أوباما لم ينجح في تليين موقف بوتين (تحليل)
في ختام اجتماع صعب شابه التوتر على مدى ساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما الذي بدت عليه الجدية تلطيف الأجواء بالحديث عن الرياضة المفضلة لكل منهما.
وقال الرئيس الأمريكي للصحفيين خلال قمة مجموعة الثماني بعد أن أدلى الرئيسان بتصريحات رسمية تؤكد مواقفهما المشتركة وتتفادى خلافاتهما الحادة بشأن كيفية إنهاء الأزمة السورية “في النهاية قارنا ملاحظاتنا عن خبرة الرئيس بوتين في الجودو ومهاراتي المتراجعة في كرة السلة.”
ومضى يقول “اتفقنا على أنه كلما يتقدم المرء في العمر يستغرق وقتا أطول ليتعافى.”
لكن بوتين الذي كان يطبق يديه خلال معظم المؤتمر الصحفي ويحدق في جدية لم يتجاوب. انتظر حتى ينتهي الجمهور من الضحك ثم ابتسم بفتور وقال “يريد الرئيس أن يبهجني بالحديث عن السن.”
لم يتوقع كثيرون حدوث اي انفراجة دبلوماسية من جراء الاجتماع الذي جرى في ايرلندا الشمالية بعد أقل من أسبوع من إعلان إدارة أوباما أنها ستقدم دعما عسكريا لمقاتلي المعارضة الذين يسعون للإطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد حليف موسكو.
لكن بوتين الذي كان متجهما وحادا وعصبيا ورافضا للفتات الودية التي تفرضها القمة التي عقدت على مدى يومين مع زعماء أغنى دول العالم بدا مستمتعا بعزلته بصورة إيجابية.
كان هذا بمثابة عرض ممتاز لرؤية بوتين للعالم التي تشكلت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وهي أنه لا مفر من أن تسعى الولايات المتحدة الى التواصل وأن على موسكو أن تتدخل دائما لإظهار حدود النفوذ الأمريكي.
نتيجة لهذا الموقف حظي الضابط السابق بالمخابرات الروسية (كيه.جي.بي) بالإشادة في الداخل حيث يحاول إعادة تأكيد سيطرته بعد احتجاجات وفي مواجهة اقتصاد متعثر.
وقال ديمتري ترينين المحلل السياسي بمركز كارنيجي موسكو البحثي “أعتقد أنه حصل على كل المكافآت في الداخل. رفع رأسه عاليا ونفذ ما وعد به وهو أن يكون حازما دون صدام.”
وقلل مسؤولون أمريكيون من أهمية ما حدث ووصفوا اجتماع بوتين مع أوباما بأنه “عملي” وأكدوا المواقف المشتركة في الحرب الأهلية الطائفية حيث يلتزم الآن الرئيسان بتسليح طرفي الصراع.
وقال بن رودس نائب مستشار الامن القومي بالبيت الأبيض “يريد كلانا رؤية نهاية للصراع. يريد كلانا رؤية الاستقرار. لا نريد أن يكتسب المتطرفون موطيء قدم.”
وأضاف “أعتقد أن الزعيمين بذلا جهدا اكبر من اللازم لإبراز أنهما يستطيعان العمل معا في هذه القضية… اذا كانا يستطيعان توضيح رسالة مفادها أن بينهما وجهات نظر مشتركة تتصل بتفاوض سياسي فإن هذا يبقي على احتمال أن يظل هذا المسار السياسي حيا.”
لكن حتى مبادرتهما المشتركة الوحيدة واجهت انتكاسة. واكد مصدر في القمة أن محادثات السلام السورية التي دعت لها موسكو وواشنطن الشهر الماضي كان من المفترض أن تعقد في يونيو حزيران ثم يوليو تموز ثم تأجلت الآن حتى اغسطس آب على الأقل.
ويعيد هذا التوتر بين بوتين وأوباما الوضع لما كان عليه منذ دعت إدارة أوباما بعد انتخابه للمرة الأولى الى “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا عام 2009 بعد خلاف بين خصمي الحرب الباردة بشأن حرب روسيا مع جورجيا حليفة الولايات المتحدة في عام 2008.
ووصف أوباما إعادة ضبط العلاقات بأنه من أبرز إنجازاته في السياسة الخارجية. وفي معرض هذه الجهود قدمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية آنذاك زرا كبيرا احمر اللون “لإعادة الضبط” وأخطأ مساعدو وزيرة الخارجية في ترجمة الكلمة وكتبوا على الزر بالروسية “حمولة زائدة”.
ووصل بوتين في الليلة السابقة للقمة وأبدى موقفه الذي لا يتغير في مؤتمر صحفي مع مضيفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
وأوضح بوتين جليا وجهة نظره وهي أن تسليح مقاتلي المعارضة السورية يعتبر طيشا حين ركز على واقعة حدثت الشهر الماضي وتم خلالها تصوير مقاتل من المعارضة وهو يأكل أمعاء عدوه.
وقال بينما كان كاميرون يقف الى جواره “لا يحتاج المرء الى دعم أناس لا يقتلون أعداءهم فحسب وإنما يشقون أجسادهم ويأكلون أمعاءهم امام الكاميرا.”
منذ البداية كان بوتين منعزلا في القمة.
واتهم رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر الرئيس الروسي بدعم “الشبيحة” وقال إن الازمة السورية ستناقش مع سبع قوى اخرى “زائد واحد” في اشارة الى روسيا.
ورد مستشار بوتين السياسي يوري اوشاكوف قائلا إن التصريحات الكندية تصدر “من موضع مراقب من الخارج.”
وعقب الاجتماع الثنائي مع أوباما ذهب بوتين للعشاء في نزل على شاطيء بحيرة لوخ ايرن حيث ناقش الزعماء الشأن السوري على مأدبة عشاء.
لكن بوتين لم يقبل اي إعلان رسمي يمكن ان يلمح الى أن الأسد سيرحل. ونجح في هذا فالإعلان الختامي عن سوريا لم يذكر حتى اسم الأسد.
كما دافع عن شحنات الاسلحة الروسية لسوريا ولمح الى أن بلاده قد ترسل المزيد وقال “نحن نورد الأسلحة بموجب عقود قانونية للحكومة الشرعية. وهي حكومة الرئيس الاسد. واذا كنا سنوقع عقودا من هذا النوع فإننا سنسلم” الأسلحة.
ومازال مسؤولون غربيون يرون أن تحالف موسكو مع الاسد ليس بالقوة التي تظهرها تصريحات بوتين.
وقال مسؤول غربي حاول التقليل من شأن الخلافات “لا تتوقعوا أن يهاتف بوتين دمشق ويقول انتهت اللعبة… تعمد الروس الا يربطوا أنفسهم به (الأسد) كفرد وأعطوا لأنفسهم دوما مساحة للمناورة.”
ولمح مسؤولون غربيون منذ شهور الى أن موسكو قد تتخلى قريبا عن الاسد لكنهم يجدون بوتين على موقفه أكثر من اي وقت مضى حتى حين تميل كفة الحرب لصالح مقاتلي المعارضة. والآن وبعد أن أصبحت لقوات الاسد اليد العليا على الصعيد الميداني في الاشهر القليلة الماضية فإنه لا توجد أسباب تذكر لتتخلى موسكو عنه.
ولدى بوتين سبب آخر ليتخذ موقفا اكثر صرامة في الخارج وهو حشد التأييد في الداخل في وقت يتعثر فيه الاقتصاد بدرجة تضر بموقفه.
وكتبت صحيفة فيدوموستي تقول “فلنترك المشاعر جانبا.. القمة مثلت نجاحا للدبلوماسية الروسية بأشكال عدة” مشيرة الى أن روسيا لم تقدم تنازلات وأن الغرب غير مستعد للتحرك بدون موافقة موسكو.