شاهد من الثورة السوريّة: هكذا يفكّر الشارع
أحمد سامر كرم ــ خاص “أخبار بووم”
منذ بدء الثورة السورية في15/3/2011 ، ظهرت العديد من الأسماء التي تمثل ناشطين مناهضين لحكم الاستبداد في سوريا، منهم من لجأ، وآخر استشهد، والكثير اعتقل. ما يميّز الناشط ماهر إسبر عن أقرانه من الناشطين، اعتقاله قبل بدء الربيع العربي، وتحديداً في عام 2006 على يد المخابرات الجوية، إثر مشاركته في مجموعة نقاش شبابية، ونشره للعديد من المقالات الإلكترونية المؤيدة للديموقراطية.
حكم عليه بسبع سنوات، قضى خمس منها في سجن صيدنايا قبل أن يشمله العفو الرئاسي الصادر بعد بدء الثورة السورية. عاد وانخرط في الحراك الشعبي فوراً، ليصبح أحد أكثر الأسماء نشاطاً في مدينته (السلمية – حماه)، ذلك جعله هدفاً للقوى الأمنية مرة جديدة، فآثر اللجوء إلى لبنان هربا من اعتقال جديد.
هذا هو الوضع في السجون السورية
ماهر يروي لـ «أخبار بووم» تجربة الاعتقال بالقول «أغلب ما يخلفه السجن من نتائج تكون كارثية، لكن تستطيع أنت أن تحوّل هذه النتائج أو تقولبها لمادة تستفيد منها، أن توظف السجن. تتعامل معه وكأنه جزء من جدول حياتك أي مرحلة لابد أن تمرّ بها». ويتابع «أحيانا تسنح لك فرصة القراءة بكثافة داخل السجن، تتعمقّ في المجالات التي تهتم بها، وخصوصاً أنك بحاجة ماسّة لحرق الوقت».
ويشير ماهر إلى أن السجن في سوريا «ليس جدراناً وانعداماً للحرية فقط، بل مكان أنت مهدد فيه بالموت في أي لحظة. تعذيب، إهانات، تجويع، والأصعب كان وضع فئات متناقضة وغير قابلة على تفهم بعضها في غرف واحدة، كأن يتم وضع معتقل شيوعي مع خمسة معتقلين أصوليين».
ويكشف ماهر أنه مع انطلاق الربيع العربي «شهد السجن بعض التحسينات الطفيفة، تحسن الطعام، تم إدخال الأدوية مع زيارات دائمة للأطباء، والأهم السماح بدخول الصحف (الرسمية فقط، الثورة وتشرين)». وأضاف «كنا نقرأ الصحف بشكل كامل، بما فيها الصفحة الأدبية، نربط ونحلل كل ما يرد فيها، كأن تربط مثلا بين خبر وجود تظاهرات في تونس مع قصيدة شعرية تتغزل بمحمد البوعزيزي. في ما بعد، تم إدخال الراديوهات. طبعا تم بيعها للسجناء وليس توزيعها، والحقيقة أن الفارق في أخذ المعلومة بعد استعمال الراديو كان طفيفاً».
ويشرح ماهر أسلوب نقل الأخبار في السجن بالقول «ما أن يسمع أحد المهاجع بخبر جديد حتى يتم نقله إلى كل المهاجع الأخرى، ويتم هذا النقل بواسطة أقنية التدفئة. أما مصدر الأخبار فهو متعدد جدا، أحيانا يكون المصدر أحد السجناء الجدد، أو نتيجة لزيارة حصل عليها أحد السجناء، وبعض الأحيان من خلال الرشوة لأحد السجانين».
بعد تجربة السجن، خرج ماهر إلى مدينته السلمية وينشط فيها في التظاهرات. ويشرح طبيعية العمل على الأرض وتحديداً بنية التنسيقيات، قائلاً “التنسيقيات هي تنظيم مسؤول عن شكل التظاهرة ليس إلا، تحديد مكان الانطلاق والتوقف، رسم اللافتات، ابتكار شعارات جديدة يتم ترديدها، إيكال مهمة التصوير لشخص معين، وإيصال ما تم تصويره لوسائل الإعلام. لكن هذه التنسيقيات ليست قادرة على تجاوز المزاج العام، مثلا اشتهرت حادثة في مدينة سراقب وتكررت في مدن الأخرى عندما قامت التنسيقية بإلغاء تظاهرة في المدينة نظراً للظروف الأمنية، فنزلت التظاهرة وهتفت ضد التنسيقية”.
المتظاهرون غير راضين عن المعارضة
وعن رؤيته للحال في سوريا بعد ثمانية أشهر على الثورة، يقول ماهر “أستطيع تشبيهه بحالة هدم يرافقه في الآن ذاته عملية بناء دقيقة، فإن كان الهدم مدروساً وغير عشوائي، والبناء قائم على أسس صحيحة، سنحصل على النتائج التي نسعى إليها ونحلم بها. هناك بعض الأخطاء وقعت أثناء الثورة، لكن الصورة العامة حتى الآن إيجابية”.
عمل المعارضة محط اهتمام الناشطين السوريين، إضافة إلى مشاركتهم في الحراك الداخلي. ورؤية هؤلاء الشباب لعمل المعارضة غير مرضي. هذا ما يوضحه ماهر، الذي يشير إلى أن “جوهر الخلاف بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق، غير منطقي، وهو تحديداً موضوع التدخل الخارجي. لقد عوّدنا النظام الاستبدادي في سوريا، أن أكبر الكبائر تكمن في الاستعانة بالخارج، علماً أن الاستعانة بالخارج مهما كبرت تكلفتها لن تصل إلى درجة الإجرام اليومي للنظام”. ويتابع “بالمجمل، وبعيداً عن الخلاف بين الهيئة والمجلس، لست راضيا عن أي منهما، ولي الكثير من الانتقادات للتشكيلين السابقين”. غير أنه لا يرى تأثيراً للتصدع بين التشكيلين المعارضين على الشارع، الذي “أظهر بشكل دائم أنه لم يتحرر فقط من الخوف الذي خلفته سنوات الاستبداد الطويلة، بل تحرر أيضاً من كل ما هو معيق له في رحلته نحو الحرية”. ويتابع “إن ميل الشارع نحو أحد التشكيلين السياسيين في فترة معينة يرتبط بموقف أبداه أحدهما، وكذا النقد أو التهجم على أحدهما. ليس هناك قائد أو مجلس للثورة، شبابها المتظاهر هو القائد وهو الثورة ككل”.
وينتقد ماهر أيضاً “خطاب الثورة”، الذي يرى أنه “غير شامل، إذ يتجه نحو شرائح معينة ويهمل شرائح أخرى. على الثورة استحداث خطاب يجمع كل شرائح المجتمع السوري مهما اختلفت، فالجميع في سوريا متضرر من هذا النظام. حتى الجيش السوري الذي يطلق النار على المدنيين العزل هو في الحقيقة شريحة كثيراً ما عانت من النظام المستبد”. ويتابع أن “توسيع الخطاب ليشمل كل الشرائح يقودنا إلى خطوة ثانية مؤثرة جدا، ألا وهي العصيان المدني، الذي لا يمكن أن ينجح دون إشراك كل الشرائح في هذه الثورة. والعصيان المدني سلاح لا يمكن للنظام مقاومته”.
ويشدد ماهر على أن للثورة السورية خصوصيتها، “أولاً بطول مدتها، وثانياً أنها سمحت للسوري باكتشاف سوريا مختلفة عن تلك التي كان قد اعتادها، وكأن هذه الثورة أظهرت جوهر الشعب السوري وإبداعه وقدرته على العطاء. إن عدت إلى التحليلات قبل قيام الثورة أو مع بدايتها، سترى أغلبها يتحدث بتخوف وحذر شديدين، الشعب السوري كان مجهولاً بالنسبة للجميع ولم يكن هناك تصور واضح للطريقة التي سيعبّر فيها هذا الشعب عن ذاته”.
التهويل بالحرب الطائفية لعبة النظام
غير أن مشهد الثورة بقي ناقصاً مشاركة دمشق وحلب. ويشير ماهر إلى أنه “لا يمكن القول إن العاصمة دمشق لم تثر، التظاهرات موجودة ومسجلة في العديد من أحياء دمشق، لكنها بالتأكيد عانت من قبضة أمنية أقوى من باقي المدن نظراً لكونها مركز ثقل النظام. أما حلب فهي تعاني من سيطرة اقتصادية من قبل تجّار ورؤساء أعمال تتقاطع مصالحهم مع النظام، يضاف إليه، أن حلب كانت إحدى المدن التي توقع النظام أن تكون شرارة الثورة، نظراً لتاريخها المعارض الطويل، ما دفعه لاتخاذ إجراءات أمنية مشددة فيها مع أول علامات الثورة. كاعتقال العديد من الناشطين أًصحاب التاريخ الطويل من المعارضة، واستدراج بعض العشائر لتقف في صفه من خلال صفقات معينة”.
ماهر إبن إحدى الأقليات السورية، غير أنه غير متخوف من حرب طائفية في البلاد، ويقول “لم أشعر يوماً ضمن المجتمع السوري بأنني ابن لإحدى الأقليات، الشعب السوري شعب متعايش ولم يشهد التاريخ أي صدام طائفي في سوريا”. ويضيق “كل ما يذاع عن مخاوف طائفية هي من صنع النظام، الذي سوّق نفسه منذ سيطرته على السلطة بأنه الحامي للوفاق الأهلي، واضعا السوريين بين خيارين، إما هو بمساوئه وفساده، أو الحرب الأهلية”.
ماهر اليوم يعيش في بيروت هرباً من الملاحقات من قبل النظام، غير أن الملاحقة تبعته إلى العاصمة اللبنانية، حيث يقول إنه يتعرض لبعض المضايقات “حتى أن إحدى الجهات اللبنانية حاولت مرة الإيقاع بي من خلال إيهامي بإجراء مقابلة مع أحد الصحافيين، ولم تنجح”.
ويختتم ماهر بإبداء تفاؤله بنهاية النظام في سوريا، التي يرى أنه “مسألة وقت”.