أزمة مرائب السيارات في لبنان: قتلى وجرحى وتكسير
بيروت ــ علي مرتضى (خاص)
في ظل توسع رقعة البناء وازدياد أعداد السيارات انحسرت المساحات وضاقت الطرقات ، فلا مساحات عامة تكفي لركن السيارات ولا وجود لمرائب مخصصة واقتصارها على أماكن وزوايا محدودة من المدينة. من هنا ولد ما يعرف بأزمة مواقف السيارات في معظم المناطق على الأراضي اللبنانية، إذ يعاني أكثر المواطنين من عدم وجود أماكن لركن سياراتهم في ظل غياب السلطات المعنية واحتكار أصحاب المحال التجارية والمقاهي للمساحات البسيطة أمام محالهم واستملاك بعض الأفراد للزوايا الموجودة في مناطقهم الشعبية.
“أزمة مواقف”.
تعاني شوارع الضاحية الجنوبية وبشكل مستمر من ازدحامات سير خانقة بفعل التوسع العمراني الكبير إذ أنها باتت أزمة حقيقية يعاني منها المواطن بشكل يومي. فهناك من يركن سيارته خارج المنطقة ويعود بسيارة أجرة الى منزله، تفادياً للمشاكل التي يمكن أن يتعرض لها من وراء “هالصفة”، يقول كريم.
أما بالنسبة للشاب حسن فقد أقرّ قانوناً خاصاً به: “ممنوع الوقوف تحت طائلة مشكلة ما الها رب”، يبرر قولهةهذا بأنه في أحد الأيام “وصلت الى المنطقة فلم أجد مكاناً أركن فيه سيارتي علماً أن لشقتي موقف مخصص، عدت الى موقف سيارتي وسألت عن صاحب السيارة الأخرى التي تحتله، فاتضح أنه شخص من الحي الآخر. واجهته ولم أكن في مزاج جيد نظراً للوقت الذي قضيته وأنا أبحث عنه، وإذ به يكلمني وكأنه ممتلكاً الحق فافتعلت مشكلة كبيرة وحطمته من الضرب. وكان ذلك لصالحي فمنذ ذلك اليوم لا أحد يجرؤ على الوقوف مكاني. ريحت راسي ,لأنو هيدي العالم بدا تكسير راس”.
أما رامي فقد أعرب عن مدى تأسفه ازاء المشاكل التي تحدث “كرمال الصفة”على حد تعبيره، مضيفاً أن الوعي المناطقي يعاني الإنحسار بسبب ضغوط الحياة اليومية والضائقة الاقتصادية التي يمرون بها. ومن جهة أخرى فالأسرة اليوم تتكون من أربعة أو خمسة أفراد على الأقل، لنفرض أن لكل عائلة ثلاث سيارات وهذا العدد فعلياً موجود، فهل هناك موقف يستطيع أن يأوي نصف هذا العدد من السيارات نظراً لندرة المساحات في ظل الامتداد العمراني الضخم ؟”، يتساءل رامي.
أما رنا فكان لها مشكلتها الخاصة كون دوام عملها يبدا باكراً، فتركن سيارتها مساءاً، ويأتي الصباح فتجد من “اقفل الطريق عليها. تقول رنا “عندها لا يكون أمامي الا أن اواجه يوماً سيئاً بالبحث عن الذي قطع علي طريق الخروج.
على أمل أن تتوصل البلديات الى حلول جدية في سبل انهاء هذه الأزمات.
اطلاق نار وجرحى
منذ حوالي الستة شهور حصل خلاف في محيط مخيم برج البراجنة تطور الى اطلاق نار مما أدى الى وقوع جرحى. جوهر المشكلة يكمن في ركن سيارة. عبارة سهلة ولكنها أدت الى تصادم أوقع جرحى، أزمة كبيرة.
وكما الحال في الضاحية كذلك في حي “أبو سهل” في منطقة طريق الجديدة، إذ يقول أبو محمد (اسم مستعار) شيدت المباني هنا منذ حوالي الخمسين عاماً وما كان هناك وجود آنذاك للسيارات كما في هذه الأيام، إذ أنها بالكاد تحوي بضعة أمكنة لقليل من السيارات. اما اليوم فالمواطن مثلاً يضع عاموداً في الشارع ويكتب لافتة (موقف خاص ممنوع الوقوف)، لتأتي البلدية وتزيلها باعتبارها مخالفة على الأملاك العامة وفي بعض الأحيان تبقى اللوحة لشهور”.
ولكن الشيء الذي لا يخلو منه هذا الحي “المشكل كرمال الصفاّت” لتتطور في بعض الأوقات الى صدام حاد بين المواطنين مما يؤدي الى وقوع جرحى.
هذا المشهد ينطبق على منطقة النبعة ولكن بقصة محزنة ترويها أم فيكي، ففي هذه المنطقة مد بشري هائل، ناهيك عن البناء العشوائي وضيق الطرقات اذ لا يتجاوز عرض الطريق الأربعة أمتار. فاندفاع الأهالي والمواطنين للتبضع كفيل بأن يحدث اغلاقاً للطريق. ليس مشهداً مفاجئاً بنظر “ام فيكي ” التي عاصرت الحرب الأهلية في تلك المنطقة، ولكن الشيء المفاجىء بأن المقيمين هناك يركنون سياراتهم على بعد الكيلومترات متوجهين سيراً على الأقدام الى منازلهم خشية من تحطيم البعض لسياراتهم.
في أحد أيام الصيف الماضي قرر أبو نضال(اسم مستعار) الرجل السبعيني الذي يعمل كسائق تاكسي أن يستريح من شبح الحر ليعاود العمل فترة بعد الظهر، فركن سيارته جانب المبنى الذي يسكنه، وأنساه التعب بأن هذا “مرأب خاص بأحد الجيران. غطّ في قيلولته علّها تذهب عنه أرق اليوم الذي أثقله ، فاستيقظ على أصوات الشتائم وتكسير الزجاج، لم يتبق من سيارة أبو نضال سوى الحديد “المطعوج” ، خرج الى شرفته نظر اليهم طرفة عين والى سيارته طرفة أخرى، ساقطاً على الأرض مودعاً اياها والحياة بأزمة قلبية. لقد كانت هذه السيارة آخر ما تبقى له بعد رحيل زوجة وثلاثة أولاد قد اختطفهم شبح الحرب الأهلية. وكانت “سيارته عبرة لمن اعتبر وموته قضاء وقدر”، حسب تعبيرأم فيكي.
.في هذا المضمار، أكد مهندس مختص بالشؤون العقارية أن جميع المباني الموضوعة قيد الإنشاء تحتوي علي طبقتين وثلاث طبقات تحت الأرض مخصصة لركن السيارات وقد أنشئت على هذا النحو بعد دراسة الشوارع والزحمة الخانقة التي تعاني منها من جرّاء تزايد وسائل النقل الخاص والعام، وبغياب تخصيص طرقات واتوسترادات خاصة بوسائل النقل العام والشحن، إذ أن تأمين مواقف اضافية في اطار التنفيذ والعمل عليه يتطلب تخطيطاً دقيقاً ومدروساً بالنظر الى قلة المساحات الشاغرة.
كما طرحت وزارة النقل في بيانها الوزاري فكرة تنظيم أماكن وقوف السيارات الخاصة بالنظر الى أزمة الإكتظاظ التي تعاني منها الطرقات الموجودة في المدن وذلك من خلال توسيع بلدية بيروت والبلديات الأخرى في اطار تنظيم وقوف السيارات على الطرقات وانشاء مواقف متعددة الطبقات للحد من هذه الأزمة وتشجيع الاستثمار في هذا الشأن.