ميدان التحرير يستكمل ثورته
يتحدث المحتجون في ميدان التحرير بقلب القاهرة بنبرة تحدٍ عن استكمال المهمة التي بدأوها عندما اطاحوا بالرئيس السابق حسني مبارك، بعدما تحول الاحباط الذي سببه أداء المجلس العسكري إلى غضب شديد. وتلخص لافتة كُتب عليها “مبارك… ارحل” حجم التغيير الضئيل الذي يشعرون به منذ شباط/ فبراير، ليؤكد المحتجون أن الوقت حان لاستكمال الثورة. وفي الشوارع المؤدية إلى الميدان، رمز الثورة المصرية، حيث يطالب المحتجون الآن بإنهاء حكم المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد بعد مبارك، تناثرت دماء المحتجين، فيما تعرض قادة الجيش المصري، الذين احتفي بهم في يوم من الأيام كأبطال الثورة التي أطاحت بمبارك، لإهانات في الأيام القليلة الماضية، حيث يرى البعض في حكمهم امتدادا لحكم مبارك. وحمل سامح محمد، وهو محام يبلغ من العمر 35 عاماً، لافتة كتب عليها “عفواً، النظام لم يسقط”، مشدداً على أن العنف نفسه والقمع نفسه. كذلك علّق المحتجون دمية للمشير طنطاوي، في تحدٍ أعاد إلى الاذهان الثورة التي استمرت 18 يوماً، حيث علقت من قبل دمية مشابهة لمبارك في الميدان. وقال تيمور أبو عز “الثورة الحقيقية تبدأ اليوم”، وذلك، رغم أن الأعداد التي تتوافد على التحرير ما زالت أقل من الاعداد التي أطاحت بمبارك. في خضم هذه الأجواء، ما زالت المرأة المصرية تبحث عن دور في الخريطة السياسية الجديدة لمصر. وعلى الرغم من أنها حصلت على حقوقها السياسية بشق الأنفس على مدى سنوات القرن العشرين، إلاّ أن مزيجاً فريداً من العرف الاجتماعي في بعض الحالات والقوانين الانتخابية، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار التي تمر بها مصر، يقف حائلاً فيما يبدو دون اضطلاع المرأة بدور حقيقي في تشكيل مستقبل البلاد. وتعتقد الدكتورة جورجيت قليني، العضو السابق في مجلس الشعب، أن نسبة المرأة في المجلس القادم ستكون محدودة جداً ولن تتجاوز نسبة اثنين بالمئة. وتعزو توقعاتها لعدة أسباب من بينها النظام الانتخابي الجديد وغياب تمثيل المرأة عن تفكير القائمين على السلطة حالياً، بالاضافة إلى الاوضاع الامنية التي لم تعد كسابق عهدها قبل ثورة 25 يناير. ورأت قليني أن المرأة المصرية أهدر حقها في الحصول على تمثيل فعال. وذكرت أمثلة لتجارب انتخابية في بعض الدول العربية قائلة: “في العراق فرضت القوانين المنظمة للانتخابات وجود امرأة بين كل أربعة مرشحين على القوائم. وفي فلسطين اشترطت قوانين الانتخابات أن تكون هناك مرشحة من بين الأسماء الثلاثة الأولى على كل قائمة انتخابية، أما في مصر فلا يوجد أي موقع محدد للمرأة بالقائمة الانتخابية”، وذلك في تبدل لوضع المرأة عن المكانة التي كانت تحظى بها انتخابياً ابان حكم مبارك، اذ منح نظام “الكوتة” أي “الحصة” في عهده 64 مقعداً للمرأة في مجلس الشعب عام 2010، من أصل 508 مقاعد، أي نحو 12 بالمئة، بخلاف حقها في التنافس على باقي المقاعد، لكن القوانين المنظمة لانتخابات 2011 ألغت هذا النظام ولم تضع له بديلاً. واكتفى القائمون على الانتخابات المصرية المقبلة باشتراط ادراج امرأة واحدة على الأقل في كل قائمة انتخابية بغض النظر عن عدد المرشحين بالقائمة. بدوره، يعتقد الدكتور وفيق الغيطاني، القيادي البارز في حزب الوفد ومسؤول ملف الانتخابات، أن المرأة لن تحصل في الانتخابات القادمة على أكثر من خمسة بالمئة من مقاعد البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى. وقال الغيطاني: “حاولنا بقدر الامكان ان نشجع المرأة على خوض الانتخابات وندعمها بقوة لكن البرلمان القادم لن تكون به نسبة كبيرة من النساء”. ويرى محللون أن الاحزاب الكبيرة ذات الشعبية الواسعة قدمت عدداً لا بأس به من المرشحات وذلك لأنها تتمتع بثقل في الشارع المصري ولها رصيد عند الناخب الذي سيصوت لصالح مرشح الحزب بغض النظر عن اسمه أو نوعه بعكس الأحزاب الجديدة التي تسعى لحصد أكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان الجديد، وبالتالي فهي تراهن على الشخصيات البارزة أو التي عرفها الشارع المصري في الأشهر الماضية من خلال الإعلام. واجتذبت الانتخابات هذه المرة نماذج لم تكن تشارك من قبل في العملية السياسية في مصر، إذ وجد الناخب المصري نفسه لأول مرة وجها لوجه أمام أول مرشحة منقّبة. وتخوض بهية محمد أحمد الانتخابات بصفة مستقلة وهو ما يجعل مهمتها أصعب، رغم اعلانها عن تلقي دعوات من عدة أحزاب حديثة التأسيس بالانضمام لها. ولا ترى بهية أن النقاب يشكل عائقاً أمامها في التواصل مع الناخبين، مشيرةً إلى أن الشعب المصري تعود على فكرة النقاب ولم تعد غريبة بالنسبة له. في المقابل، تخوض المعترك الانتخابي بعض الفنانات والإعلاميات اعتماداً على شعبيتهن المستمدة من الظهور على شاشات التلفزيون، لأن النسبة الأكبر منهن لم تشارك في أي انتخابات سابقة ولا ينتمين إلى أحزاب سياسية. ومن المرشحات في الانتخابات القادمة الممثلتان تيسير فهمي وهند عاكف والمذيعة جميلة اسماعيل. وسواء كانت المرشحات من عالم الفن أو من وراء نقاب فإن قضايا المرأة ظلت بعيدة عن البرامج السياسية المطروحة في الانتخابات، ولم يظهر أي اهتمام خاص بمشكلات الاحوال الشخصية أو قضية تولي المرأة للمناصب القيادية، وهي أمور أثارت كثيرا من الجدل في الاعوام القليلة الماضية.