الأزمة السورية: الحلّ عربي والأولوية إيران
باريس ــ بسّام الطيارة
تبدو من باريس المسألة الإيرانية أهم بكثير من المسألة السورية. ورغم ارتفاع عدد القتلى وأخبار القمع والترحيب بـ«شجاعة الجامعة العربية» والحديث عن «فقدان شرعية بشار الأسد»، إلا أن الزهو الدبلوماسي لا يبدو بنفس الزخم الذي رافق بداية «تبديل المواقف» بالنسبة لبن علي ومبارك عندما أيقنت الدوائر الفرنسية بأنه «لا أمل في منع سقوطهما»، ناهيك عن الهجوم الدبلوماسي الحاد حالما تحرك الشارع الليبي وتحركت الدبابات لقمعه وضرب الثورة.
يعرف الجميع بأن علاقة مصالح بُنيت بين باريس ودمشق منذ وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه، وخصوصاً مع رغبة هذا الأخير بتعزيز «قطيعة» مع سياسة القاطن السابق في الإليزيه جاك شيراك لتحريك الملف اللبناني بشكل أساسي ومن ثم العودة إلى مسار المفاوضات غير المباشرة بين عاصمة الأمويين وتل أبيب عن طريق تركيا. إلا أنه إلى جانب هذين الهدفين المعلنين كان يوجد هدف أخر لمح له من حين لآخر مع تهرب كل المسؤولين من الكشف مباشرة عنه، وهو إبعاد دمشق عن طهران وفك تلك العلاقة التي بناها حافظ الأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي في لعبة استراتيجية ذكية أثبتت فعاليتها لمدة ثلاث عقود ونيف. وقد قادت هذه العلاقة إلى نوع من التوازن مع مصر التي وقعت معاهدة كامب دافيد بزيادة البعد الاستراتيجي لسوريا شرقاً وحصر العراق المحكوم من خصمها البعث العراقي بين فكي قوتين حليفتين. كما أن هذه الحلف ساهم بحماية النظام الحاكم في سوريا من الاستفراه على أساس أنه «نظام علوي يحكم بلداً سنياً».
لقد حذر عديدون ساركوزي من «مغبة» إخراج الأسد من عزلته، ولكنه كان يضع أمام منتقديه نتائج خطوته الجريئة وزيارته لسوريا برفقة أمير قطر ورئيس الوزراء التركي: حلحلة الأزمة اللبنانية، علاقات دبلوماسية بين دمشق وبيروت وتبادل سفراء وعودة ملطفة لمسار التفاوض بين تل أبيب ودمشق، إلى جانب إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط. إلا أن ساركوزي كان يتغاضى عما كان يعتقد أنه «المكسب الأهم»، وهو إبعاد دمشق عن طهران وفك التحالف بينهما. هذا الهدف كان يتماشى مع إعلان «صداقة لا غبار عليها مع إسرائيل»، إذ يجب أن لا يغيب عن الأذهان أن شيراك قبل خروجه من الإليزيه بعدة أيام أعطى مقابلة لمجلة «نوفيل أوبسرفاتور» قال فيها ما معناه «وحتى ولو حصلت إيران على قنبلة أو قنبلتين فلن تكون نهاية التاريخ»، قبل أن يتراجع بتكذيبات أكدت أنه «مرّر رسالة ولا يهم سحبها بعد وصول مضمونها».
وقد رأى ساركوزي أن هذا يمكن أن يدفع إسرائيل «للتعجيل بضرب إيران»، مع ما يمكن أن يجر هذا من حرائق في المنطقة، وبالتالي فإن مبادرته سوف تكون مدماكاً في جدار عزل إيران إذا قادت إلى فك التحالف ويترتب عليها كذلك «قطع الجسر الإيراني نحو مواجهة إسرائيل القريبـة، المتمثل بحزب الله اللبناني».
إلا أن كل حسابات حقل ساركوزي لم تنطبق على حسابات بيدر الشرق الأوسط المعقد، فجاءت الحرب على غزة لتمزق أسس استراتيجية باريس: فقد قضت على مسار التفاوض غير المباشر مع الدولة العبرية ودقت اسفيناً في العلاقات مع تركيا واستدعت استنفاراً من سوريا وحزب الله قضى بزايدة اللحمة بين الكيانات الثلاثة خوفاً من سياسة الاستفراد… إلى أن تحرك الربيع العربي.
ضحك النظام السوري في البداية عندما رأى «زعماء الاعتدال» يتساقطون واحداً تلو الآخر. ويعترف دبلوماسي بـ«أسابيع خوف، من أن تسجل دول الممانعة نقاط مهمة» في استراتيجية كسب القلوب. ولكن مع مطلع آذار وتحرك الشارع السوري تنفست الدوائر الغربية الصعداء، إلا أن الاهتمام كان منصباً على ليبيا، حيث انتقل الأمر من ثورة إلى حرب بكل معاني الكلمة. أما الآن وقد انتهت الحرب في ليبيا، وازداد العنف في بلاد الشام، فإن الضغوط الدبلوماسية لا تزال أقل مما تنظره المعارضات السورية بكافة أطيافها.
لماذا؟
يقول مصدر مقرب من الملف، بعد أن ينفي أي «خوف بسبب موقع سوريا في المنطقة»، بأن «الحالة المستعجلة هي إيران» لأن نهاية نظام بشار الأسد «مبرمجة بسبب ديناميكية الثورة وديناميكية القمع وهذا يذكي ذاك»، وبالتالي فإن الوقت كفيل بانهياره، واستطرد بأن العمل اليوم هو على عدة خطوط:
١- الاستفادة من عزلة إيران أمام الرأي العام العربي بسبب ثورة بلاد الشام
٢- منع دمشق وطهران من استيعاب الضربة وإعادة اللحمة إلى تحالفهما بعد «بروز حديث عن انفتاح طهران على المعارضات» ومنعهما من استرداد المبادرة.
٣- الضغط على «الأطراف اللبنانية» لمنع حلفاء النظام السوري المفترضين من التحرك لدعمه بأي شكل من الأشكال.
٤- الاستفادة من بدء تأثير العقوبات الاقتصادية على إيران مع إقفال أبواب المناورة المالية عبر سوريا ولبنان ودبي.
ويقول المصدر إن هذه العوامل الأربعة المهمة يمكنها أن تنهار بلحظة واحدة في حال هاجمت إسرائيل إيران أو تدخلت في سوريا بأي شكل من الأشكال، كما أن الإسراع في «حسم عسكري غربي في سوريا» يمكن أن يساهم برمي خشبة خلاص لسوريا ولإيران أيضاً لأنه يفتح أمامهما باب «إشعال المنطقة لإنقاذ نظامهما».
ومن هنا يخلص المصدر إلى أنه «حتى الآن فإن الحل عربي محض». ويضيف قد «قد يكون عسكرياً ولكنه سوف يظل عربياً». ورداً على سؤال حول «التسريبات عن تحضير خطط عسكرية فرنسية لهجوم على سوريا»، ضحك المسؤول وقال إن نشر هذه الأخبار شبيه بـ«الكشف عن البديهيات». واستطرد بأن كل قيادات الأركان في العالم تحضر خططاً لكافة الاحتمالات والحالات، ولا نكشف عن سر إذا قلنا أننا نضع كل الاحتمالات في قيد الممكن.