باسم يوسف بلا برنامج
“البلد تستحق افضل من كدا” هي عبارة يقولها المصري باسم يوسف، عبر برنامجه التلفزيوني الساخر “البرنامج”، ربما لا يمكن لشخص كباسم يوسف ان يقول تحديدا ما الذي تستحقه بلاده، ولكنه بكل تأكيد يعرف ما لا يفترض ان تعيشه مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011.
لا تستحق مصر ان يتصرف بها الاخوان كأنها العوبة في ايديهم، او انها موروث من اب متوف، او حق طبيعي والهي لهم، او ان يقمعوا شعبها بعد ان انتفض مرة ضد الظلم والصمت والترهيب وحكم الامن والنهب العام، ولا تستحق مصر ان يحولها السلفيون الى مصدر للسلطة ويغرقوها في ما يعتقدونه ممارسة “صحيحة للدين” معيدين شعبهم 1400 سنة الى الخلف، ولا تستحق مصر ان يحكمها شخص كمحمد مرسي كل ما يفعله هو الخطابات، والانكى ان خطاباته مليئة بالزلات والهفوات والاخطاء والارتكابات، ولا تستحق مصر ان يحكمها من يجعلها تترحم على حكم محمد حسني مبارك.
بلاده تستحق افضل من كدا، وبلادنا ايضا.
ثورة الربيع العربي التي بدأت في تونس، امتدت بحركة احجار الدومينو الى مصر، ومنها الى ليبيا، والبحرين واليمن وسوريا، وتقريبا لم يبق بلد عربي لم يتحرك، او على الاقل يحاول شبابه التحرك، طبعا البنى الموجودة لدى كل الدول العربية من الهشاشة بحيث تحمل كلها اسباب وموجبات الثورة عليها، ولكن بالمقابل فان المصالح الغربية والعربية والروسية لا تسمح لحركة احجار الدومينو ان تستمر الى النهاية، لا يرغب الغرب في رؤية الثورات تطال الخليج ودوله النفطية، ولا يرغب الروس في انهيار حليفهم الاخير بشار الاسد، خاصة وانهم لم يحصلوا من انهيار القذافي على ما كانوا يأملون. لا بد من وقف انهيار الانظمة في مكان، استنزف الغرب روسيا في سوريا، والكل عثر على ضالته هناك: دولة يملك شعبها مخزونا من القهر والفقر والقمع يسمح له بان يثور ولو لالف عام، ولكن يمكن دائما اطالة امد النزاع التناحري فيها.
باسم يوسف الذي بدأ يحصد الجوائز العالمية يشبه ثوراتنا تماما، من حيث التعاطف فان الغرب والشرق يمكنه ابداء المشاعر الانسانية النبيلة، وتقديم الجوائز الرمزية، اما من حيث التأثير الحقيقي فان الكلام والنقد يساقان امام المحاكم والهيئات القضائية، اي هيئات القرار بالتأديب والقمع والضبط الاجتماعي والمدني.
ثم يخوض باسم يوسف اكبر مواجهاته مع الدعاية الاخوانية، ليس لتفضيله الخيارات المدنية فقط، ولكن لان الاخوان يحاولون اعادة تأسيس سلطة سقطت، ويقلدون اغلب ممارساتها. فلا يتعرض في المقابل الا لحفلة واسعة من الشتائم، تعبر الاقنية المصرية التي يسيطر عليها الاخوان، وتصل الى اقنية يكره مذيعوها او بعضهم على الاقل باسم يوسف وبرنامجه لاسباب اسهلها عداوة الكار ونجومية باسم الصاعدة بسرعة.
المواجهة مع اعلام الاخوان تشير هي ايضا الى احد مظاهر الربيع العربي، السخرية والنقد يقابلان بالشتيمة والتكفير، لا يملك من استلم السلطة من العسكر الا القمع اداة لادارة النزاع، فلا مشروع يمكن مناقشته، او خطة سياسية طويلة المدى يحاجج اصحابها بنقاطها وبنودها، ولا حتى رؤية متوسطة او قصيرة لما ستكون عليه البلاد، وبالتالي ونظرا لغياب المادة السجالية من جانب ممثلي السلطة، فان الحل الوحيد للرد هو الشتيمة، والاستعانة بالله كونه من ارسل هؤلاء القوم لحكم مصر (والمنطقة العربية في عمر ثوراتها) ومن يخالف ارائهم العشوائية فهو حتما عدو الله.
الا ان باسم يوسف لا يمكنه تقديم بدائل عما هو سائد، تماما مثل الثائرون في الربيع العربي وفي كل هذه الدول التي تعيش حالة من التخبط حول الخيارات ما بعد اسقاط انظمتها، او تلك الايلة الى السقوط كسوريا، حالة من التخبط هي ممر الزامي قبل الاستقرار المأمول، ولكن ولغاية الان فلا احد يملك ان يدعي ان لديه مشروعا للنهوض ببلاده وتغيير واقعها الا الاخوان والسلفيون، تلك القوى التي لا تستعين (نظريا) بغير الله، فهي تبسط بدائلها لحد القول بان القرآن هو الدستور والاسلام هو الحل، تماما كما يفعل بعض الهامشيون في الثورة السورية، كالشيخ عدنان العرعور وغيره، وفي لحظة دخول هؤلاء الى قصور السلطة تعود لترتكس الى ممارسات سلطوية لا علاقة لها بالغيبيات، بل بالنهب العام وبالفساد وبالقمع مجددا.
لا يملك باسم يوسف بدائل، ولكنه يعرف جيدا المثالب، يعلم ما لا تستحقه بلاده، وان كان لا يمكنه هو، او اي من القوى الاجتماعية التي شاركت في صناعة الثورات، تقديم صورة واضحة عن المستقبل، يكفيه ان يجمع كل ما لا تستحقه البلاد حتى تتضح صورة تقريبية لما تستحقه. ورغما عن كونه لا يملك بدائل الا انه وفي الفقرات الفنية يسعى الى تقديم التجارب الجديدة والقريبة من نفس الثورات في المنطقة العربية، يفتح الباب لتعريف جمهوره العريض بتجارب شابة من كل الدول العربية، تجارب هي الاخرى ثائرة على طريقتها، مدمجا الفن بالثورات والسعي العربي الى الخلاص من القمع والاسكات والعزل والتهميش لكل نواحي الحياة. ومضيفا الى برنامجه لونا فنيا ليس عبثيا ولا عابثا وان بدا في بعض الاحيان كذلك.
لو لم تؤد الثورات العربية الا الى كسر حاجز الصمت والخوف والتهويل، والى اطلاق القدرة على القول والكلام والنقد والسخرية على ما يفعل باسم يوسف، لكان ذلك كافيا للحظة، الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا في تحول بلادنا الى ما تستحق ويجب ان تكون عليه.