الأسير بعيون مناصريه: كان يقول ويفعل
بيروت- معمر عطوي
ما الذي جعل إمام مسجد صغير في إحدى ضواحي مدينة صيدا الجنوبية شخصية كاريزمية تتكلم باسم شريحة واسعة من اللبنانيين وتدّعي المطالبة بحقوقهم “المهضومة” فتجمع عدداً من المحازبين المستعدين للموت من أجلها وتقتحم قلوب جزء من الشعب اللبناني الذين تماهوا مع شعاراتها؟
هو أحمد الأسير الشيخ البسيط الذي يؤم المصلين في مسجد بلال بن رباح في عبرا، بدأ حياته عضواً في الجماعة الإسلامية وانتقل بعدها إلى أهل الدعوة، ليصبح في الأخير أقرب الى السلفية الجهادية في خطابه واستعراضاته العسكرية في لبنان وسوريا. صدّقه الكثيرون وآمنوا بشعاراته إما تعلقاً بشخصيته كرجل دين أو خضوعاً لإغراء مالي أو نكاية بالشيعة وحزب الله. لكن المسألة الأهم هو الشحن المذهبي الذي اصبح اليوم أكثر رواجاً لحشد النفوس.
يستغرب البعض كيف تحول الشيخ من “جماعة أهل الدعوة” الذين لا يتعاطون السياسة بل تقتصر حركتهم على الدعوة الى دين الإسلام “بالتي هي أحسن”، إلى شخص متشدد يضع نصب عينيه مقاتلة الشيعة ويشحن النفوس والهمم باتجاه تحقيق هذا الهدف، مستغلاً سلاح حزب الله المُعدّ لمقاومة العدو الاسرائيلي، من أجل اشعال حرب مذهبية لن ينجو منها أحد.
شحن بدأ بقصة غير صحيحة حول سلاح “لعبة صنعه الايرانيون يسبّ زوجة الرسول عائشة”، وانتهى بقضية أربع شقق في عبرا بالقرب من مربعه الأمني تعود الى شباب ينتمون الى حزب الله. مروراً طبعاً بمسجد أم المؤمنين عائشة في حارة صيدا “والذي لم يرخّص من قبل البلدية حتى الآن لأن رئيس البلدية شيعي ولا يحب عائشة”، حسبما يروي أحد أنصار الاسير.
أتباع “الشيخ المجاهد” لهم نظرة أخرى تختلف عن النظرة العقلانية التي ترى فيه مشروع فتنة قاتلة. ففي نظر أبو محمد، الذي رافق الشيخ الأسير مذ كانا سوياً في الجماعة الإسلامية، مروراً بالانضمام الى أهل الدعوة، هو “لسان أهل السنة في لبنان والمدافع عن حقوقهم”.
يقول أبو محمد إن الأسير رجل دعوة ولم يكن يتعاطى بالسياسة لكن “استفحال الأمور الذي بدأ منذ الاستبداد السوري بحق أهل السنة في لبنان وصولاً الى سيطرة حزب الله على كل مفاصل الدولة دفع الرجل للصراخ ضد الظلم، وخصوصاً بعدما وصلت الأزمة السورية الى مرحلة لا يمكن احتمالها حيث يقوم نظام علوي أقلوي بحكم الأكثرية بالحديد والنار، بينما العالم كله يتفرّج على مجازره”.
ويبرر أبو محمد هذا الـتأييد الشعبي للأسير بانه عائد الى كون “أهل السّنة في لبنان شعروا بالظلم والغبن، بينما يعيش الشيعة في ظل الدولة بوضع مريح ولا يُلاحَق المجرمون منهم كما يحدث مع اهل السنة”.
أما “الذي زاد الطين بلّه فهو دخول المشروع الإيراني بانشاء هلال شيعي من لبنان الى ايران عبر سوريا والعراق. هنا أصبحت المسألة أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. سيما أن حزب الله رفض تسليم السلاح للدولة وسيطر على الجيش وأجهزة الأمن وفوق ذلك ذهب الى سوريا ليقتل اخواننا هناك فقط لأنهم سنّة”.
يختم أبو محمد أن حركة الأسيرلاقت هذه الشعبية لأنها شعرت بوجود مؤامرة على السنّة فشعروا بالمهانة والإذلال.
أما الشاب الثلاثيني صلاح، فيلج الى الموضوع من قصة شقق عبرا، قائلاً “أنا من سكان عبرا ومن المصلّين خلف الشيخ أحمد منذ سنوات طويلة. أرى بعيني كيف يستفز حزب الله شباب المسجد بحمل السلاح أمامهم ومراقبتهم عبر كاميرات موجهة نحو المسجد وباحته من شرفات شققهم”.
يؤكد صلاح أن الأسير يقطن المنطقة منذ 16 عاماً بينما يقطنها اصحاب الشقق الحزبية منذ 12 عاماً، متسائلاً “هل يقبل حزب الله ان نضع كاميرات موجهه الى أي تجمع من تجمعاته في الضاحية؟”.
انطلاقاً من هذه الرؤية الازدواجية التي يرصدها صلاح في سياسة الدولة وفي سياسة حزب الله، قرر الانضمام الى جماعة ألأسير الذي لمفارقة التعبير يراه “مثل حسن نصرالله يقول ويفعل”.
يرفض صلاح وصفه الأسير بالسلفي، مؤكداً ان حركته “حركة دعوية فقط، لا علاقة لها بالتشكيلات السلفية في لبنان والخارج، لكن الشيخ كان يتشارو مع علماء المسلمين قبل أن يقوم باي تحرك”، طبعاً من دون معرفة ما اذا كانت المعركة الأخيرة والهجوم على الجيش قد تما بناءً على هذا التشاور.
لكن الشاب المُتحمس يشير الى “تمميز تجاهنا في الوظائف والمهن، وفي مراعاة الشيعة وسلاحهم على حسابنا. هذا ما يجعلني مقتنعاً بالقتال الى جانب الأسير الذي يسلبك تلابيب فؤادك بحديثه الجميل ويقنعك بمنطقه في الدفاع عن الظلم”، معتبراً ان القتال هو “الوسيلة الوحيدة للدفاع عن حقوقنا”.
ويلفت الى أن الأسير تحدث بالمنطق وسعى الى الحوار مع الأخرين من أجل وقف هذه الاستفزازات ووضع سلاح حزب الله بيد الدولة لكن لم يلق آذاناً صاغية.
ويؤكد أن الشيخ لا يتسلم أي دعم من الخارج، مشيراً الى حادثة تمت امامه في مسجد بلال حين حمل الشيخ شيكاً على بياض من أمير قطر حمد بن خليفة ومزقه أمام المصلين ليثبت انه لا يتلقى اي دعم من أحد.
لكن تحركات الأسير واعتصاماته ورواتب الشباب الذين يحملون السلاح معه والتي تبدأ من مبلغ 700 دولار أميركي، لا بد أن تثير تساؤلات حول مشروع الرجل الفتنوي. هذا الكلام يثيرامتعاض صلاح الذي يرد قائلاً: “الشيخ نظيف ولا يريد لنفسه شيئاً. نعم هناك بعض رجال الأعمال والتجار في صيدا ولبنان يتبرعون بالمال من أجله، كاشفاً أن “الداعمين الأساسيين للشيخ الأسير هم الملياردير نزيه العلايلي والمغني السابق الفلسطيني الحاصل على جنسية لبنانية فضل شاكر(محمد شمندور) ورجل الأعمال محمد الدادا”.
يصر صلاح على أن الشيخ يعبّر عن هواجس العديد من اللبنانيين، وخصوصاً السنّة منهم، وأن القتال هو السبيل الوحيد.
ربما أصبح الشاب الثلاثيني اليوم إما قتيلاً أو جريحاً أو معتقلاً. وفي كل الحالات خسر صلاح وظيفته وحياته من أجل شعارات دينكوشوتية صدّقها الكثيرون ودفعوا ثمن تصديقهم لها من حياتهم وعقولهم المُصادرة باسم المذهب والطائفة وافيون الشعوب.