“مجموعة الأزمات”: النظام السوري يأخذ العلويين رهينة
ضمن سلسلة من التقارير التي سبق أن أصدرتها مجموعة الأزمات الدولية حول الاحتجاجات في سوريا، أصدرت المجموعة تقريراً جديداً خلصت فيه إلى أن النظام السوري بات يأخد العلويين رهينة لديه، بعدما نجح في اثارة مخاوفهم، وتقليب المحتجين ضدهم، محذرةً من مخاطر هذه السياسات على مستقبل السلم الأهلي في سوريا، وخصوصاً امكانية ان تشهد البلاد مجازر ذات طابع مذهبي.
واعتبر التقرير، الذي حمل عنوان “مياه مجهولة: التفكير في ديناميات سوريا”، أن “الأزمة بلا شك دخلت المرحلة الأكثر خطورة حتى تاريخه”، متحدثاً عن خمس قضايا رئيسية تغيب عن النقاش العام، في مقدمتها مصير الطائفة العلوية؛ العلاقة بين سوريا ولبنان؛ طبيعة والآثار المترتبة على التدخل الدولي المتزايد؛ الأثر الطويل الأجل لتنامي تسليح حركة الاحتجاج، وإرث الانحلال الاجتماعي والاقتصادي والمؤسسي.
وأكد التقرير أن المرحلة الحالية محددة بمزيج متفجر من تصاعد الرهانات الاستراتيجية المربوط بزيادة في المنافسة الإقليمية والدولية على نطاق أوسع من جهة، والمواقف المشحونة عاطفياً، والاستقطاب الطائفي والتفاؤل السياسي من جهةٍ ثانية.
وبعدما أشار التقرير إلى أن الديناميات في سوريا وفي الساحة الدولية ضد النظام صراحةً، أوضح أن ردود الفعل تتراوح بين التحدي الهستيري من جانب أنصار النظام، والتفاؤل بين المتظاهرين من أن المأزق الدموي سينتهي في آخر المطاف، والمخاوف من الانتقام الطائفي وحتى الحرب الاهلية، وصولاً إلى التفكير بين أولئك الذين ينظرون إلى الأزمة وكأنها فرصة تاريخية لتحريك حاسم في ميزان القوى الاقليمي.
ووفقاً للتقرير، فإن المفقود حتى الآن بشكل شبه تام، هو تقييم واقعي للتحديات الناجمة عن هذه التحولات، وللخطر الحقيقي جداً بأن تتمكن هذه التحديات من تعطيل أو حتى منع إمكانية نجاح عملية الانتقال.
وفي ما يتعلق بالطائفة العلوية، أشار التقرير إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد حقق انجازين، الأول تمثل في “أخذ النظام، الأقلية العلوية رهينة، رابطاً مصيرها بمصيره، وأنه قام بذلك بشكل متعمد”. ووفقاً للتقرير فإن السلطات، وفي محاولة لزيادة المخاوف قامت بتوزيع السلاح واكياس من الرمل بهدف إقامة التحصينات على العلويين المقيمين في المناطق الريفية قبل بروز أي تهديد حسي، كما عمد النظام إلى تضخيم وحتى اختلاق قصص عن شعارات طائفية مزعومة من قبل المحتجين”.
ووفقاً للتقرير، مع الوقت فإن دور العلويين المشبوه في اخماد التظاهرات ونشر الدعاية، وتصدر التظاهرات الداعمة للنظام حولت المشاعر المناهضة للعلويين، التي كانت في الأساس كامنة ومكبوتة على نطاق واسع، إلى خطر حقيقي، ليكون بذلك “سلوك النظام تماثل مع الصور النمطية الأسوأ عن المناهضين للعلويين.
وحذر التقرير من أنه “بغض النظر عن انتهاء الوضع، فإن هناك اسباباً للخوف من أن القرى العلوية التي شارك سكانها بفعالية في اخماد التظاهرات، قد تشهد عقاباً على نطاق واسع”. كما لفت التقرير إلى أنه حتى القرى التي نأى سكانها بنفسهم عن المشاركة في اخماد التظاهرات لأسباب متعددة لن تكون محصنة من الصراع.
ولفت التقرير إلى أن “البعض يطرح أن الأسد سيُقتل وأن هذا الأمر سيدفع إلى انهيار سريع لما يتبقى من بنية السلطة، بما يفسح الطريق أمام انتقال سلمي للسلطة”، لافتاً إلى أن هناك أملاً ضئيلاً لسيناريو مماثل وأن مقتل الأسد سيقود إلى الرد العكسي”.
أما في ما يتعلق بتدويل الأزمة السورية، رأى التقرير أنه بالنظر إلى موقع سوريا الجغرافي ووزنها الاقليمي، فإنه “كلما عرضت سوريا لخطر التدخل الخارجي قبل أن يحصل الانتقال للسطة، كلما تزايد الاحتمال أن تصبح ساحة للتدخل الأجنبي بعد أن تحدث عملية الانتقال”.
كذلك، تطرق التقرير إلى تسليح المعارضة. وبعدما لفت إلى العناصر الأمنية ووكلائها هم عرضة لهجمات متزايدة، تحدث عن أن تخفيف القوات الأمنية لتواجدها في بعض المناطق مثل حمص وحماه، سمح للمعارضة المسلحة بتنظيم صفوفها أكثر، وهو الطريق الذي تسير عليه وفقاً للتقرير الأوضاع في دير الزور ودرعا.
وتناول التقرير التقارير الاعلامية التي تتطرق إلى المسلحين وحصرها بمهمة الدفاع عن النفس مدعومين من السكان، وعلى الرغم من اقراره بوجود شيء من الحقيقة في هذه الرواية، إلا أنه لفت إلى وجود قلق مستور مع تزايد الأدلة على انتشار الفوضى، والانتقام الطائفي، والأعمال الاجرامية وبشكل خاص في وسط سوريا.
أما بالنسبة إلى الجيش السوري الحر فوصفه التقرير بأنه “ورقة شاذة” أكثر منه كيان معروف، وتساءل عما اذا كان يشكل مظلة لجماعة مسلحة ذاتية التحرك والتي يمكن أن تتحول إلى ميليشيات غير منضبطة، او أنه يدمج المنشقين في هيكل هرمي ومنظم. كما أنه في حال صح الافتراض الأخير، فإن الأمر، يفرض من وجهة نظر التقرير، تساؤلات اضافية ترتبط بامكانية قبول قيادته برقابة سياسية، وفي هذه الحالة من المجلس الوطني أم أنه سيسعى للتصرف بشكل مستقل في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
وأخيراً تحدث التقرير عن فرضية تفتت الدولة السورية، ليشير إلى أن ممارسات النظام الخاطئة طوال السنوات الماضية، كما منذ اندلاع الأزمة، أدت إلى تآكل متعمد للدولة ومؤسساتها الاجتماعية. وأكد أنه حتى لو تم الافتراض أن حلاً سياسياً سريعاً سيتم ايجاه للأزمة، فإن أزمة اجتماعية – اقتصادية سيكون من شبه المؤكد أنها ستحتل الصدارة.
ولفت إلى ان الرؤية التي قدمها المجلس الوطني عن كيفية بناء الدولة السورية في حال سقوط النظام “وردية جداً”، وأن السوريين سيواجهون على الأرجح تحديات شاقة في اي مرحلة انتقالية أكثر من تلك التي واججها اقرانهم في مصر تونس وحتى ليبيا.
وخلص التقرير إلى التأكيد أن الأزمة الحالية ومستقبل التحول الانتقالي يطرح مخاطر حقيقية، فإن الوقت قد يكون لوساطة طرف ثالث للتفاوض على مرحلة انتقالية. كما تحدث عن ضرورة أن يقيم المجتمع الدولي خياراته جيداً تجاه الوضع في سوريا.
ورجح التقرير أن المفاوضات مع النظام لن تنجح. اما التهديدات بأي عمل العسكري فوصفه التقرير بأنه ساذج، ويؤدي إلى نتائج عكسية وغير مسؤول، كما قد يفضي إلى تداعيات اقليمية يتعلق أخطرها بلبنان.
كذلك تطرق إلى العقوبات الاقتصادية، مؤكداً أنه لا يوجد شك بتأثيرها الاقتصادي، فيما يبقى تأثيرها السياسي غير واضح، داعياً إلى عدم فرض مزيد من العقوبات قبل تقييم تأثيراتها الآنية وعلى المدى البعيد في ما يتعلق بانعكاسها على الاقتصاد السوري والتعافي الاجتماعي.
ومن بين الخيارات التي تحدث عنها التقرير، اعتماد قرار يدين سوريا في مجلس الأمن، معتبراً أنه خطوة مهمة لكنه صعبة في نفس الوقت، أخذاً بعين الاعتبار الموقفين الروسي والصيني.
كذلك دعا التقرير المجتمع الدولي إلى أن يجعل واضحاً للنظام ومعارضيه في آن واحد أن أي انتهاكات لحقوق الانسان وتحديداً جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية ستخصع للمحاسبة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.
كما أشار التقرير إلى أن الطائفة العلوية، بشكل او بآخر قد تحتاج إلى نوع من الحماية مماثلة لتلك التي يسعى المحتجون لتأمينها لأنفسهم، لافتاً إلى أن “مخاطر وقوع مجازر في اولى مراحل الانتقال خطر حقيقي”، كما تطرق إلى مصير مسؤولي النظام في حال سقوط النظام، مشيراً إلى أنه إلى جانب محاسبتهم لا بد من حمايتهم لان تكرار سيناريو معمر القذافي ومسؤوليه في سوريا سيكون كارثياً ولن يؤدي سوى إلى زيادة التوتر الاجتماعي.