الرئيسية » رأي » معمر عطوي »

محنة الإخوان المسلمين

attwi 2013معمر عطوي
لا يمكن اختصار الأزمة المصرية بالحديث عن «انقلاب عسكري» على «الشرعية» كما لا يمكن أن يتوقف الأمر كما يقتنع معارضو مرسي بان السبب هو «السعي لأسلمة الدولة»، فالحيثيات التي يتضمنها ملف القضية منذ حلول محمد مرسي في قصر الاتحادية قبل نحو سنة، تحمل أكثر من تفسير وتأويل بما يصب في مصلحة التحليل القائل «الهدف زرع الفوضى في أرض الكنانة».
منذ العام 1928 تاريخ نشوء الإخوان المسلمين على يد الداعية الشيخ حسن البنا، والجماعة تسعى للوصول الى السلطة، رغم ما روّجه مرشدها الثاني بعد البنا، الشيخ حسن الهضيبي (1949 – 1973)، في كتابه «دعاة لا قضاة»عن هدف الدعوة وعدم التدخل في أمور المجتمع.
ورغم ما كان يتسرّب عن مجالس الإخوان من أنهم يفضّلون العمل التربوي على العمل السياسي ريثما تنضج الأمور،
لعبت الجماعة أدواراً سياسية تماهت تماماً مع مقولة البنا  بأنهم «ليسوا مجرد جماعة دعوية دينية فقط ولكنهم أيضاً هيئة سياسية نتيجة لفهمهم العام للإسلام، وأن مشاركتهم السياسية تأتي من منطلق الإصلاح في الأمة وتطبيق تعاليم الإسلام وأحكامه».
وربما كانت ذروة التصعيد مع السلطة الملكية في مصر عام 1948 مع اغتيال رئيس الوزراء محمود النقراشي، الذي لاحق عناصرها وأعضائها العائدين من القتال ضد الصهاينة في فلسطين بتهمة «التحريض والعمل ضد أمن الدولة».
يبدو أن الجماعة الإسلامية قد دخلت في منعطفات عسيرة قبل مخاضها الأخير الذي ساقها إلى كرسي الحكم بعد نحو ما يقرب من قرن من التخبط والسجون والحظر السياسي والإعلامي والملاحقات الأمنية، سيما بعد حادثة المنشية التي حاول خلالها عناصر من الإخوان اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر. مع العلم أن قيادة الجماعة قد ساعدت الضباط الأحرار عام 1952 في الانقلاب على الملك فاروق(1920-1965) عبر الضابط انور السادات الرئيس الراحل الذي أرسى أول علاقات دبلوماسية مع العدو الاسرائيلي.
لعل أول المنعطفات الفكرية كانت مع سيد قطب ابراهيم حسين الشاذلي ( 1906 ـ 1966)، الذي سُجن ثم اعدِم على ايدي السلطات في عهد عبد الناصر. قطب الذي تحول من أديب مرهف الحس الى منظّر متشدد أرسى للجماعة فكراً جديداً نسخ معظم ما جاء به الشيخ البنا من أفكار مرحلية للتغيير نحو الدولة الإسلامية، مختصراً القضية بمجتمع سلم ومجتمع حرب، (مسلمون وكفار) وسمى مجتمع كل من لا ينتمي الى الإخوان وفكرهم السياسي بالمجتمع الجاهلي، فكان فكر  قطب فكر سجون في الواقع شكل ردة فعل على استبداد النظام في تعامله مع التيارات المعارضة.
لكن السؤال الأهم هو لماذا حاول الإخوان اغتيال رئيس قومي عربي وزّع الأراضي على الفقراء وأمّم قناة السويس وحمل لواء محاربة العدو الصهيوني ودعم فصائل الثورة الفلسطينية وتمتع بشعبية كبيرة ليس فقط على مصر بل على مستوى العالم العربي؟
من دون الدخول في أتون الجدل حول أسبقية البيضة على الدجاجة أو العكس، ظهر سؤال آخر حول علاقة السادات بالإخوان خلال فترة حكمه واستخدامهم في حربه ضد اليسار والشيوعيين، علماً أن الرئيس الراحل كان أول رئيس عربي يقوم بتوقيع اتفاقية تسوية مُذلة مع العدو التاريخي للأمة، وأول رئيس عربي يخطب في الكنيست الاسرائيلي، فكيف يمكن جماعة تقوم دعائمها على الجهاد من أجل تحرير فلسطين على موالاة رئيس خائن للأمة بحجة مقاتلة الشيوعيين؟ الواضح أنهم كانوا وقود حرب باردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي آنذاك. كما تحولوا اليوم الى وقود حرب باردة أخرى بين أميركا وإيران.
الواضح أن الإخوان لم يكونوا تنظيماً جهادياً لا ضد الحاكم الخائن ولا ضد اسرائيل، هذا ما تبين بعدما ظهر ان قاتل السادات خالد الاسلامبولي، كان عضواً في مجموعة انشقت عن الإخوان تحت إسم «منظمة الجهاد الاسلامي»، في عملية اعتراض واضح على نهج الاخوان السلمي والتربوي. أمر تكرر في فلسطين مع حركة الجهاد الاسلامي التي انشقت عن حركة الاخوان المسلمين (حماس لاحقاً) وتصدرت العمليات العسكرية ضد جيش العدو، بينما كان الاخوان يركزون على التربية.
رغم كل ما عانته الجماعة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك من حظر لحزبها السياسي ونشاطها الاعلامي وملاحقات طالت قياداتها عند كل استحقاق انتخابي للحد من حضورها الشعبي والسياسي، حافظ الاخوان المسلمون على تقدّمهم في المشهد السياسي لدرجة أنهم استطاعوا مصادرة ثورة 25 يناير من أصحابها غير المؤدلجين، وذلك في صناديق الانتخاب.
ووصل محمد مرسي أول رئيس إخواني في تاريخ مصر الى السلطة في 30 حزيران 2012، بمباركة أميركية معطياً ضمانات لاسرائيل بالحفاظ على معاهدة كمب ديفد المشؤومة، وبادئاً عهده برسالة بروتوكولية الى نظيره الصهيوني شمعون بيريز مذيلاً إياها بالصديق المخلص.
الأنكى من ذلك أن الرئيس الإسلامي الذي وعد شعبه بأنه لن يطعمه من أموال الربا، قد بدأ عهده بالتفاوض مع البنك الدولي حول قرض يصل الى 5 مليارات دولار أميركي، مطمئناً الدوائر المالية والسياسية الأجنبية بأنه سيعتمد نظاماً اقتصادياً ليبرالياً جديداً يناسب السياسة الرأسمالية القائمة على الريوع والمضاربة والتي تهمل العامل الانتاجي. وهنا بيت القصيد.
وكان يمكن لسي مرسي الاحتفاظ بشعبيته وحضوره فيما لو لم يُصاب بلوثة الإسلاميين الأتراك، الذين روجوا لنموذجهم داخل حركات الاسلام السياسي «الإخونجية» في العالم العربي، فبات كل حزب اخواني يحمل في إسمه كلمة «عدالة» تيمناً بحزب العدالة والتنمية التركي.
وظن مرسي وجماعته أنهم قادرون على فعل ما قام بها إسلاميو تركيا من اختراق لمؤسسات الدولة والحد من سلطة الجيش والسيطرة على الدولة العميقة. وظنوا ان ما قام به الأتراك منذ عدنان مندريس في الستينات من القرن الماضي مروراً بنجم الدين أربكان وحزبه (الرفاه) وصولاً الى رجب طيب اردوغان، اي خلال ستين سنة، يستطيعون في مصر انجازه خلال سنة!
هكذا خسر الإخوان الشارع الذي لا يهمه تحكيم الشريعة ولا سيطرة الإسلام السياسي على مفاصل الدولة ولا محاربة سوريا وإيران، ولا المزايدة على الشيعة بخطاب ساذج (في طهران) يشبه خطابات أئمة المساجد بدل خطابات رؤساء الدول.
الرئيس الذي لم يستطع ضبط يده تعبث بعضوه الذكري خلال استقباله  رئيسة وزراء استراليا جوليا جيلار، جنى على نفسه كما جنت على نفسها براقش، بتصديق واشنطن ووكيلتيها قطر وتركيا بأنها تدعم الإخوان في المنطقة العربية ضد المد الايراني والشيعي، فأتم محنة الإخوان المسلمين في آخر فصل من فصولها في السلطة ووضع مصر على حافة الهاوية باسم «الشرعية».

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings