الإيكونوميست: الاقتصاد السوري يترنح تحت وطأة الحرب الأهلية
ذكرت مجلة الإيكونوميست البريطانية أن الاقتصاد السوري يترنح تحت وطأة الحرب الأهلية بين نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضين المسلحين الذين يقاتلون للإطاحة به، حيث تحولت الانتفاضة ضد الأسد في عام 2011 إلى حرب أهلية، ما أدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي في دمشق وحلب، أكبر مدينتين في البلاد وارتفعت معدلات التضخم.
وخلفت الثورة السورية منذ اندلاعها في مارس/ أذار 2011 نحو 106 ألف قتيل وفق تقديرات المرصد السوري لحقوق الانسان، ونحو 4 ملايين لاجئ داخل سوريا و1.2 مليون لاجئ خارج سوريا، وفق تقديرات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وقالت المجلة واسعة الانتشار في تقرير لها أن معدل البطالة في سورية ارتفع إلى 60% ، كما أن خزائن الحكومة فارغة، وانخفض إنتاج النفط إلى 20 ألف برميل/ يوميا، من 380 ألف برميل/ يوميا قبل اندلاع الثورة، كما تبلغ فاتورة العقوبات على قطاع النفط وأعمال التخريب بالنسبة للحكومة السورية 13 مليار دولار على الأقل.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، وقّعت الحكومة السورية على بروتوكول ينظّم مقايضة النفط مقابل الغذاء لمواجهة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات المفروضة عليها على خلفية الأحداث الجارية في البلاد.
وتبرر وزارة الاقتصاد السورية اللجوء للمقايضة لكسر الحصار والعقوبات المفروضة على سورية ووقف التعامل باليورو والدولار، وهو ما أدى لتراجع احتياطي النقد الأجنبي هناك إلى أقل من 4 مليارات دولار حسب احصائيات رسمية ولأقل من ملياري دولار طبقا لمصادر غربية.
في المقابل، يؤكد كثير من الخبراء والمراقبين سيطرة المعارضة السورية على ما يربو من 80% من آبار النفط، وهو ما يزيد من تحديات نظام الأسد في توفير الغذاء للشعب.
ويضيف التقرير المنشور في عدد المجلة للأسبوع الجاري أن مستوى إنتاج قطاعات الزراعة، والتجارة والتصنيع أصبح أقل من ثلث مستوياتها قبل الحرب، كما تراجعت الليرة السورية من 47 للدولار عندما اندلع القتال الى نحو 250 اليوم.
ويذكر أن خبراء الأمم المتحدة في العاصمة اللبنانية يقولون إن 19٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر حاليا، مقارنة بأقل من 1٪ قبل الحرب.
ويشير تقرير مجلة الإيكونوميست ، إلى أنه في وقت مبكر من هذا العام، عندما سيطر المسلحون المعارضون على مدينة الرقة شمال البلاد والتي تحوي جزءا كبيرا من النفط والأراضي الزراعية في سورية، وقع اثنان من الموارد الحكومية الرئيسية في أيدي الثوار.
ويقول إنه في ساحة المعركة يمسك النظام السوري بزمام الأمور، وعندما يتعلق الأمر بتمويل القتال يصبح الوضع أقل وضوحا، إلا أن الحكومة السورية تمكنت من تدبير أمرها.
وينقل التقرير عن جهاد يازجي المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير النشرة الاقتصادية “سيريا ريبورت” ومقره بيروت قوله ” على الرغم من زيادة الفقر تعني أن السوريين بحاجة الى مزيد من الخدمات الحكومية، إلا أن إغلاق المدارس والمستشفيات، بسبب القتال، خفض الطلب على الأموال”.
وبسبب تجميد الاستثمار في الطرق الجديدة، والتي تمثل ما يقرب من نصف الميزانية قبل الحرب، أعلى النسب في العالم، وفرت الحكومة السورية الأموال لدفع رواتب 2 مليون موظف مما ساعد على دعم الإنفاق الاستهلاكي.
وفي 22 يونيو/ حزيران الماضي، حاول النظام السوري رفع الروح المعنوية من خلال زيادة الأجور لموظفي الخدمة المدنية، ولكن بعد يومين من ارتفاع أسعار الوقود، أصبح عدد قليل من الناس يحتفلون بزيادة الأجور.
وتقوم جماعات لبنانية بتهريب الوقود إلى سوريا التي تعاني شحا في الإمدادات بسبب عقوبات غربية.
ويذكر تقرير الإيكونوميست أن الأمور تزداد سوءا باستمرار، ففي يوم 4 أغسطس/ آب الجاري، حظر الأسد استخدام العملات الأجنبية، كما رفعت شركات الهاتف المحمول تكلفة المكالمات الدولية لجمع الأموال.
ويشير إلى أن النظام والمعارضة يستخدمان الأسلحة الاقتصادية، حيث يحاول النظام عن طريق حرق حقول المحاصيل وقصف المناطق التي لا تقع تحت سيطرته، وقف النشاط الاقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، بينما يهاجم الثوار شبكات الكهرباء والناقلات التي تنقل الوقود من لبنان، على أمل قطع إمدادات النظام.
ويأمل خبراء أن تجبر الحرب الاقتصادية النظام للجلوس على طاولة المفاوضات.
وبينما توقف إنتاج الزراعة والنفط منذ استيلاء الثوار على المناطق الشرقية من سورية، تحاول سوريا التي كانت مكتفية ذاتيا يوما ما، أن تقدم عطاءات للواردات وإيجاد العملة لدفع ثمنها، ومع اقتراب فصل الشتاء، يتزايد الطلب على الوقود والمواد الغذائية.
ويذكر التقرير أن معظم المحللين يرجحون عدم الإطاحة بنظام الأسد بسبب المصاعب الاقتصادية وحدها، على الرغم من انخفاض قيمة العملة السورية أصبح مؤلما للحكومة ولكن ليس قاتلا، ونفاد معظم الاحتياطيات الأجنبية والتي بلغت 18 مليار دولار قبل الحرب، لكنها لا تزال تكفي واردات البلاد لمدة ثلاثة أشهر، كما يقول مسئولون سابقون بالحكومة السورية.
وترى الإيكونوميست أن الأهم من ذلك، هو أن النظام السوري قادر في الاعتماد على حلفائه، وخاصة إيران وروسيا، لمساعدته في تمويل الواردات وتكلفة القتال، حيث وافقت إيران مؤخرا على تقديم خط ائتمان ونفط وأدوية بقيمة 3.6 مليار دولار لسورية، وأنه حتى بدون هذه المساعدة فقد تفادى النظام في زيمبابوي والعراق الضغوط في ظل الصعوبة التي يواجهها مواطنو الدولتين في الوفاء باحتياجاتهم.
وتضيف أن السوريين أصبحوا يتعودون على العيش في ظل اقتصاد الحرب.
وتنقل المجلة البريطانية عن يزيد صايغ، من مركز كارنيجي للشرق الأوسط، ومقره بيروت، إن سوريا تشهد إرساء نظام جديد يكرس البؤس، مضيفا أنه يتوقع “العودة إلى الاقتصادات المحلية والكفاف فضلا عن سبل جديدة لكسب المال”، مع بدء النظام في تفكيك أصوله، والسماح للموالين بالسيطرة على الصناعات وللعصابات أن تنهب، كما يتبع بعض أمراء الحرب من الثوار، وخصوصا الأكثر حرصا لكسب النقود من القتال، استراتيجية مماثلة.