مأزق اوباما
باريس – بسّام الطيارة
تبدو حدود تحرك الرئيس الأميركي باراك حسين اوباما محصورة بين تشدد الصقور خصوصاً الجمهوريين وبشكل بارز السناتور جون ماكين وبين استفتاءات الرأي العام الأميركي الذي لا يريد باي شكل من الاشكال التورط في المستنقع السوري. وبين هذين الحدين ينظر اوباما الى ثلاث معالم في ولايته الثانية … والأخيرة: ١- رغبته بفتح صفحة علاقات تعاون مع روسيا ٢- عدم ارتكاب خطأ في سوريا شبيه بخطأ سلفه جورج بوش ٣- ابقاء مسألة النووي الإيراني على رأس قائمة أولوياته. يضاف الى كل هذا أن الاميركيين متوافقين مع الروس ولو ظاهرياً تجاه الرأي العام على مسار حل سياسي ومرتبطين بموعدين لمتابعة هذا المسار الذي يدعو الجمع له. الاول في قمة مجموعة الثمانية حيث أعلن عن قمة ثنائية مع فلادمير بوتين، والثاني في ٢٥ هذا الشهر بين وزير خارجيته جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف لإكمال التحضيرات لمؤتمر جنيف العتيد. إذا أجرى أوباما في ضوء هذه المعطيات تلك النقلة النوعية وحول سياسته بنسبة تقارب الـ ١٨٠ درجة، فذلك لأسباب عدة.
أولاً لقد تغيرت المعطيات على الأرض بشكل جذري، منذ أن ساهمت قوات حزب الله في قلب الموازين. يقول ديبلوماسي أوروبي إن مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية في سوريا لها صدى مختلف في أميركا عنه في أوروبا. فالحزب على لائحة الإرهاب الأميركية وتعتبره السلطات الأميركية «العدو رقم واحد» في المنطقة. وفي مكان ما فإن السماح لحزب الله بتسجيل نقاط في تلك المعركة يقلب ميزان القوى في لبنان من جهة وفي المنطقة بالنسبة لصراع العربي الإسرائيلي من جهة ثانية، أضف إلى أن انتصار الأسد مدعوماً من حزب الله يؤثر مباشرة على موقع إيران التفاوضي في ملفها النووي.
قرار تسليح المعارضة السورية كان «ضرورياً» برأي أحد الديبلوماسيين «حتى لا يصل الى قمة مجموعة الثمانية وهو “في المايو”» حسب قوله، أي من دون أي أوراق تفاوضية مع بوتين، الذي يحمل في يديه عدة أوراق قوية من الـ S300 صواريخ بر-بحر الحديثة ؤؤضافة إلى شحنات الأسلحة التقليدية والتي تربطها موسكو بعقود قديمة يتم تنفيذها. ويقول خبير مطلع على هذا الملف بأن التطور السكري على اأرض أعطى بوتين أوراق قوية أخرى يمكنه أن يستغلها في التحضيرات التي تسبق جنيف ٢ في ١٥ تموز/يوليو المقبل.
ومن هنا جاء قرار أوباما بتسليح المعارضة بأسلحة تقليدية واتلويح بمنطقة حظر جوي في جنوب سوريا على الحدود الأردنية، في محاولة لإعادة نوع من التوازن قبل الجلوس عل طاولة اتفاوض.
ولكن لماذا جنوب سوريا وحول درعا بالتحديد؟ الأسباب كما أوضحها لـ«برس نت» الخبير العسكري وهي:
١) هي محاولة لتخفيف الضغط عن حلب عبر دفع الجيش السوري للحد من الحشود المتوجهة نحو الشمال وإلى حلب.
٢) في الجنوب لا توجد كتائب جبهة النصرة كما هو الحال في الشمال.
٣) تتجمع في الجانب السوري من الحدود مع الأردن القوات التي دربها الخبراء الأميركيون وبالتالي فإن الثقة موجودة بالنسبة للتسليح.
٤) بات الجولان في الشهر الماضي منطقة ارتفعت فيها حرارة الاشتباكات بين الجيش السوري والمعارضة وقد ساهم هذا باستنفار القوات الإسرائيلية التي هددت بإعادة احتلال المنطقة العازلة. وتواجد صواريخ باترويت وجنود مارينز (٤٨٠٠ جندي) يطمئن الدولة العبرية ويلجمها عن التدخل وما في ذلك من تعقيدات للحلفاء العرب.
٥) إن منطقة درعا قريبة جداً من دمشق ومن منطقة الزبداني حيث ينتظر أن تبدأ معركة لتطهير ريف دمشق.
٦) في كافة الأحوال وفي حال تقرر التدخل عسكرياً على الأرض فإن تواجد قوات في الأردن ينمكن أن يشكل مع القوات التركية ف يالشمال نوع من كماشة تقبض على الوسط السوري بما فيه العاصمة.
إلا أن اختيار الحدود الأردنية للدفع بتصعيد يطرح كماً من الأسئلة:
ما هو موقف الداخل الأردني من اقحام المملكة الهاشمية في الصراع؟ وما هو موقف الإخوان المسلمين الأردنيين؟، فهم رغم تأييدهم للثوار السوريين، لا يحبذون الاحتكاك مع الأميركيين.
ثم هل وضعت أربع بطاريات صواريخ باتريوت في الأردن لتشكيل شبكة دفاع عن المملكة من الصواريخ السورية أم لإقامة منطقة حظر جوي مقتصرة على درعا وريفها؟ في كلا الحالتين فإن موقف الأردن يبدو متردداً، وقد تكون خطوة محمد مرسي الرئيس المصري الذي طرد السفير السوري هي مؤشر للأردن بأن مصر موافقة على سيناريوات التصعيد التي اتخذها أوباما وفيها تشجيع للأردن بضرورة الابتعاد عن النأي بالنفس في الملف السوري.
إذا أوباما لن يصل إلى دبلن ضعيفاً كما تخوف سلفه بيل كلينتون الذي شجعه في هذا التوجه ولم يتردد من وصف ما كان سوف يكون لو لم يخطو خطوة التسليح قال كلينتون: الرئيس سوف يبدو وكأنه ابله كامل او على الاقل خانع جبان. ونتيجة لقاء بوتين أوباما سوف تقرر ما إذا كان جينف ٢ ما زال قابلاً للحياة أم أن أشهر الصيف حبلى بدورات عنف أقوى لتحديد ميزان قوى جديد.