هل صحيح أن ٣٠ مليون مصري طالبوا بعزل مرسي؟
قامت محطة الـ «بي بي سي» بتحليل حول «مليونيات» مصر التي استعملها الجيش المصري للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي بانقلاب لا يقول اسمه ففي حين زعم بأن مصر شهدت في الثلاثين من حزيران/يونيو ومطلع الشهر الجاري الاحتجاجات الأكبر في التاريخ. وبالفعل فقد كانت المظاهرات المعارضة للرئيس المصري المعزول استعراضا ضخما للحشود الشعبية، ويتسائل التحليل ما إذا كانت هذه الحشود ضخمة بالدرجة التي أوردتها بعض التقارير؟ وكيف يمكن التثبت من تقديرات أعداد المشاركين؟
٣٠ مليون ؟
نزل المتظاهرون المعارضون لمحمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا، في شوارع القاهرة ومحافظات أخرى بأعداد غفيرة قبل أن يتدخل الجيش ويطيح به من سدة الحكم في 3 يوليو/ تموز. وذكر البعض أن أعداد المحتجين بلغت 30 مليون شخص. لكن وير ديفيز، مراسل شؤون الشرق الأوسط في بي بي سي، يقول “أعتقد أن هذه مبالغة كبيرة”. ويضيف ديفيز “لا أعتقد أنها كانت أكبر مما حدث عام 2011 عندما حدثت ثورة. ميدان التحرير يمتلئ بنصف مليون شخص، ولذا يستحيل الزعم بأن هناك مظاهرة ضخمة في ميدان التحرير وأن الملايين احتشدوا داخل الميدان.”
٤٥ في المئة من سكان مصر !
ومضى قائلا “أعتقد أن الملايين تظاهرون هذه المرة ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين. لكن الحشود لم تبلغ 30 أو 40 مليون شخص كما يتحدث البعض، إذ أن هذا الرقم يمثل 45 في المئة من السكان، وهذا مستحيل.” ويبدو أن ديفيز على حق، فحوالي خمس سكان مصر أطفال دون العاشرة.
ولذا، من أين جاء رقم ٣٠ مليون؟ في الواقع، من الصعب العثور على مصدر هذا الرقم أو أي تقديرات أخرى بهذا الصدد.
تلاعب بالأرقام
ويقول كريس غرينواي، من قسم المتابعة في بي بي سي إن “وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أوردت أن وزارة الداخلية نفت تقديمها أي تقديرات عن أعداد المتظاهرين، ومن ثم لا يبدو أنها الجهة التي ذكرت هذه التقديرات.” ويشير غرينواي إلى أن وكالة رويترز للأنباء “نقلت عن مصدر عسكري لم تسمه أن أعداد المتظاهرين في تلك الليلة بلغوا 14 مليون شخص، وبعد ذلك توالت تقارير عن أن تقدير الأعداد بلغ 33 مليون.”
انقلاب عسكري
ويقول ديفيز إن ثمة حالة من التلاعب بالأرقام حيث يزعم كل طرف أنه يحظى بدعم شعبي. ويضيف “ما شهدناه الشهر الجاري هو انقلاب عسكري –لا يمكن تفسير الأمر بصورة أخرى. التفسير الوحيد المنطقي هو أنه انقلاب عسكري يحظى بدعم شعبي، ولذا من مصلحة المواطنين الذين دعموا الإطاحة بالرئيس أن يقولوا إن هذه الملايين تدعمهم.” ويشير ديفيز إلى أنه منذ الإطاحة بالرئيس مرسي من سدة الحكم، يزعم المؤيدون والمعارضون تنامي أعداد مناصريهم في الشارع.
الكثافة العددية
وتقول هانا فراي، المتخصصة في الرياضيات بجامعة يونيفرستي كوليدج في لندن إن “من النادر جدا أن تجد تقديرا لأي حشد دون مبالغة. ” ويدعم الاستاذ بول ييب، من جامعة هونغ كونغ هذا الرأي، قائلا إنه حتى عندما لا توجد أجندة سياسية وراء الفعالية تفاجئ بأن تقديرات الحشود تكون متفاوتة نوعا ما.
تفاوتت تقديرات أعداد من شهدوا حفل زفاف الأمير وليام وكيت ميدلتون. ويستشهد بتقديرات أعداد من شهدوا حفل زفاف الأمير وليام وكيت ميدلتون حيث تراوحت بين 500 ألف ومليون شخص.
وتوجد وسائل متنوعة لتقدير أعداد الحشود، لكن لا يعطي أي منها رقما دقيقا.
وثمة وسيلة سهلة لتقدير حجم الحشد من خلال التقاط صورة عبر القمر الصناعي للحشد ورسم شبكة تحيط بالحشد، وبعد ذلك يمكن إحصاء عدد الأشخاص داخل مربع واحد بالشبكة عبر تقدير الكثافة العددية وضرب الرقم في العدد الإجمالي للمربعات.
لكن حدود الحشد قد لا تكون واضحة. كما أن الناس لا يتوزعون في المكان بصورة ثابتة، ولذا من الصعب الحصول على تقدير دقيق للكثافة العديدة في وحدة ما. وعليه فإن تقدير الأعداد يعتمد أكثر على التخمين، بحسب ما يقول ييب.
حشد متحرك
وإحصاء حشد متحرك يمثل تحديا أكبر. ويقول ييب إنه في بعض الأحيان يجرى استطلاع بعد الفعالية لكن لا يمكن الثقة بشكل كبير في ما يذكره المشاركون.
ويمكن تقدير الأعداد من خلال إحصاء عدد الأفراد الذين يتحركون عبر نقطة محددة في مسار تحرك الحشد، لكن كيف يمكن إحصاء عدد الأشخاص الذين قد ينضموا إليه لاحقا؟
ومنذ عشرة أعوام، يرصد ييب أعداد المشاركين في الفعاليات السنوية في الأول من تموز/يوليو في هونغ كونغ، وهي ذكرى تسليم السيادة من بريطانيا إلى الصين. ويفضل ييب أن يحصي أعداد المشاركين في نقطتين، ويسأل الأشخاص الذين يمرون بالنقطة الثانية عما إذا كانوا عبروا من خلال النقطة الأولى. وبهذه الصورة يقلل من مشكلة تكرار العدد.
مبالغات
ويقول إنه لاحظ على مدار الأعوام العشر الماضية أن تقديرات المنظمين والشرطة تتفاوت بشكل أكبر. وفي العام الجاري قالت الشرطة إن أعداد المشاركين بلغ 66 ألف شخص، بينما قال منظمو الفعالية إن الأعداد بلغت 420 ألف. لكن ييب قدر المشاركين بمئة ألف. ويرى أن المنظمين يميلون إلى المبالغة في الأعداد، لكن هذا يضر بالقضية التي خرجوا من أجلها.
ويقول إن حشدا من مئة ألف شخص في الشارع يبعث برسالة قوية إلى حكومة هونغ كونغ مفادها أن المواطنين يريدون تغييرا. ويضيف “لكن ما يحدث أن التقديرات الضخمة التي يذكرها المنظمون تجعل الناس غير سعداء ولا يشعرون بالراحة. ولذا فقد أصبح التقدير ذاته سلبيا بالنسبة للمنظمين.”
ويقول إن إحصاء الأرقام أصبح مرتبطا أكثر بالدعاية وتسجيل النقاط وليس الهدف منه الوصول إلى الحقيقة.