جهل يغطي شوفينية الإعلامي والكاتب السعودي جمال خاشقجي
حامد دبوس
تحت عنوان «إخراج الفيل من البيت السعودي» نشرت صحيفة الحياة «السعودية-البريطانية» يوم السبت ٨ حزيران/يونيو ٢٠١٣ مقالة للكاتب جمال خاشقجي.
لقد جذبني لقراءة هذه المادة مطلعها حيث يتطرق الكاتب إلى أحد أهم متغيرات العالم العربي ارتفاع عدد الشباب ليصبحوا «الغالبية»، وهذا صحيح. واستطرد الكاتب بإشارة إلى «خروج الشباب غاضبين يريدون من حكومتهم أن تستمع لهم» معطياً مثالاً ما يحدث عند «جيراننا الأتراك»، وإذ به يتوجه إلى الحكومة السعودية ينهرها «حري بها أن تستمع إلى شبانها وشاباتها». عند قراءتي هذه الجملة في مقدمة مقالة كتبها كاتب وإعلامي سعودي يحمل إسماً رناناً ويغطي رأسه بالعقال وينشره في صحيفة سعودية الانتماء، قلت في نفسي «ها هي الثورة المخملية الهادئة قد بدأت في المملكة الوهابية». فغصت في المقالة بعد أن أصلحت من جلستي حتى أستمتع بقراءة تستشف مستقبل ما يطمح إليه الشباب، قائلاً في نفسي هذا الكاتب الإعلامي يريد توعية الحكام والشعب السعودي إلى ضرورة الاستماع إلى ما يريده «الشباب والشابات». حسناً.
علي الاعتراف أن العنوان «إخراج الفيل من البيت السعودي» سبب لي بعض الارتباك واعتبرت أنه يشير إلى «العقلية المتحجرة ويشبهها بالفيل» ويريد التخلص منها ووصفها بالفيل في البيت.
من السطر الثالث يجزم الكاتب الإعلامي السعودي بأن الحكومة «أخرجت الفيل» ويقول « أزعم أنها فعلت» ويرى أن في «السوق السعودية تغيير هائل». عند هذه اللحظة من القراءة قلت في نفسي لعله يريد أن «يحفر حفرة منطقية» فيقول إنها فعلت ليثبت أنها لم تفعل! وهو ما يمكن ملاحظته بمجرد النظر إلى ما آل إليه شباب المملكة والتناقض بين طموحاتهم والأطر الجامدة التي تقيدهم. تابعت القراءة وقد بدأ الشك ينساب إلى ثقتي بما يريد قوله الكاتب الإعلامي السعودي.
يا للهول في الجملة التالية توضح لي مقصده: «الحملة الماضية بقوة لتخليص البلاد من الاعتماد على العمالة الوافدة»، وبالتالي فإنه «جزم» بأن الحكومة تريد إخراج الفيل من البيت السعودي لأن «الحكومة السعودية تحاول إعادة البلاد إلى طبيعتها».
الكاتب الإعلامي السعودي يرى في أن «الفيل» هو «مئات من الباكستانيين والفيليبينيين والبنغال وغيرهم من الجنسيات الوافدة» ويقولها بصراحة كاتب إعلامي: «هؤلاء الأجانب هم الفيل الكبير في البيت السعودي». ويلوم مواطنيه لأنهم «منشغلين بالفيل أكثر من قضاياهم المصيرية» ويلومهم لأنه لا «يجرؤ أحد أن يقول: أخرجوا هذا الفيل حتى نستطيع أن نتحدث ونخطط بشكل أفضل».
الشباب السعودي لا ابداع عنده (بنظر الكاتب الإعلامي) لأن «بضعة ملايين من العمالة الرخيصة … قتلت الإبداع» وهي «…حرمت الشاب السعودي من التدرب على العمل».
ما ذنب «الفيل»؟ أي العمالة الأجنبية إذا (كما يصف الكاتب الإعلامي) «لم يعد أحدنا يجد غضاضة أن يقوم العامل الأجنبي بحمل صحفه وحقيبته اليدوية إلى سيارته» ما ذنب الوافدين المجبرين إذا كانت «طالبات في الجامعة يصطحبن شغالاتهن معهن إلى قاعة المحاضرات كي يسكبن لهن أكواباً من القهوة»،
يصف الكاتب الإعلامي هذا بأنه « تشوه». وهو محق. ولكن ما ذنب العمالة الوافدة؟
ألم يسمع الكاتب الإعلامي يوما بمبدأ «العرض والطلب»؟ النظام التربوي السعودي يخرج خاملين (يقلدون في الحقيقة الأمراء الحكام) وهو ما يدفع «السوق» لتستجلب عمالة. يحصل هذا في كل دول العالم.
إلا أن الكاتب الإعلامي يفضح نفسه ويكشف عن شخصيته حين يعترف بأنه لا يريد الانغلاق فهو يريد عمالة وافدة ويحرص على «الوافد المتعلم، الأستاذ والطبيب والمهندس والخبير»: إذا الفيل هو فقط الفقراء الذين ييحملون الشنطة ويقدمون القهوة للطالبات! يا للفوقية!
يقدم الكاتب الإعلامي التهاني لوزارة العمل السعودية التي تقود هذه الحملة لأنه «موقن بأن الهدف هو عودة السعودية اقتصاداً ومدناً ومجتمعاً إلى طبيعتها…حيث الأجانب أقلية وسط مجتمع أكبر متجانس». يقول «اليوم أكثر من ثلث سكان السعودية عابرون»، ولا يتردد الكاتب الإعلامي من التعبير عن غبطته حين يتساءل «فكم سترتاح هذه المدن وبنيتها التحتية المتهالكة لو اختفى هذا الثلث؟». يستعمل تعابير «نازية» حين يقول «سيختفي اقتصاد يعيش في ثنايا الاقتصاد السعودي هم يملكونه ويديرونه، مستوصفات ومطاعم ومتاجر أطعمة وملابس تخرج بإيراداتها البليونية في شكل تحويلات للخارج». عندئذ (يقول) «ستنصرف الدولة حينها للاهتمام بأبنائها ودفعهم للعمل وإحياء ثقافته بينهم». يعطي اكاتب الإعلامي مثالاً «إيرلندا» فهي برأيه «عاشت طفرة ولم تذهب للفيليبين وتستقدم عمالة من هناك»، في إيرلندا لو تكتب ما كتبت أيها الكاتب الإعلامي لكنت دخلت السجن بتهمة تأجيج العنصرية. ويستشهد أيضاً بأميركا «عندما ارتفعت كلفة العامل الأميركي، ذهبت المصانع الأميركية إلى الصين ولم يأتِ الصيني إلى أميركا» أين مصانع السعودية؟ هل تريد من الطالبات أن يذهبن إلى الصين لتعبئة كوب الشاي؟. لينهي الكاتب اإعلامي قائلاً «لنُخرج الفيل من بيتنا، حتى يستطيع بعضنا أن يستمع إلى بعض». نقول: يستمع البعض إلى البعض حين يتركون الواتسأب والفيسبوك والفيديو والتلفزيون… لنختصرها عندما يكف البعض عن النوم في النهار (حين يعمل الوافدون) والسهر في الليل (حين يرقد الوافدون بعد نهار مشقة وعمل).
سيدي الكاتب الإعلامي ماذا تريد؟ هل تريد «شحن» هؤلاء الوافدين الذين ساهموا بعرق جبينهم برفع وتنمية المملكة بعد أن استنزفتهم؟ لماذا لا تلتفت إلى النظام التربوي الذي «يفرز» هذه الشبيبة التي لا تعمل؟
اسمع يا سيدي الكاتب الإعلامي: حضر الوافدون لأن السعوديين لا يريدون العمل. يقبعون في الكسل، وليس وجودهم (كما تقول) هو الذي «علّمَ» السعوديين الكسل؟ فلا تقلب الموضوع وتجعله «علمياً» وتتشبه بالمثال الألماني عن الفيل في غير محله. الفيل هو النظام التربوي السعودي الداعم لاقتصاد ريعي هذا الفيل يجول في مخزن الشبيبة السعودية ويحطم الأواني. فابدأ به… فيتراجع عدد الوافدين من دون أي شوفينية. تذكر إنه «العرض والطلب».
لا يمكن بناء دولة سعودية حديثة على أسس ما تقترحه أيها الكاتب الإعلامي. البناء يتم إذا كانت الأسس صحيحة واضحة مبنية على نظام تربوي قويم وبعيداً عن الشوفينية.