مصر: هل يسعى السيسي لمنصب الرئيس؟
يعيد الجيش المصري الدراما السياسية في البلاد إلى نقطة البداية مانحا دور البطولة للفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع في إطار تغيير يحمل في طياته أصداء ماض قد يقوض الديمقراطية في العالم العربي.
ظهر السيسي في صورة بطل في أعين الكثير من المصريين بعدما عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي واتخذ إجراءات صارمة ضد جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها.
ويشبه الكثيرون السيسي بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي يتمتع بكاريزما قوية وقاد انقلابا على الملكية في مصر في عام 1952 وأسس حكما مطلقا يقوده الجيش وسجن الآلاف من الإخوان.
انتشرت في القاهرة ملصقات عليها صورتان للرجلين ونزل الملايين إلى الشوارع دعما للسيسي بينما لاحقت قوات الأمن الاسلاميين بضراوة لم تحدث منذ أيام عبد الناصر.
وعلى الرغم من التفويض الشعبي الذي منح للسيسي تثير مناورات الجيش وعودة ظهور الأجهزة الأمنية على الساحة تساؤلات بشأن الديمقراطية في مصر. وقتل 80 من أنصار مرسي في شوارع القاهرة يوم السبت.
ولزاما على السيسي (58 عاما) أن يخطو بخطى حثيثة.. فخلافا لما كان عليه الأمر في الماضي أصبحت قوة الشعب سيفا مسلطا على كل من هو في السلطة.
وتثير القلاقل ضيق بعض الليبراليين الذين رحبوا بعزل مرسي لكنهم بدأوا يتكلمون عن تنامي دور السيسي وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لانتقال مصر إلى الديمقراطية منذ الاطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في انتفاضة عام 2011.
ولم يشر السيسي الذي كان رئيسا للمخابرات الحربية إلى أنه سيسعى لأي منصب لكن لا يشكك الكثيرون في أنه سيفوز بأي انتخابات تجرى الآن. ويقول الجيش إنه لا يريد أن يحكم ووضع خارطة طريق لعملية انتقالية تقضي باجراء انتخابات رئاسة في غضون تسعة أشهر.
قال محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وهو من الأطراف الأساسية في الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش “لا أريد عبد الناصر آخر.”
وينتمي رئيس الوزراء المصري ونائبه إلى الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.
وتحدث أبو الغار لرويترز في مكتب بوسط القاهرة قرب ميدان التحرير حيث احتشد مئات الالاف من المصريين يوم الجمعة استجابة لدعوة السيسي لتفويضه من أجل محاربة “العنف والارهاب” في إشارة ضمنية لجماعة الاخوان المسلمين.
وأبو الغار (72 عاما) طبيب يخشى مثله مثل بعض الليبراليين الذين أيدوا عزل مرسي أن يصبح السيسي قائدا منتخبا يحظى بشعبية تفوضه بتغيير البلاد كيف يشاء.
وقال “انظروا إلى هتلر.. كان منتخبا بطريقة ديمقراطية. انظروا إلى موسوليني.. كان منتخبا بطريقة ديمقراطية.” لكنه يرى أيضا خطرا على الديمقراطية مما وصفه بعنف جماعة الاخوان المسلمين.
وأضاف “الآن.. هذه ليست ديمقراطية.”
والمخاطر جد جسيمة.
فما يحدث في مصر سيلقي بظلاله على العالم العربي حيث أحيت انتفاضة عام 2011 الامال في تغيير ديمقراطي في منطقة يحكمها العسكريون منذ وقت طويل.
ويخشى البعض الآن أن يكون الأمل في الحكم المدني قد ذهب أدراج الرياح. وقد تدفع عودة القمع الإسلاميين إلى العمل السري مما يؤجج عنفا جديدا يبرر عودة قانون الطوارئ الذي قوض العمل السياسي في البلاد لعقود.
وتعد الحكومة المصرية بانتقال جديد إلى الديمقراطية لكن تصريحات الجانبين تشير إلى المزيد من العنف الذي قد يعرض الأمل في الحرية السياسية للخطر. وتتهم الحكومة الاخوان بالتحريض على العنف بينما يقول الإسلاميون إنهم محاصرون.
قال ناثان براون الأستاذ في جامعة جورج واشنطن والخبير البارز في الشأن المصري “لا أعتقد أنك سترى أي ديمقراطية واضحة في وقت قريب.”
وليس من الواضح إن كان السيسي سيخوض انتخابات الرئاسة لكن ملصقات في القاهرة تحثه على ذلك. وبغض النظر عن هذا فإن أي سياسي طموح عليه أن يحظى بدعم الجيش.
وقال جوشوا ستاتشر الخبير في شؤون مصر وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية كنت إن السيسي لن يسعى لمنصب رئاسي مضيفا “لماذا تصبح رئيسا وبوسعك أن تكون الملك؟ السلطة ستأتي من خلال الجيش.”
وأضاف “هذه روسيا في أوائل 1992 ونحن نبحث عن بوتين” مشيرا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي خرج من المخابرات ليهيمن على الساحة السياسية.
وتسلط الضوء على دور السيسي المتنامي على الساحة السياسية عندما دعا المصريين للنزول في مظاهرات حاشدة لتفويضه لمواجهة “العنف والإرهاب”. وعززت الدعوة شعبيته وتلألأ نجمه السياسي لكن الأمر أثار قلق بعض الليبراليين.
إلا أن وزير الخارجية نبيل فهمي رفض هذه المخاوف.
قال إن الجيش -الذي تعهد بالابتعاد عن السياسة بعدما قاد البلاد خلال فترة انتقالية مضطربة أعقبت الاطاحة بمبارك- انحاز للارادة الشعبية عندما عزل مرسي تماما مثلما دفع مبارك للتخلي عن منصبه في 2011.
وأضاف في مقابلة مع رويترز “عندما ننفذ خارطة الطريق ونسوي القضايا الأمنية سيتبدد هذا القلق شيئا فشيئا.”
لكن بعض المتخوفين يرون لمحات من الماضي على النظام الناشئ في مصر. فالشرطة التي كانت ممارساتها العنيفة سببا في تأجيج انتفاضة 2011 عادت للعمل وتلقى حفاوة في التلفزيون الرسمي حتى مع اتهام الاخوان لها بارتكاب مجازر.
وبالاضافة إلى ذلك أعلن وزير الداخلية محمد إبراهيم عن عودة إدارات أمنية عرفت في عهد مبارك بارتكاب انتهاكات حين كانت تستخدم في إسكات الجدل السياسي.
وقال الوزير إنه بدأ في إعادة بناء هذه الادارات وقرر إعادة بعض الضباط الذين تم إقصاؤهم ولهم خبرة في الأمن الوطني.
وقال أحمد ماهر مؤسس حركة 6 ابريل التي لعبت دورا واضحا في انتفاضة 2011 إن تصريحات الوزير تبعث على القلق. وهو يخشى أن تكون الحملة على الاخوان سابقة تمهد لأحداث أخرى.
وأضاف أن حركته كانت ضد مرسي وطالبت برحيله لكنها لن تسمح بعودة النظام القديم.
وتقول الحكومة المدعومة من الجيش إنها تنشد عملية انتقال سياسي تشمل الجميع بمن فيهم الاخوان المسلمون حتى رغم أنها تتهمهم باللجوء إلى أساليب أشد عنفا.
وتحث الحكومة الإسلاميين على الانخراط في السياسة لكن الاخوان يقولون إن السلطات تحاول القضاء عليهم في واحدة من أشرس الحملات على الجماعة منذ عهد عبد الناصر. وتنفي الجماعة لجوءها للعنف.
ووعد الجيش بإجراء انتخابات حرة نزيهة. لكن مصداقية الانتخابات قد تصبح محل شك إذا لم يشارك فيها الاسلاميون. وكانت جماعة الاخوان قد فازت بكل الانتخابات التي جرت بعد مبارك.
ويبدي حزب النور الذي حل في المركز الثاني في آخر انتخابات برلمانية تخوفا على مستقبل مصر أيضا. ووقع الحزب على خارطة الطريق التي وضعها الجيش لكنه قرر فيما بعد الخروج من العملية السياسية احتجاجا على مقتل مؤيدين لمرسي.
وقال يونس مخيون رئيس حزب النور لرويترز إن الممارسات الحالية تشير إلى بداية مرحلة قد تشهد قيودا على الحريات.
وإذا كانت المظاهرات التي خرجت في الأيام القليلة الماضية مؤشرا فهي تعني أن الحكومة المدعومة من الجيش تتمتع بتفويض شعبي لتشديد الحملة على الاسلاميين. وتقول جماعة الاخوان المسلمين إن المئات من أعضائها وبعض قادتها اعتقلوا.
ومن المرجح مع تنحية أكثر الفصائل السياسية تنظيما من المشهد أن تكافح أحزاب أضعف ليصبح لها صوت مسموع.
يقول براون “عندما يتأزم الموقف تكون كلمة الجيش هي الفصل في أحوال معينة.”
ويضيف “تتمثل الخطورة في هذا الموقف في غياب الحافز لدى اللاعبين السياسيين الاخرين لإيجاد أي نوع من البدائل المعقولة… وهذا ينزع قدرا كبيرا من الزخم عن النظام السياسي المدني