المعونة الاجتماعية السوريّة تستثني فقراء المعارضة
دمشق ــ رغدة العزيزي
لم تكن اسرة أبو احمد من الأسر الفقيرة كما هي اليوم، حسب تصنيف المسح الاجتماعي الذي جرى عام 2009. إلا أن سوء الأحوال المناخية التي أصابت الجزيرة السورية جعلت أبو أحمد ضمن هذا التصنيف. ويقول “كنت صاحب أرض تعطي أفضل أنواع القطن، واليوم اصبحت متسولاً على أبواب صندوق المعونة الذي اعلن عنه الرئيس الأسد هذا العام بمرسوم تشريعي”.
المرسوم، الذي جاء بعد سنتين من الوعود في تحسين الأوضاع المعيشية، لم يسد رمق فقراء سوريا، او يعاملهم سواسية، رغم تزايد أعدادهم في السنوات العشر الاخيرة. فجموع الفقراء توافدت إلى مراكز تسلم المعونة المعلن عنها من وزارة الشؤون الاجتماعية للتأكد من استحقاقاهم لها. لكن تفاجأ الكثير منهم بطول قائمة الطلبات وغرابتها، والتي تبدأ بشهادة محو الامية، وجداول لقاح للأطفال ولا تنتهي بثبوتيات عدم انقطاع الأبناء عن مدارسهم، ما جعلهم يتخلون عن حقهم في الإعانة. عدا عن صدمة آخرين لم يجدوا اسماءهم ضمن القوائم، أو وضعوا ضمن فئة لم تنصفهم، كون المعونة قسمت حسب معايير لم يستطع أحد من المعنيين توضيحها، الى أربع شرائح، 250 دولاراً اميركياً، 100 دولار، 80 دولاراً، و40 دولاراً. تعطى لمرة واحدة كل اربعة اشهر.
أبو أحمد كان له وفرة في الحظ، حيث درج اسمه بين قوائم فقراء سوريا ومع ذلك تخلى عن مكرمة رئيس الجمهورية حسب قوله. ويضيف “أنا أب لستة أولاد كلهم في المدارس لم يصلني من مكرمة السيد الرئيس سوى ألفي ليرة سورية (40$) في الوقت الذي حصل فيه جاري على عشرة الاف ليرة سورية، رغم أنه يعيش وضعاً مادياً واجتماعياً وصحياً مماثلاً لوضعي، لكن ما يميزه عني أنه يملك “واسطة” جعلت فئته أعلى. ولم يثنيني هذا الأمر عن الاستمرار في إخراج الأوراق الثبوتية رغم أني دفعت قيمة المعونة كأجرة مواصلات لاستكمال شروطهم. إلا أن صدمتي بطلبهم المفاجئ بضرورة اتباعي وزوجتي دورة محو امية لمدة ستة اشهر، كوننا لا نتقن القراءة والكتابة، ما جعلني اتخلى عن حقي في المعونة”.
سيدة من مستحقي المعونة، قالت “اضطررت لترك أولادي في الصباح الباكر متوجهة إلى مقر البريد لأستلم المعونة المخصصة، لأفاجأ بطابور من الناس يتشاجرون على أحقية الدور، وبعد طول انتظار يرمي الموظف أوراقي ويخبرني بأنها ناقصة لشهادة محو الأمية، طلب لم يكن مدرجاً مع قائمة الطلبات عندما صنفنا كفقراء الشعب السوري، فأنا الأن مضطرة لترك أطفالي يومياً قاطعة آلاف الأمتار ومئات الحواجز الأمنية للخضوع لدورة محو الامية”.
جاء كلام السيدة عن ازدحام مراكز الإعانة، في الوقت الذي يصرح فيه وزير الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أنه تم إنشاء 63 مركزا لصرف المعونة، وبذلك يحصل الجميع على المستحقات دون ازدحام، متناسياً أن عدد المراكز لا يغطي بلداً تصل نسبة الفقر فيه إلى نحو ثلث عدد لسكان، حسب تقرير حكومي صدر عام 2005، فيما يقدّر مختصون أن النسبة تصل إلى 50%.
في جانب اخر، يشكو بعض أرباب الأسر بان الحكومة أجبرتهم “على تقديم أوراق تثبت أن أولادنا لم ينقطعوا عن المدرسة خلال فترة اندلاع الثورة السورية، وهذا دليل بالنسبة لهم على أننا لسنا من معارضة الشارع السوري، الذين قاطعوا الدوام في المدارس الحكومية كما فعل الكثيرين. وكأن عائلات المعارضين ليس لها الحق في خيرات البلد”.
ربما تصدق الحكومة السورية اشاعتها بأن المعارضين في سوريا يتلقون إمدادات خارجية، لذا هم لا يستحقون فتات موائد النظام، كما الشريحة الهشة المعدمة حسب توصيف الحكومة لها. الا ان الكثير من ابناء هذه الشريحة الاجتماعية لم يحالفهم الحظ ويشملهم الصندوق برعايته.
يقول احد المواطنين، ممن لم يحسبوا في قائمة فقراء سوريا، “رغم ان شروط الفقر التي وضعتها الحكومة تنطبق علي حرفياً الا انها لم تعتبرني كذلك، ربما كوني فقيراً بلا واسطة، ما اضطرني إلى تقديم كتاب توسّل لأن تمنحني الحكومة اللقب وأكون أحد فقراء البلاد”.
وعند توجهنا لأحد المسؤولين في الصندوق، رفض ذكر اسمه، ليبرر عدم قدرة الصندوق على إعالة كل فقراء سوريا بشكل حقيقي، قال “إن الصندوق من شأنه تحسين الوضع المعيشي للأسر على المدى المتوسط والطويل وبالتالي فإن هذه المعونات المباشرة ذات صفة إسعافية لا يمكن أن تكون بمستوى راتب لإعالة أسرة، كما لا تعتبر بديلاً عن أي شكل من أشكال تقديم الدعم المقدمة سابقاً. وإنما إعانة لسد الاحتياجات الأساسية للمستفيدين من الصندوق لهذا العام”.
لا ندري كيفان لمبلغ 2000 ليرة سورية (40$) تصرف كل أربعة اشهر أن تمتلك القدرة على سد الاحتياجات الأساسية لعائلة مؤلفة من ستة اشخاص، أو تعيلها على المدى البعيد وهي تحمل، كما ذكر المسؤول، صفة إسعافيه ليس الا. والجدير بالذكر ان الحكومة السورية لم تقدم أي معونات عينية ترفع فيها قهر الفقر عن اصحابه. وقد يكون تأسيس الصندوق الوطني للمعونة سابقة في هذا المجال، لكن كثيرين اسموها حالة تسول وان مراكز الصندوق ليست اكثر من مراكز للتسول لا غير.
انطلاقا من احترامي لهذا الموقع اقترح ان ينشر رأي مسؤول او وزير سوري حول هذا المرضوع وفي حال تمنع المسؤول يذكر ذلك في المقال حتى يكتسب موضوعية ويصلح للاستناد اليه. اما في هذا الشكل فان المقال يصنف من ضمن التعبئة الاعلامية ضد النظام السوري لا اكثر ولا اقل. ولا يعتد به .
تاريخ نشر التعليق: 2011/11/28اُكتب تعليقك (Your comment):