تحفظات فلسطينية على قبول عودة المفاوضات
أسس استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يزيد حدة التشاؤم بشأن إمكانية تحقيق اختراق جدي لحل الصراع الممتد بينهما منذ عقود.
وجاء الإعلان عن الاتفاق على أسس المفاوضات بهدف استئنافها، في الجولة السادسة لكيري في المنطقة وبعد أربعة شهور من بدء جهوده على أن تقتصر اللقاءات الفلسطينية-الإسرائيلية في المرحلة الأولى على مفاوضين من الجانبين.
وقال كيري في مؤتمر صحفي عقده في عمان قبل مغادرته المنطقة الجمعة إن الاتفاق مازال في مرحلة بلورته وأن طاقمي التفاوض الإسرائيلي برئاسة وزيرة العدل تسيبي ليفني، والفلسطيني برئاسة صائب عريقات سيصلان واشنطن الأسبوع المقبل لإجراء مباحثات.
تحفظات فلسطينية
ركز كيري في جولته الأخيرة قبل إعلان استئناف المفاوضات على عقد ثلاثة اجتماعات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيما اكتفى بالاتصال هاتفيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
واعترضت القيادة الفلسطينية خلال اجتماعها الخميس الماضي، على خطة كيري لعدم تضمنها التزاما إسرائيليا بالحدود المحتلة عام 1967 ووقف البناء الاستيطاني قبل استئناف المفاوضات.
واستدعى ذلك توجه كيري إلى رام الله للاجتماع مع عباس وتقديم تطمينات له تتعلق بمرجعية المفاوضات ودعم الإدارة الأمريكية لحل الدولتين على الحدود المحتلة عام 1967، ما سمح له لاحقا بالإعلان عن استئناف المفاوضات.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الموافقة الفلسطينية على المفاوضات تعد “مبدئية” بانتظار حسم القضايا العالقة الخاصة بمرجعية المفاوضات.
وأضاف مجدلاني ” نحن من حيث المبدأ مع استئناف المفاوضات، لكن هناك قضايا تحتاج لتوضيح فيما يتصل بمرجعية المفاوضات وبناء على هذا التوضيح سيتم الدعوة للقاء في واشنطن”.
وإلى جانب تأكيده على التحفظات الفلسطينية أعرب مجدلاني، عن تشاؤم شديد إزاء إمكانية نجاح المفاوضات عند إطلاقها “لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست شريكة للسلام ولا ترغب به”.
ولطالما طالب الفلسطينيون بوقف الاستيطان الإسرائيلي بشكل تام والتزام المسبق بحدود ما قبل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في يونيو 1967، كشرط للعودة إلى المفاوضات، التي توقفت مطلع أكتوبر 2010 بعد أربعة أسابيع من إطلاقها برعاية أمريكية بسبب البناء الاستيطاني الإسرائيلي..
إلا أن إسرائيل ظلت ترفض هذه المطالب وتمسكت حتى اللحظة الأخيرة من جهود كيري بالدعوة لاستئناف المفاوضات المباشرة من دون “شروط مسبقة”.
وقال وزير الشؤون الإستراتيجية والاستخبارية في الحكومة الإسرائيلية يوفال شتاينتس، إن تفاهمات استئناف المفاوضات لا تتعارض مع الثوابت التفاوضية لإسرائيل متمثلة برفض تجميد الاستيطان، وعدم استباق التفاوض بأي بيان حول قضية الحدود.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن شتاينتس، أن الفلسطينيين تعهدوا بدورهم بإجراء مفاوضات جدية خلال تسعة أشهر وعدم التحرك ضد إسرائيل في الساحة الدولية خلال هذه الفترة.
غير أن الوزير الإسرائيلي اعتبر أن عباس “لا يتلهف لاستئناف المفاوضات بل وافق على ذلك غصبا عنه ، وأشكك بقدرته على تقديم بعض التنازلات المطلوبة من الجانب الفلسطيني لغرض إنجاز الاتفاق”.
إدارة للصراع
ويرى رئيس مؤسسة الدراسات الديمقراطية في رام الله جورج جقمان، أن التحفظات الفلسطينية مثلت مجرد موقف إعلامي مقابل الإعلان الأمريكي الصريح ببدء المفاوضات بداية من الأسبوع المقبل.
وبناء على المداولات والمواقف التي سبقت استئناف المفاوضات يرى جقمان، أن المفاوضات المرتقبة لن تتعدى محاولة تعبئة الفراغ السياسي نظرا لمخاطر تحوله عاجلا أم أجلا إلى صراع ميداني.
ويعتبر جقمان، في تصريح ل(شينخوا)، أن الجهود الأمريكية المكثفة لاستئناف المفاوضات تستهدف إدارة الصراع وليس حله، متوقعا أن يتخلل اللقاءات الفلسطينية- الإسرائيلية العديد من العثرات دون أن تخرج بنتائج جدية لتحقيق السلام المنشود.
وكان كيري سعى خلال جولاته المتكررة في المنطقة إلى زرع بذور الثقة بين الفلسطينيين وإسرائيل وحث قادة الجانبين على اتخاذ قرارات شجاعة وهامة تجاه إحلال السلام في المنطقة.
وأعلن مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون أن استئناف المفاوضات تضمن تفاهمات للإفراج عن 350 أسيرا فلسطينيا على أن يطلق سراحهم على عدة دفعات.
كما روج كيري لخطة اقتصادية ضخمة تستهدف إنعاش الاقتصاد الفلسطيني من خلال سلسلة مشاريع استثمارية أعلن أن قيمتها سوف تصل إلى 4 مليارات دولار، لكنها لم تلق حماسة الفلسطينيين بغرض العودة للمفاوضات.
ويقول الفلسطينيون إن أية خطوات اقتصادية مهما بلغت لن يكون لها أي أثر طالما استمر التعثر الحاصل على المسار السياسي خصوصا أمام استمرار تبدد فرص تحقيق حل الدولتين وبالتالي إقامة دولة مستقلة لهم.
وتبدو تجربة عملية السلام مع إسرائيل مريرة بالنسبة للفلسطينيين بالنظر إلى استمرار المفاوضات طوال 20 عاما منذ توقيع اتفاق أوسلو للسلام المرحلي دون توصل لاتفاق نهائي.
انعدام البدائل الفلسطينية
ورغم خيبة الأمل من تجربة المفاوضات ورفض إسرائيل المطالب الفلسطينية بشأن الالتزام بالحدود المحتلة عام 1967 فإن القيادة الفلسطينية تبدو لا تمتلك بدائل مرحلية سوى التجاوب مع جهود كيري، وفق ما يرى المندوب الفلسطيني السابق لدى الجامعة العربية والقيادي في حركة (فتح) نبيل عمرو.
وقال عمرو ل(شينخوا) إن “كثافة الضغوط الأمريكية واستحالة البقاء خارج اللعبة السياسية وتطورات الأوضاع في الدول العربية دفعت للعودة الفلسطينية للمفاوضات حتى لو كلف الأمر التخلي عن الشروط المرفوعة سابقا”.
وشدد عمرو على أن فرص نجاح المفاوضات في المرحلة المقبلة سيتوقف على كيفية الإدارة الأمريكية للعملية السياسية خاصة ما يتعلق بمدى الضغط الذي ستمارسه على الحكومة الإسرائيلية.
ويشاطره الرأي الكاتب والمحلل السياسي سميح شبيب، معتبرا أن المسألة باتت مرهونة بمواقف إسرائيل التي لم تقدم أي جديد على صعيد قضايا الاستيطان والحدود، ما يعني أن الأمور ستبقى في حال جمود ومراوحة في المكان.
ورأى شبيب أن المسؤولية الآن ملقاة على كاهل كيري والولايات المتحدة وكذلك على كاهل النظام العربي، ممثلا بلجنة متابعة مبادرة السلام العربية “إذ لا بد من ممارسة ضغط مباشر على إسرائيل خاصة من لدن الولايات المتحدة لإنجاح المفاوضات “.