الفايسبوك في الأفراح والأتراح
معمر عطوي
غريب هذا العالم الافتراضي الذي نعيشه، دخل الى حياتنا من دون استئذان، فرض علينا أن نتابعه وأن نفتح حساباتنا الخاصة لكي يُتاح لنا مشاركة الآخرين خدماته وتسهيلاته وما يقدّمه من أمور عجزت كل وسائل الاتصال السابقة عن الوصول إليه وان كانت قد مهّدت لظهوره.
عالمنا الافتراضي هذا رغم كل سيئاته، مليء بحسنات لا تُعدّ ولا تُحصى، فمقابل ما يمكن أن يقدّمه لأجهزة الاستخبارات وللشركات الإعلانية والدعائية التي تستغله لتسويق البضائع والسلع، من بيانات شخصية لملايين البشر، في وقت واحد وبإرادة وموافقة صاحب العلاقة، لا يمكن نكران دوره على مستوى التواصل الاجتماعي.
نخطيء إذا قلنا أن مجتمعاتنا الشرقية، قبل «الفايسبوك» و«تويتر» وغيرها من صفحات تواصل، كانت لا تزال محافظة على الزيارات الاجتماعية بالوتيرة التي كانت قبل ثورة الانترنت والاتصالات. ونخطيء أكثر إذا زعمنا أن صلة الرحم كانت سارية خلال السنوات العشرين الماضية، مثلما كانت مطلع وأواسط القرن الماضي. لقد استهلكتنا الحياة المادية الى حد أننا لم نعد نقوم بزيارة جيراننا أو اقرب الأقربين الينا عدا المناسبات الاجتماعية أو الدينية. فجاء الفايسبوك ليعيد التواصل بيننا، وأكثر من ذلك ليصلنا برحمنا وأصدقائنا منذ الطفولة، وبزملاء الدراسة وبجيراننا الأسبقين. وصرنا نعلم بموت أحدهم أو بزواج آخر بسرعة وعلى مستوىً واسع، نقوم بواجب التعزية والتهنئة من خلال النقر على الحاسوب فلا نتحمّل تكلفة نقل الى مكان بعيد لحضور الجنازة ولا نضطر الى مشاركة أقربائنا واصدقائنا الأفراح والأتراح وبالتالي نوفّر الكثير من الوقت الذي كان يذهب على حساب أعمالنا وانتاجنا.
على مستوى العمل، أصبحت هذه الصفحات خير معين لنا في تبادل المشاريع والمخططات والصور والمقالات والأفكار، فصار الفايسبوك مساحة للتلاقي ولاجتماعات العمل؛ تقضي أعمالك في منزلك وانت تحتسي شراباً وتلبس ثياب نومك، ولا تتحرّج من دخول المرحاض أو تناول شطيرة ساعة تشاء. ربما تلك المساحة الرحبة من الحرية التي أمّنها لك هذا العالم جعلت حياتك العملية أسهل وأكثر دقة وانتاجاً.
في المقابل، حرمنا عالمنا الافتراضي الجديد من مشاركة أهلنا وأصدقائنا أفراحهم وأتراحهم فتقلّصت مشاعرنا الإنسانية أمام كل ما هو عملي وسريع ومنتج، ففقدنا جانباً مهماً من حياتنا الاجتماعية التي كانت مبنية على التواصل الشخصي المباشر حيث للمشاعر واحتها الخصبة، وللتلاقي معناه الانساني الواسع. نشارك في الأفراح بالرقص والغناء والدبكة، وفي الأتراح في مراسم الدفن والصلاة وتقبل التعازي مع أهل الفقيد، فنُشعرهم أنهم ليسوا لوحدهم في هذه المأساة التي حلّت بهم.
ثمة سلبيات كثيرة لعالم السايبر، قد لا تفوق الايجابيات، لقد غيّرت “الثورة” التقنية التي مفاهيم وقيم فأتاحت للكبير والصغير دخول عوالم كانت تشكّل لنا تابوهات ومحرّمات. فلم يعد منع الأبناء من مشاهدة الصور الإباحية ومواقع ترويج المخدرات والدعارة والاتجار بالجنس واستغلال الأطفال، مجدياً، بل صار المنع في هذا العصر مثيراً للسخرية إن لم ترتبط التربية الجديدة بتوعية النشئ وتعليمه على كيفية التعامل مع الصورة ومع الغرباء الذين يدخلون بيوتنا من دون استئذان. أصبح الأمر منوط بمستوى فهم الطفل الذي نشأ أمام الـ الكومبيوتر ، ولوحة ipad . هو يختار وفق ذهنيته ومستوى فهمه وبحسب توجيهات لا تتخذ طابع الأوامر، بل المشاركة والحوار بين الأهل والأبناء.
لقد أفسح عالم التواصل الاجتماعي لنا معرفة آراء الآخرين السياسية وبات كل رأي مكشوفاً، لدرجة مثيرة للاشمئزاز، أحياناً، حين يذهب البعض في طرح أفكارهم السياسية وتعليقاتهم على الأحداث بطريقة سوقية متخلفة، لا تنم عن فهم وإدراك. فبات عالم السايبر مساحة لتبادل الأفكار والآراء وفي الوقت نفسه مساحة للشتائم والسباب وهتك الحرمات والتعبير عن تخلف دفين.
لهذا كان الفايسبوك و«تويتر» وغيرها من صفحات مثل سيف ذو حدّين؛ أحدهما جارح فتح أعيننا على عالم بلا ضوابط، وفي الوقت نفسه سرّع من وتيرة عملنا وقرّب المسافات بيننا، وجعل حياتنا الخاصة مكشوفة الى حد كبير أمام كل أجهزة الاستخبارات والشركات ومؤسسات المعالجة النفسية وصناعة المناهج التربوية، إضافة الى رسم الخطط السياسية على ضوء ما تقدمه هذه الوسائل لدوائر صنع القرار من معلومات حول القواعد الشعبية وتناقضاتها المذهبية والحزبية والقومية وكل ما قد يساعد في صناعة التفريق لسيادة الأقوى. وفيما يمكن العالم الافتراضي أن يشجّعنا على القراءة والتحصيل الثقافي والمعرفي وتعلم اللغات والتعرف على ثقافات الشعوب، يمكن ان يستنزف أوقاتنا في دردشات بلا طائل وتعليقات سخيفة، فنعطي جزءاً من وقتنا لهذا العالم على حساب علاقتنا بصديقنا الكتاب أو التعاطي مع النبات والاهتمام بها وبالطبيعة وبالحيوانات هذا ما يمكن أن نسميه ألينة المشاعر وتحويل الإنسان الى مجرد متلقي يسير وفق برمجة معينة وهنا تكمن خطورة التواصل.