انتخابات الرئاسة الإيرانية: أكثر من 600 مرشّح بانتظار غربال «الصيانة»
بيروت ــ معمر عطوي (خاص)
مع دخول الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني حلبة السباق الرئاسي في إيران، تبدأ معركة حامية بين متنافسين يمثلون تيارات متنوعة معظمهم تحت عباءة المحافظين، في ظل استبعاد أبرز زعماء التيار الإصلاحي الأخضر مهدي كروبي ومير حسين موسوي، اللذين يخضعان للإقامة الجبرية واعتكاف الرئيس السابق محمد خاتمي، عن المشاركة حتى لا يضعف موقف من سيخوض المعركة عن التيار الإصلاحي كما أعلن الأسبوع الماضي.
ومع اقفال باب الترشيحات السبت الماضي (11 أيار 2012) لا تزال الخريطة الانتخابية غير واضحة بانتظار أن يعلن مجلس صيانة الدستور بعد نحو عشرة أيام اسماء من يحق له الاستمرار في الترشّح من بين نحو 686 مرشّحاً بينهم 30 امرأة.
وبدا أن حصة الرئيس محمود أحمدي نجاد حتى الآن من هذا السباق، هي نسيبه مساعد الرئيس المثير للجدل اسفنديار رحيم مشائي. أما مستشاره المدير العام السابق لوكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا) علي أكبر جوانفكر، فيبدو أنه خرج من فلك رئيس الجمهورية بعد اعتقاله لمدة أسابيع في الفترة الأخيرة، بينما بدا شقيقه الرئيس السابق لدائرة التفتيش في رئاسة الجمهورية داوود أحمدي نجاد، المرشّح بدوره للرئاسة في واد آخر بعيد عن نجاد.
ثمة وجوه أخرى برزت أخيراً بين المرشحين مثل عضو مجلس الشورى محمد حسن أبو ترابي فرد، ومرشح جبهة الصمود الأصولية باقري لينكران.
وبشأن من يدور في فلك المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي، فهناك ترويكا مؤلفة من رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية الأسبق مستشار المرشد للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي ورئيس مجلس الشورى السابق غلام علي حداد عادل. ومن المحتمل أن يتم اختيار شخص من ثلاثة في وقت لاحق ليكمل السباق وحيداً. كما لا يبتعد عن عباءة المرشد كل من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي وهو محسوب على جبهة الصمود الأصولية التي رشحت لينكران. يُضاف الى جليلي رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي.
في المقابل، كان أبرز المرشحين من حقبة الرئيس خاتمي، كبير المفاوضين النووين الأسبق حسن روحاني وهو حليف لرفسنجاني، وابراهيم أصغر زادة، الذي كان من بين الطلبة الذين هاجموا السفارة الأميركية في طهران في الرابع من تشرين الثاني 1979 بعيد انتصار الثورة الإسلامية.
لكن أصغر زادة، لا يملك حظوظاً كبيرة بسبب مواقفه الداعية الى تصحيح العلاقات مع واشنطن، وإعلانه خوض السباق ممثلاً عن الحركة الإصلاحية.
وثمة مرشحين عن الحركة الاصلاحية مثل محمد رضا عارف الذي تولى منصب نائب الرئيس في ظل حكم خاتمي، وعضو المجلس المركزي لحزب الثقة الوطنية (اعتماد ملي) جواد أطاعت.
بيضة القبان في هذا الاستحقاق الذي تشهده إيران في 14 حزيران المقبل هو رفسنجاني، الرجل القوي النفوذ في ايران، والمثير للجدل في آن، فهو المتهم بالفساد، وجمع الأموال، ورجل البازار، وخصم المرشد في مقابل نفوذه القوي وبراغماتيته التي تقود قدرته على ادراة السياسة من خلف الكواليس.
لذلك أبرزت الصحف الايرانية بعد تقديم رفسنجاني أوراق ترشيحه، مشهد المنافسة المُفترضة بينه وبين مشائي، في وقت يشدد فيه المحافظون على ضرورة فوز «تيار الثورة». فرفسنجاني ومشائي كلاهما في دائرة الشبهة وخارج تيار الثورة بالنسبة للأصوليين؛ في الأعوام الأخيرة عانى رفسنجاني عزلة داخل السلطة بعدما طالب بالافراج عن أشخاص اعتقلوا في اطار الاحتجاجات التي اعقبت اعادة انتخاب الرئيس نجاد في حزيران 2009.
وقد تم استبعاده العام الماضي من رئاسة مجلس الخبراء المكلف تعيين واقالة والاشراف على عمل المرشد الأعلى، فيما اعتقلت ابنته فايزة هاشمي ونجله مهدي هاشمي وسُجنا لاشهر عدة بتهمة «التعرض للأمن القومي».
اما مشائي فقد اجبره تيار المحافظين على ترك منصب مدير مكتب نجاد واتهم بأنه يقود «تياراً منحرفاً» يسعى إلى تقويض سلطة رجال الدين لصالح تيار أكثر قومية. كذلك اثات تصريحاته حول الصداقة بين الشعبين الايراني والاسرائيلي ودعوته لاقامة علاقة مع الولايات المتحدة احتجاجات وانتقادات واسعة.
الصحف الاصلاحية الايرانية مثل اعتماد وآرمان والشرق وأفتاب وبهار، رحبت جميعها بترشيح رفسنجاني ووصفته بـ «المنقذ»، وكتب وزير النقل الاصلاحي السابق أحمد خرام، في صحيفة الشرق، أن «ترشح رفسنجاني حدث تاريخي». ورأى كاتب الافتتاحية في صحيفة «وطن آمروز» المحافظة المتشددة والمقربة من خامنئي، أن «الرسالة المهمة للانتخابات هي ان هناك هاشمي (رفسنجاني) ومشائي من جهة يشكلان التيار المعارض لقيم (الثورة الاسلامية) ومن جهة أخرى هناك التيار الذي يجمع كل المتمسكين بالمبادئ».
وقد يتمكن رفسنجاني من الاستفادة من دعم الجماعات الإصلاحية التي تم تهميشها منذ عام 2009، حسبما يرى الأستاذ الجامعي الايراني صادق زيبا كلام، معتبراً أن «الأصوليين سيواجهون صعوبة كبيرة بسبب رفسنجاني. (الذي) سيمثل أيضا المعسكر الإصلاحي».
لقد عاد رفسنجاني الى المشهد بقوة في ظل حديث عن موافقة المرشد الأعلى على هذا الترشيح، ففي الأسبوع الماضي قال رئيس مجلس مصلحة تشخيص النظام إنه لن يخوض السباق الانتخابي من دون موافقة خامنئي لقلقه من أن تؤدي تلك الخطوة إلى صراعات ونزاعات. لكن محللين يرون أن اتفاقاً تم في اللحظة الأخيرة مع خامنئي قد يكون هو الذي فتح المجال امام ترشيحه لنفسه.
في اي حال، لا يزال هناك خطوة هامة تسبق الانتخابات الرئاسية الايرانية، فالأمر لا يزال بيد مجلس صيانة الدستور، الذي يضم ستة رجال دين وستة فقهاء في القانون. هم من سيحدد من هو الشخصية التي تمتلك شروط التقدم نحو منصب الرئاسة بعد مرورها في الغربال الذي يمثل مبادئ الثورة وشروط الالتزام بتعاليم الولي الفقيه، في بلد ترهق العقوبات الدولية اقتصاده وتحيط به التحديات الأمنية والسياسية من كل جانب.