحدة خصم بلاده العتيد على حساب الصين حليفه الرئيسي.
ولكن مما يعد نعمة للسياسة الأمريكية ويزيد من غضب الصين على كيم ان سلوك كوريا الشمالية العدواني ساعد في تعزيز استراتيجية أمريكية تتمثل في تغيير توازنات سياساتها الأمنية تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادي.
وبالنسبة للصين التي عادة ما تبدي قلقا من واشنطن أكثر من قلقها من بيونجيانج فإن إجراء كوريا الشمالية تجارب نووية وصاروخية ثم إطلاقها تهديدات يومية ربما يثير القلق.. لكن رد الفعل الأمريكي يثير قلقا أكبر.
وقال سون تشي مدير مركز العلاقات الأمريكية الصينية في جامعة تسينج هوا في بكين “نحن ندرك نوع النظام القائم في كوريا الشمالية لكننا ندرك كذلك أن كوريا الشمالية تناور.”
وأضاف “الأهم هو أننا نشكو من أن الولايات المتحدة تستخدم التدريبات العسكرية ذريعة لمواصلة القيام بذلك (تغيير التوازنات) بنشر مقاتلات بي-2 وغيرها من أنظمة الأسلحة المتطورة.”
وتمثل الطائرات المقاتلة بي-2 وبي-52 وطائرات اف-22 التي لا ترصدها الرادارات والسفن الحربية التي تحمل أنظمة مضادة للصواريخ مثل السفينة الأمريكية جون اس. مكين الرد الأمريكي الأولي على التهديدات الكورية الشمالية المتكررة والصريحة بشن هجمات نووية على الولايات المتحدة.
وقالت الولايات المتحدة كذلك إنها ستنقل منظومة الدفاع عن المناطق عالية الارتفاع (تاد) لحماية جوام -وهي أرض أمريكية في المحيط الهادي- من أي هجوم صاروخي. وقالت صحيفة يوميوري شيمبون التي تصدر في طوكيو إن اليابان ستنشر بشكل دائم نظم صواريخ باتريوت الاعتراضية المتطورة (باك-3) في أوكيناوا للتصدي للصواريخ الكورية الشمالية.
ونشر الصواريخ الأمريكية -وإن كان يتركز على كوريا الشمالية ورغم أنه مؤقت في أغلبه- يمكن تبنيه أو التوسع فيه لمواجهة القدرات العسكرية التي اكتسبتها بكين لتأجيل أو منع وصول القوات الأمريكية لمناطق قريبة من الصين في حال نشوب صراع.
وربما يكون الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أبرز التناقض في موقف بلاده حين أحجم عن ذكر كوريا الشمالية بالاسم عندما قال إنه لا يمكن السماح لأي دولة “بأن تدفع المنطقة أو العالم بأسره إلى حالة من الفوضى من أجل مكاسب انانية.”
وربما كانت تصريحات شي في منتدى بواو الاقتصادي على جزيرة هينان الصينية تستهدف واشنطن بالإضافة إلى بيونجيانج فيما يعكس عدم ارتياح الصينيين إزاء سياسة الولايات المتحدة “لتغيير التوازنات” أو “تحويل الاهتمام” التي تمثلت في إنهاء حروب بجنوب غرب اسيا والتوجه صوب منطقة اسيا والمحيط الهادي.
وقالت ستيفاني كلاين اهلبرانت وهي محللة مقيمة في بكين تعمل لدى مجموعة الأزمات الدولية “في الصين يسود اعتقاد واسع النطاق بأن سياسة تحويل الاهتمام يقصد بها احتواء الصين. والكل تقريبا يراها بهذا الشكل.”
ولم يكن هناك أي غموض في حديث اشتون كارتر نائب وزير الدفاع الأمريكي عندما تناول سياسة “تغيير التوازنات” ورد البنتاجون على كوريا الشمالية.
وقال لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “سلوك كوريا الشمالية لا يدفع الولايات المتحدة وحدها لاتخاذ إجراءات بل ودولا اخرى في المنطقة.”
وأضاف “إذا رأى الصينيون أن هذا شيء لا يحبون أن يروه فهناك طريقة سهلة لمعالجة ذلك وهي أن يتحدثوا مع الكوريين الشماليين بشأن وقف هذه الاستفزازات.”
كان كارتر حاسما في عرضه لسياسة تغيير التوازنات باعتبارها استمرارا لسياسة الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب والتي مكنت حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية تلتهما منطقة جنوب شرق اسيا الصين والهند “من النمو سياسيا واقتصاديا في مناخ خال من الصراعات.”
وتابع “هذا في مصلحتنا وفي مصلحة جميع من في المنطقة وهو يشمل كل من في المنطقة دون أن يستهدف أحدا بعينه.. لا دولة بعينها ولا مجموعة من الدول.”
وقال كارتر إن سحب القوات المعتزم من افغانستان سيمكن البحرية الأمريكية من توجيه سفن حربية وناقلات وسفن استطلاع إلى منطقة المحيط الهادي.
ولكن المحللين الذين يقبلون سياسة تغيير التوازنات باعتبارها تستند إلى مباديء استراتيجية جغرافية أساسية يقولون إن تصريحات البنتاجون ونشر القوات يجب ألا يكونا الجانب الأبرز لسياسة أوباما الأساسية تجاه اسيا.
وقال دوجلاس بال المسؤول الأمريكي السابق والذي يرأس الدراسات الاسيوية في مؤسسة كارنجي للسلام الدولي “بالغنا في الترويج للمضمون العسكري على حساب المضمون الدبلوماسي والاقتصادي للاستراتيجية المتكاملة لتغيير التوازنات.”
وعندما يزور جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الصين واليابان وكوريا الجنوبية خلال الأيام القليلة القادمة في أول زيارة للمنطقة منذ توليه منصبه فسيتعين عليه تعديل طرحه لسياسة “تغيير التوازنات” لكسب تأييد الصين لها في حين يتعامل دبلوماسيا مع الأزمة الكورية.
وقالت كلاين اهلبرانت “المشكلة عندما تحاول اقناع طرف بالتخلي عن نظرية المؤامرة هي أن أي موقف تتخذه يصبح جزءا من المؤامرة لذلك لا اعرف ما إذا كان من الممكن اقناع الصينيين بأن الهدف ليس حصارهم.”