سياسة فرنسا تجاه الملف السوري: أخطاء …وتخبط … وتأجيل
باريس – بسّام الطيارة
منذ «عودة» واشنطن للاهتمام بالملف السوري والتخبط إلى جانب هو لازمة الديبلوماسية الفرنسية. باريس لا تريد الخروج من هذا الملف الذي ورثته إدارة فرانسوا هولاند وهي طليقة اليدان بخلاف الرئيس السابق ساركوزي الذي كان قد أقام علاقات «جد ودية» مع الرئيس بشار الأسد، في محاكاة بشعة للعلاقة التي ربطته بالزعيم الليبي معمر القذافي قبل أن ينقلب عليه ويكون أول من يقصف ليبيا. هولاند دخل الإليزيه ليلبس قفاز التشدد الذي فصله سلفه من دون شوائب العلاقات السابقة، فتابع السياسة السابقة التي انتهجتها
باريس في دعمها للمعارضة السورية متمثلة آنذاك بالمجلس الوطني السوري الذي صيغ على شاكلة المجلس الوطني الليبي، واستقبل هولاند رئيسه الثاني عبد الباسط سيدا على درج الإليزيه (تماماً كما سبق لساركوزي واستقبل الليبي مصطفى عبد الجليل). ولكن منذ البداية كان هولاند قد «كبَّلَ» يديه بوضع شرط التدخل العسكري تحت شرط قرار أممي.
ومع الأيام أفلس المجلس الوطني السوري سياسياً وتصلب الموقف الروسي في مجلس الأمن (٣ فيتو) فبدأت المناورات الفرنسية لإعادة بناء معارضة «واسعة» بعد أن انتبهت إلى خطأ مقاطعة «المعارضات الأخرى العلمانية والموجودة في الداخل» فكان الائتلاف السوري للمعارضة الذي جاء رغم كل المجهود على شاكلة المجلس الوطني مع تغيير بسيط هو ابتعاد «المقربين من باريس» من واجهة القيادة. ولكن لم يمنع هذا من أن تكون باريس «أول من يعترف بالائتلاف» ويسمي سفيراً معترفاً به في باريس … من دون انتزاع السفارة من سفيرة النظام ، وأن ترحب الحكومة برئيسه معاذ الخطيب الذي استقبل (أيضاً) على درج الإليزيه..
ومع الأيام أيضاً ضحَّت القوى الممسكة بالائتلاف بالخطيب بسبب مبادراته ودعواته المشروطة لمحاورة النظام وفقدت باريس مرة ثانية شخصية لها وزن في الداخل السوري ومحترمة في أوساط الجيش السوري الحر. ولكن أفكار الخطيب شقت طريقها إلى «ذهن الديبلوماسية الفرنسية» إلى جانب تفعيل الدور الأميركي. فبدأ ما كان مرفوضاً في الأيام الأولى حين كانت «المصادر المطلعة» تتوقع سقوط النظام بعد أسابيع ثم أشهر ثم … مرت الأيام. وبعد أن كان شرط تنحي بشار الأسد عن الرئاسة يكلل مبادرات باريس للقبول بالتفاوض وكذلك تفسير اتفاق جنيف، بات الحديث اليوم عن «نقل صلاحيات الأسد للحكومة الانتقالية».
ولكن لموازنة هذا «التخبط» أو كما يقول ديبلوماسي متقاعد «سوء الحظ معطوف على سوء تقدير» وللتخلص من التكبيل الذي فرضه هولاند على استعمال القوة ضد القوات الحكومية السورية، فتحت الديبلوماسية الفرنسية شق «تسليح المعارضة»،
ولكن يقول الديبلوماسي المخضرم «لوحت بالتسليح من دون أي خطوات فعلية» منتقداً عدم إقدام باريس على «تسليح فعلي وفعال» للمعارضة للدفاع عن نفسها، مع اعترافه بأن فرنسا وبريطانيا «ساعدت المعارضة على شراء بعض الأسلحة باسم ليبيا، وإرسالها بعض المدربين وقوات الكوماندوس على حدود في تركيا ولبنان والأردن».
مسألة تسليح المعارضة في شقها الفرنسي (والبريطاني) تشبه من يلوح لعطشان بكوب ماء ولا يسمح له بالاقتراب منه. حتى أن رفع الحظر قبل اسبوع جاء «مؤجلاً» إلى شهر آب/اغسطس.
وقد حاول وزير الدفاع الفرنسي «جان ايف لو دريان» خلال حضوره قمة «حوار شانغريلا» في سنغافورة شرح الأمر فدعا إلى «حل عاجل» في سوريا. وبعد أن شرح خطورة امتداد الصراع عبر الحدود الى لبنان والعراق والأردن أضاف أن سياسة «انتظر لنر قد تسبب فوضاء وتقلب خريطة الشرق الأوسط». وعند الحديث عن تصدير السلاح للمعارضة شدد على أن الأمر «ما هو الا خيار»، بمعنى أن يمكن تسليح المعارضة ويمكن عدم تسليحها وبعد أن انتقد موقف روسيا المعروف من تسليح النظام السوري أضاف: «بالنسبة لأوروبا فإن رفع الحظر امر ممكن بالنسبة للدول التي ترغب في مساعدة الجيش السوري الحر» وشدد على أنها «إمكانية ولم يقل احد أنها ستستخدم».
إن دل ذلك على شيء هو أن «باريس ما زالت مترددة» في تسليح المعارضة للأسباب المعلنة أي خوفاً من أن تجد هذه الأسلحة في أيادي إرهابيين يوجهونا نحو … الجنود الفرنسيين في الساحل الأفريقي (مالي والنيجر وليبيا وأيضاً في موريتانيا) ولما لا في مناطق أخرى من العالم.
التخبط الديبلوماسي والتلويح بالتسليح ينساق أيضاً على «الانخراط الفرنسي» بمسار «جنيف ٢».
وزير الخارجية الفرنسي «لوران فابيوس» قال في مقابلة مع «راديو أوروبا ١» (Europe 1) وتلفزيون «إي تيليه» (iTélé) إن مؤتمر «جنيف ٢ هو مؤتمر الفرصة الأخيرة»، متمنياً «أن يعقد». ولكنه أعطى موعداً في شهر تموز/يوليو أي أبعد بكثير من المطلوب روسياً وأميركياً أي قبل قمة دبلن لمجموعة الـ ٨ (راجع أخبار بووم انقر هنا). وبرر فابيوس ذلك بأن «الوقت قصير جداً»لعقده في الشهر الجاري. وبالطبع لم يستطع الوزير الفرنسي أن يخفي أن المعارضة حتى اليوم لم تتفق لا على شروط الذهاب إلى جنيف ٢ رغم عدد من التصريحات المتشددة ولا على ممثليها، فاعترف بأن «على المعارضة اختيار ممثليها» رغم صعوبة الأمر على ما يبدو (راجع أخبار بووم انقر هنا).
يقول ديبلوماسي أوروبي إن باريس تسعى كي «تبدو سياستها تجاه الملف السوري متناسقة » لذا فهي تُلبِسُ تخبطها وعثراتها برداء الهجومية حتى في تفسيرها لأجندة جنيف ٢ التي وضعها التوافق الأميركي الروسي (راجع أخبار بووم انقر هنا). كما أنها تتحفظ إزاء مشاركة إيران في المؤتمر. ويقول فابيوس «الإيرانيون لا يريدون التوصل إلى حل» كما قال أمام لجنة الشوؤن الخارجية إن «طهران لا توافق على تنحي الأسد» واستطرد «على الذين يريدون الذهاب إلى جنيف أن يوافقوا على هذه الأجندة» (راجع أخبار بووم انقر هنا). إلا أن الخوف الحقيقي في باريس هو إعطاء دور إقليمي لإيران أو أن تربط طهران تنازلاتها بتخفيف الحصار على برنامجها النووي. ولا يتردد فابيوس من القول هناك خطر أن يواجهونا بـ«يمكن أن نقدم تنازلاً في المسألة السورية، لكن شرط ان تتركوا لنا القنبلة الذرية». وباريس من أكثر المتشددي في الملف النووي الإيراني ولا تريد بأي شكل من الأشكال ربطه بالملف السوري (راجع أخبار بووم انقر هنا).
لذا يحاول فابيوس أن يبعد موعد مؤتمر جنيف إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية أملاً في أن تكون المعارضة في الخارج قد «رتبت أوضاعها» وتوافقت مع المعارضة في الداخل وأملاً أيضاً في أن تكون المعارضة المسلحة قد استردت بعض ما تفقده حالياً من مواقع عسكرية أمام هجمة الجيش السوري الحكومي، وأن تتراجع قوة الكتائب الجهادية. فيكون موعد تموز/يوليو بشكل تهديد بمد المعارضة بالسلاح في حال فشل مؤتمر جنيف حسب الموعد الذي حدده الاتحاد الأوروبي أي «مطلع آب/اغسطس».