مصالح متناقضة تؤجج الحرب الأهلية في سوريا
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
ابتعدت صفة «الربيع العربي» عن ساحات بلاد الشام، مثلما ابتعدت هذه التسمية عن كافة البلاد العربية، لا بل عن أدمغة الشعوب العربية. الفارق بين الساحة السورية والساحات الأخرى التي عبرتها الثورات هو ارتفاع منسوب الدماء التي تسيل والدموع التي ترافق ارتفاع عدد القتلى لما يزيد عن مئة ألف شهيد. إلا أنه يوجد فارق آخر: باتت سوريا ساحة للصراعات السياسية والدموية الإقليمية والدولية.
نجد في بلاد الشام اليوم كل العناصر «المقاتلة» التي تقف وراءها دول وقوى إقليمية ودولية وتكوّن عناصر من معادلات وحسابات خاصة بكل هذه القوى. والحال هو أنه بخلاف ما يقال فإن الصراع في سوريا لا تأثير له على دول الجوار ولكن كل دول الجوار تتحاول التأثير على مجرى الصراع بما يلائم مصالحها.
القوى اللبنانية المختلفة وضعت منذ انطلاق الثورة السورية مصطلح «النأي بالنفس» لتسهيل انغماسها في الصراع لعله يفيدها على الساحة اللبنانية. الحكومة التركية لم تخف يوماً رغبتها ليس فقط بتغيير النظام بل أيضاً بالتأثير على المكون الكردي السوري المنبثق مباشرة من حزب العمال الكردستاني الذي تتمحور حوله «مشكلتها القومية الكبرى» مع أكراد تركيا.
المملكة العربية السعودية، ومعها دول الخليج، رأت في الثورة السورية متنفساً لنقطتين أساسيتين في بنك أهداف سياستها المعلنة: ١) محاربة النظام الإيراني عبر اسقاط النظام السوري ٢) التخلص من الكتائب الجهادية بتسليحها وإرسالها «لتنفيس» طاقاتها القتالية على الساحة السورية.
أما إيران فقد كان من الصعب عليها، في إطار صراعها مع الدول الغربية، أن تتخلى عن النظام السوري الذي يشكل حلقة وصل بينها وبين إسرائيل ومنفذ لها إلى الصراع العربي الإسرائيل والقضية الفلسطينية ويؤمن صلابة المحور الذي يمتد من طهران إلى حدود فلسطين مروراً بدمشق وبغداد.
ومن نافل القول إن لإسرائيل مصلحة دائمة بإضعاف أي دولة عربية أيا كان وضعها الجغرافي في سياق صراعها القومي مع العرب. ويضاف إلى ذلك أن النظام السوري، رغم ما يقال «عن الهدوء على الجولان منذ أربع عقود»، كان قد غيّر المعادلة عبر دعم حزب الله اللبناني في حرب مفتوحة مع الدولة العبرية، والاستعداد لاستراتيجية قتالية تحاكي استراتيجية المقاومة اللبنانية في تموز ٢٠٠٦، ما يشكل خللاً في المعادلة التي كانت قائمة منذ حرب تشرين.
هذا على الصعيد الإقليمي.
على الصعيد الدولي سلط الصراع في سوريا الضوء على صراع خفي وأساسي بين روسيا والولايات المتحدة يتجاوز مسألة شبكة صواريخ في بولندا أو حماية سوق أسلحة في دول العالم الثالث. وكشف أيضاً أن روسيا اعتبرت أن النقاط التي يسجلها الغرب على ساحات الربيع العربي تشكل تراجعاً أساسياً لمصالحها القومية، وأن «الحكم البوتيني» قد قرر استنفار قواه لوقف تراجع ما يعتبرها مصالح عليا، ووصل به الأمر لتحريك اساطيل والدفع بتسليح مكثف للنظام السوري واللجوء لثلاثة فيتو في مجلس الأمن بما يذكر بأيام الحرب الباردة. وقد استطاعت روسيا اقناع الصين بأهمية عدم ترك الساحة خالية للغرب، وساعدها في ذلك رائحة البترول والغاز التي بدأت تتسرب من الأرض السورية.
الولايات المتحدة راقبت بتلبك الثورات العربية على أنظمة كانت حتى عشية انطلاق شرارات الربيع العربي من أقرب حلفاءها. النظام السوري صفق لسقوط دول «المملاءة للغرب» ولكن الثورة وصلت إلى أول دول «الممانعة» فانطلق الغرب يغذيها ويدعمها بكل قواه. ولكن مع مرور الوقت دون سقوط النظام السوري بدأت تتكشف ملامح الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا من أنها تتويج لـ«ربيع إسلامي سياسي»، وأن اعامل الأقوى في هذه الثورات هو الشق الجهادي وبشكل خاص التكفيري، وهو ما خلط أوراق الخطط الغربية، وانعكس تقلبات في دعم المعارضة السورية واستراتيجية المواجهة على الأرض، ليس فقط مواجهة النظام بل أيضاً مواجهة كتائب …الحلفاء الإقليمين. إلا أن للغرب أيضا أنف يشتم رائحة النفط والغاز… ولحلفاءه أيضا أنوف تشتم روائح المنافسة النفطية.
إلى متى يستمر الصراع حاملاً بشكل يومي ما يزيد عن ١٠٠ قتيل؟ هل تقبل السعودية بخسارة الحرب السورية ما يعني عودة التكفيريين إلى أراضيها وانتتصار ما تسميهم «روافض» في حملتها الإعلامية؟ أم هل تقبل إيران بخسارة النظام السوري ما يعني تقوقعها وقطع تواصلها مع حزب الله واتتظار الضربة على منشآتها النووية؟ هل تقبل روسيا خسارة مماثلة لخسارة ليبيا وفقدان آخر موقع قدم لها في المياه الدافئة؟ أم هل تقبل واشنطن بالتراجع عن دعم حلفاءها رغم تناقض أهادفهم الإقليمية مع أهدافها وتدع النظام السوري يخرج رأسه من ماء الثورة؟ هل يقبل الغرب بشكل عام بوقف مساعدة ثورة بعد هذا التأجيج الإعلامي الذي يدوم منذ سنتين؟ هل تقبل تركيا بهزيمة على حدودها الجنوبية تفتح الأبواب لعودة التكفيريين إلى أراضيها من جهة وتزايد قوة الأكراد السوريين بسبب انهاك النظام السوري؟ هل تقبل إسرائيل بانتصار النظام السوري وحليفه حزب الله؟
جواب واحد على كل هذه الأسئلة: لا.
من هنا يمكن الخلاصة إلى أن الثورة في سورية تحولت إلى حرب أهلية بفعل هذه المصالح المتناقضة وأنها دخلت في نفق طويل يؤدي إلى تدمير بلاد الشام ونسيج مجتمعها وتركيبتها السكانية.
بحق إن ما يحصل في سوريا سيترك أثراً على مسار تاريخ المنطقة.