عثرات التغيير اليمني
جمانة فرحات
هل فعلاً يحتاج اليمن إلى تغيير حكومي، كما ينادي الكثير من المعترضين على أداء الحكومة الحالية، أم أن المطلوب تغيير العقلية التي تدار بها الحكومة والبلاد. لا شك أن السنة والنصف سنة التي امضاها رئيس الوزراء، محمد سالم باسندوه، في منصبه كافية للقول إن فعالية حكومته شبه معدومة، سواء في ما يتعلق بمعالجة المشاكل الامنية أو المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، إذ تشهد البلاد بمرور كل يوم اضافي مزيداً من التدهور في تقديم الخدمات للمواطنين. الكهرباء اصبحت اشبه بالعملة النادرة. لا تكاد الفرق الفنية تنتهي من تصليح عطل، حتى تنتقل لاخر، بعدما وضعت خطوط امداد الكهرباء تحت رحمة قطّاع طرق تعجز الدولة عن ضبطهم، وسط تساؤلات المواطنين عما اذا كان هذا الاستهداف شبه المنظم للمنظومة الكهربائية تقف وراءه جهة سياسية محددة ليكون بمثابة عقاب جماعي لليمنيين.
هذا العجز الحكومالي ينسحب ايضاً على الوضع الامني، من تقطيع طرقات، واشتباكات تارةً قبيلة وتارةً بين الجيش ,متشددين، فضلاً عن الاغتيالات المتواصلة للضباط اليمنيين، واستباحة الأجواء من قبل طائرات من دون طيار اميركية هدفها المتشددين المتهمين بالانتماء لتنظيم «القاعدة»، فيما تؤكد الأرقام أن العدد الأكبر من ضحاياها من المدنيين العزل.
لكن هل يتحمل باسندوه المسؤولية عن كل هذا الوضع المتردي، أو بشكل أدق هل يتحمل وحده المسؤولية، ليكون استبداله مفتاح الحل؟
لعل العودة الى الوراء قليلاً، وتحديداً إلى المقابلة التي اجرتها قناة «الجزيرة» معه في شهر شباط/ فبراير الماضي، ضروري. عندما سأل المذيع يومها باسندوه عن معلوماته حول تكرار اغتيال الضباط اليمنيين، فأجاب «لا أدري». وعن غارات الطائرات من دون طيار لم تختلف اجابته كثيراً بقوله «لا أعرف وليس لي دخل بها». أما معلوماته عن سفن الأسلحة التي تضبط على نحو متكرر منذ اشهر في المياة الاقليمية اليمنية، فاختصرها رئيس الوزراء اليمني بعبارة «ليس لي علاقة بالموضوع، والأجهزة الأمنية لا ترفع لي تقارير». هذه الاجابات الثلاث التي انسحبت على مجمل اسئلة المقابلة، سخر منها اليمنييون في حينه، ملقبين باسندوه برئيس حكومة «لا أدري».
لكن ما يجب التوقف عنده أن في اجابات باسندوه هذه اعتراف صريح وواضح بأنه ليس اكثر من مجرد واجهة مطلوب منه أن يرأس الحكومة دون ان يكون مطلوباً منه ادارتها، وذلك كنتيجة حتمية للصيغة التي تم تأليف حكومة الوفاق الوطني على اساسها، تماشياً مع المبادرة الخليجية. اذ نصت الأخيرة على أن تشكل الحكومة مناصفةً بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وحلفائه وبين تكتل احزاب اللقاء المشترك. وهو ما أدى إلى نقل الصراع السياسي إلى طاولة مجلس الوزراء، ليس فقط بين الطرفين الرئيسين، بل بين أقطاب التحالف الواحد، ما جعل الحكومة تفتقر لأي قدرة على العمل الجماعي وتكون أقرب إلى حكومة تسيير أعمال. أمر لا يتحمل مسؤوليته باسندوه وحده، بل تتشارك فيه القوى السياسية جمعاء. لذلك فان المطلوب قبل الحديث عن أي تغيير حكومي، الاتفاق أولاً على طبيعة الحكومة الجديدة المراد تشكليها، وهل هي حكومة يتم التعاطي مع رئيسها على أنه شريك فاعل في قراراتها ومرجعية لكل وزرائها، ام حكومة لا يعترف وزراؤها سوى بمرجعية أحزابهم. تساؤلات تضع رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، والاحزاب الشريكة في الحكومة، امام تحدي الاجابة أيضاً عن مدى استعداد هذه الاحزاب لوضع مصلحة المواطنين في سلم أولوياتها وان تتخلى عن نظرتها إلى الوزارات التي تديرها على انها غنيمة. وهو سلوك تتجلى اخطر صوره في الفضائح التي تتردد أصداؤها في عدد من الوزارات وباقي مؤسسات الدولة، التي يتضح كل يوم أن معيار الكفاءة آخر ما يعتد به عند ملء الشواغر الوظيفية فيها، فيما تحوّل الانتماء السياسي إلى جواز المرور الوحيد المعترف به. وهو ما يفسر انشغال اغلب الوزراء في تعيين المحسوبين على أحزابهم داخل مؤسسات الدولة، بدءاً من وزارة الداخلية، حيث الحديث عن آلاف المنتمين إلى حزب الاصلاح (الإخوان المسلمين)، الذين يجري تثبيتهم في الوزارة، مروراً بما جرى في الجهاز المركزي للمراقبة والمحاسبة من تعيين وكيل للشؤون المالية والإدارية والفنية في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة فقط لكونه مقرباً من نصر طه مصطفى، الذي يشغل حالياً منصب مدير مكتب الرئيس. وهو ما اثار موجة غضب شعبية واسعة اضطر على اثرها هادي للتراجع عن قرار التعيين. سياسة المحسوبية على خطورتها ليست وحدها ما يهدد التغيير، الذي لطالما نشده اليمنيون، وظنوا أن تنحي علي عبد الله صالح بعد الاحتجاجات الشعبية سيكون بداية له. فما يجري في وزراة العدل، وفقاً لما كشفه القاضي اليمني عبد الوهاب قحطان، أشد خطورة. ويدل على وجود خطة ممنهجة لتدمير أي حلم بانتقال اليمن إلى دولة يتراجع فيها تأثير تحالف «ثالوث القبيلة والدين والعسكر». اذ تحدث قحطان عن «قيام وزير العدل وجماعته بتخفيض نسبة القبول من جيد جداً الى جيد ورفع الطاقة الاستيعابية من 100 الى 300 لاول مرة منذ تأسيس المعهد العالي للقضاء». لكن الأخطر، من وجهة نظره، اقرار لجنة شكلها وزير العدل بقبول خريجي جامعة الايمان، العائدة لرجل الدين المتشدد، عبد المجيد الزنداني، ما دفع قحطان للتعبير عن استيائه منه بالقول «محاكم التفتيش قادمة».
هذا التدهور في مؤسسات الدولة يبدو التعويل على باسندوه أو حكومة الوفاق الوطني للحد منه مستحيلاً في ظل العقلية التي تدار بها البلاد منذ التوقيع على المبادرة الخليجية لتبدو المسؤولية ملقاة اليوم أكثر من أي وقت مضى على شباب الثورة للبحث عن سبيل لوقف هذا التدهور ولاعادة بعض الاعتبار لثورتهم التي نجحت الأحزاب في سرقتها وامعنت في تشويهها، مضيفة المزيد من العثرات في طريق اليمنيين نحو التغيير.
أمام هذا التدهور المتسارع في مؤسسات الدولة ومخاطر اتساعه، وعدم امكان التعويل على باسندوه أو حكومة الوفاق الوطني للحد منه في ظل العقلية التي تدار بها البلاد منذ التوقيع على المبادرة الخليجية، تبدو المسؤولية ملقاة اليوم أكثر من أي وقت مضى على شباب الثورة للبحث عن سبيل لوقف هذا التدهور ولاعادة بعض الاعتبار لثورتهم التي نجحت الأحزاب في سرقتها وامعنت في تشويهها، مضيفة المزيد من العثرات في طريق اليمنيين نحو التغيير.