الاقتصاد المصري بين تفاول وتشاؤم
يرى محللون اقتصاديون، ان المساعدات الخليجية لمصر كفيلة بتمكين القاهرة من تجاوز المرحلة الانتقالية القصيرة التى بدأت عقب عزل الرئيس محمد مرسي دون ازمات اقتصادية، فى حين اعتبرها اخرون مجرد مسكنات لن تعالج المرض الحقيقي للاقتصاد.
واختلف المحللون حول حاجة مصر للقرض الذى سبق ان طلبته من صندوق النقد الدولي حيث اكد بعضهم ان المساعدات الخليجية تغنى القاهرة عن هذا القرض الذى عده فريق اخر ضروريا باعتباره شهادة على ان الاقتصاد يتعافى.
وحصلت مصر قبل يومين على ثلاثة مليارات دولار من دولة الامارات منها مليار دولار منحة لدعم الموازنة العامة ومليارا دولار وديعة بالبنك المركزي لمدة خمس سنوات بدون فوائد.
وتأتى هذه المساعدات فى اطار حزمة معونات اعلنتها السعودية والكويت والامارات بشكل منفرد لمساعدة مصر التى يعاني اقتصادها من وضع صعب كان يتوقع ان يحتدم مع توتر الوضع السياسي فى البلاد اثر عزل الرئيس مرسي. وأعلنت الكويت قبل ايام انها ستقدم مساعدات عاجلة الى القاهرة بقيمة اربعة مليارات دولار ، منها منحة مليار دولار، ووديعة بملياري دولار، ومشتقات نفطية بمليار دولار، بينما اعلنت السعودية انها ستقدم مساعدات بخمسة مليارات دولار موزعة بين مليار دولار منحه نقدية، ومليارين منحة عينية تتمثل فى منتجات بترولية وغاز، وملياري دولار وديعة لدى البنك المركزي بدون فوائد.
ويصل اجمالي المساعدات المرتقبة من الدول الثلاثة الى 12 مليار دولار هى ثلاثة مليارات دولار منح لا ترد، ومثلها فى شكل مشتقات بترولية، وستة مليارات كودائع. وقال محافظ البنك المركزي هشام رامز، إن السعودية سوف تحول ملياري دولار وديعة لدى البنك خلال ايام قليلة من اجمالي المساعدات التى تعهدت بها، وذلك فى تصريحات بثها الموقع الالكتروني لصحيفة (اليوم السابع). واعتبر الدكتور حمدي عبدالعظيم، استاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، المساعدات الخليجية ” دعما مؤقتا للاقتصاد المصري فى مرحلة حرجة” و”تأثيرها ايجابي بلا شك” حيث انها “تدعم الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي” المصري، و”تزيد قدرته على دعم العملة الاجنبية فى البنوك وشركات الصرافة ما يحد من انتشار السوق السوداء”. واضاف في حديث لوكالة انباء (شينخوا) ، ان المساعدات الخليجية لها ايضا ” تأثير ايجابي على قيمة العملة المحلية، وعلى الاسعار داخل مصر لاسيما ان حوالي 70 فى المئة من احتياجات البلاد عبارة عن سلع مستوردة ” بالدولار.وتابع ان جزء من هذه المساعدات عبارة عن شحنات بترول ومشتقاته، ما يساعد على حل مشكلة البنزين فى مصر واختفاء ظاهرة ازمة الطوابير امام محطات البنزين.
واشار الى انها ايضا ستساعد على حل ازمة الكهرباء فى مصر التى تعاني من انقطاع تيار الكهرباء بسبب نقص المازوت المطلوب لتوليد الكهرباء. واوضح ان هذه المساعدات “تزيد قدرة مصر على سداد ديونها الخارجية، وتساعد على تخفيف اعباء هذه الديون، وسد العجز فى ميزان المدفوعات ما يدفع المؤسسات الدولية حاليا الى البقاء على التصنيف الائتماني لمصر دون تخفيض” .
ويبلغ حجم الدين الخارجي على مصر نحو 41 مليار دولار، فيما ابقت وكالة “ستاندرد اند بورز” للتصنيف الائتماني تصنيف الدين السيادي المصري عند درجة “سي سي سي+”، مع نظرة مستقبلية مستقرة، مشيرة الى ان مبعث هذه الطمأنينة هو المساعدات المالية الموعودة للقاهرة من قبل دول خليجية.
ورد عبدالعظيم بالايجاب على سؤال حول ما اذا كانت المساعدات الخليجية ستجعل مصر قادرة على تجاوز المرحلة الانتقالية التى اعقبت عزل الرئيس مرسي ، والتى ستتراوح بين ستة شهور وسنة بحسب المحللين. وقال ان هذه المساعدات سوف تجعل الاحتياطي النقدي المصري يقترب من 24 مليار دولار وهذا يعتبر كاف لتأمين احتياجات مصر اكثر من ستة شهور. وبلغ الاحتياطي النقدى لدى البنك المركزي المصري فى نهاية يونيو الماضى نحو 15 مليار دولار. وتابع عبدالعظيم ان هذه ” المساعدات عنصر مهم على اساس اننا لم نتوقعها، وكنا سنعيش من غيرها ، وستجعلنا نتجاوز المرحلة الانتقالية على الاقل الستة شهور” القادمة.وشدد على ضرورة استغلال هذه المساعدات التى تتضمن ستة مليارات دولار كدوائع بدون فوائد ، قال انه ” يجب ان يتم استثمارها فى مشروعات انتاجية لبناء قدراتنا الذاتية”.
واشار الى ان هذه المساعدات تغنى مصر عن القرض الذى طلبته من صندوق النقد الدولي والبالغ قيمته حوالي 4.8 مليار دولار لاسيما انها تقارب ثلاثة اضعاف هذه القرض وبالتالي فان مصر لم تعد فى حاجة له وان اعتبر ” شهادة على ان الاقتصاد يتعافى”.
بدوره قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمود سالم ان هذه المساعدات كفيلة بجعل مصر تتجاوز المرحلة الانتقالية دون ازمة اقتصادية لكنه اشترط تحقيق الاستقرار السياسي والامني فى البلاد.
واضاف سالم ، وهو مستشار اقتصادي أسبق لحكومة مصر فى التسعينيات، انه لو تمكنت مصر من تحقيق استقرار الاحوال السياسية والامنية فان هذه المعونات ستساعدها فى تحقيق اول انطلاقة اقتصادية بعد الثورة ، مشيرا الى ان هذه المساعدات تمثل ” اضافة قوية” للاقتصاد المصري تتيح له ان يتجاوز اى مشكلة.
واوضح ان هذه المساعدات سيكون لها تأثير ايجابي على سعر الصرف ، وستوقف اى تدهور فى قيمة الجنيه المصري بل انها ستساعده على استعادة قيمته، فضلا عن كونها ستضيف لرصيد الاحتياطي بالبنك المركزي ما يتيح تغطية الواردات بدون اللجوء لاى اجراءات استثنائية .
ورغم انه يرى ان هذه المساعدات تجعل مصر لا تحتاج حاليا الى قرض صندوق النقد الدولي، فقد دعا الى ضرورة الحصول على القرض لانه بمثابة ” شهادة من كافة مؤسسات التمويل الدولية بان الاقتصاد المصري فى حالة مستقرة”.
فى المقابل،عد الخبير المصرفي فؤاد شاكر ان هذه المساعدات مجرد ” مسكنات لن تعالج المرض الحقيقي بالاقتصاد” المصري .
واوضح شاكر ، وهو سكرتير عام سابق اتحاد البنوك العربية، ان مصر لا يجب ان تعتمد على القروض والمساعدات لانها ليست الحل بل على الحكومة ان تضع رؤية جديدة لحل المشاكل الاقتصادية.
واشار إلى ان مرسي حصل على عدة مليارات فى شكل قروض ومنح لكنها لم تستطع انقاذ الاقتصاد المتهالك.وحصلت مصر خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي على وديعة تركية بملياري دولار، ومثلها من ليبيا ، ونحو خمسة مليارات من قطر.