في مثل هذا اليوم: فك ارتباط الدولار بالذهب وتفرد أميركا بالقوة
تعود نسبة كبيرة من من قوة وهيمنة الولايات المتحدة إلى قدرتها على الاستدانة من دون حسيب ولا رقيب. وتعود هذه المقدرة إلى فك حساب الدولار بمخزون الذهب وهو القرار الذي عمل له ريتشارد نيكسون والذي أدى إلى وقف العمل بنظام النقد الدولي وباتفاق بريتون وودز، والذي أنهى مرحلة قاعدة (نظام الصرف بالذهب) وسمح لواشنطن بالتملص من الدولار بالذهب.
عندما أعلن عن القرار أصيب عالم المال بذهول شديد.
حقق نيكسون هدفين بهذا الإعلان، الأول:إنقاذ الدولار من الأزمات المتتالية التي أصابته، والثاني: إبعاد الذهب كلياً عن ساحة التعامل النقدي، وإقرار الدولار ليكون على عملة الاقتصاد الدولي من كافة الوجوه.
الهدف الأول وهو إنقاذ الدولار من الأزمات التي ألمت به، فهو نجح في فك ارتباط ميزان المدفوعات الأميركي بقدرتها الاقتصادية وبالتالي بات علاج ميزان المدفوعات الأميركي يعتمد على الاستدانة من دون أي رادع حسابي.
كما نجح نيكسون في الهدف الثاني، حيث أبعد الذهب كلياً عن ميدان المعاملات المالية والنقدية، وتفرد الدولار بكافة الأدوار التي كان يقوم بها الذهب.
وهكذا بدأت مرحلة جديدة من نظام النقد الدولي إثر إعلان نيكسون في 15/8/71 وقف تبديل الدولار الذهب – وظهر الارتباك داخل حلقة الحلفاء من الدول الغنية، وقامت باتخاذ إجراءات متعددة وقائية وعلاجية. وكان أبرزها بيان الإليزيه .وقد صدر البيان مباشرة عقب إصدار الرئيس الأميركي نيكسون قراراته المشهورة والتي من ضمنها فرض ضريبة إضافية قدرها 10% على الواردات. فقد بادر الرئيس الفرنسي إلى إصدار بيان رسمي سمِّي (بيان الإليزيه)، يدعو فيه الدول الأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة، إلى عقد مؤتمر قمة، يكون بمثابة رد انتقامي أوروبي، في المجالين الاقتصادي والنقدي، ضد الولايات المتحدة.
فلقد استاء الفرنسيون من موقف الاقتصاد الأميركي من أوروبا خصوصاً وأن الجنرال ديغول كان قد حذر من مسألة فك ربط الدولار بالذهب وأثره على لمدى الطويل، إلا أن ديغول كان قد خرج من الحكم. واعتبر الأوروبيون هذه الإجراءات غير مشروعة وفقاً للوائح صندوق النقد الدولي، والاتفاقية العامة للتجارة، والتعريفة الجمركية (الغات).
إن ميزان القوى العسكري-السياسي هو الذي ألغى نظام (القاعدة الذهبية)، وفرض نظام (قاعدة الصرف بالذهب)؛ ليشارك الدولار الذهب في القيمة الذاتية له. وميزان القوى العسكري-السياسي هو الذي ارتأى إلغاء نظام (قاعدة الصرف بالذهب)، وكرس نظام «قاعدةالدولار فقط»، وتنحية الذهب عن الساحة النقدية في العالم. وقد كرس هذا النظام هيمنة وعنجهية أميركية جعل الولايات المتحدة تعتبر نفسها فوق القانون الدولي.
إضاءة:
فتحي سليم
جاءت اتفاقيات مؤتمر بريتون وودز ليتقرر فيها النظام الجديد للنقد الدولي، فكان لابد من مؤسسة عالمية، تكون مسؤولة عن الإشراف على تنفيذ اتفاقية بريتون وودز، كما تكون مسؤولة عن انضباط المعاملات النقدية والمالية، ووضع قاعدة ثابتة تنضبط بها أسعار صرف العملات، وتقييم التحويلات المالية والتجارية، كما أن لهذه المؤسسة حق المراقبة على حسن سير نظام النقد الدولي الجديد.
هذه المؤسسة التي أنيط بها كل هذه الأمور هي صندوق النقد الدولي، فقد تحدد ميثاق هذا النظام الذي هو حجر الأساس بموجب الاتفاق المذكور، وأصبح الجهاز الفعلي لتطبيق هذا الميثاق، والإشراف على تنفيذه ومراقبته، فقد تولى صندوق النقد الدولي:
1- مهمة تثبيت أسعار الصرف، حيث يجب على كل دولة منتسبة إلى الصندوق إعلان سعر صرف عملتها المحلية، أي تحديد قيمتها بوزن من الذهب مباشرة، أو بشكل غير مباشر، عن طريق تحديد سعر صرفها تجاه الدولار، وتلتزم كل دولة بالدفاع عن ذلك السعر، بتدخل مصرفها المركزي في الأسواق المالية، وشراء الكميات المعروضة من العملة المحلية بسعر الصرف الثابت، وقد حدد ميثاق الصندوق هامش تقلب أسعار صرف العملات، بين ناقص واحد وزائد واحد في المائة، من سعر الصرف الثابت.
2- منح قروض قصيرة الأجل للدول الأعضاء: وهذه هي المهمة الثانية لصندوق النقد الدولي، وهي مماثلة لدور المصرف الدولي، لكن قروض الصندوق تتميز بكونها شرطاً يجب تحقيقه قبل إقدام أية دولة على تخفيض سعر صرف عملتها، أي يجب على تلك الدولة استنفاد احتياطياتها المتوفرة لدى الصندوق، في الدفاع عن عملتها، قبل الإقدام على تخفيض سعر صرفها.
مجمع الذهب
عقد في بال مؤتمر من الدول الأوروبية الرئيسية أي: ألمانيا الغربية، وبلجيكا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والسويد، وسويسرا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية. وكان الهدف من انعقاد هذا المؤتمر إنشاء (مجمع الذهب)، من أجل تثبيت سعر الذهب، أي من أجل منعه من الارتفاع، هذا ما أعلن رسمياً. ولكن الحقيقة هي أن الهدف الواقعي هو من أجل تثبيت سعر الدولار، ومنعه من الانخفاض بالنسبة إلى الذهب.
إن طريقة مجمع الذهب في تثبيت أسعار الذهب، لا تختلف عن طريقة تثبيت سعر القطع الأجنبي المطبقة في أكثر بلدان العالم، يعني أن البلدان المعنية في مجمع الذهب قررت، بوساطة مصارفها المركزية، التأثير في عرض وطلب هذا المعدن الأصفر في سوق لندن. فإذا ارتفع سعر الذهب -لسبب من الأسباب- في السوق المذكورة، تسارع المصارف هذه إلى التدخل فوراً بطرحها كمية إضافية من الذهب للبيع؛ لإعادة السعر إلى مستوى التوازن. وفي المقابل، إذا انخفض السعر، فإنها تسارع أيضاً إلى شراء كمية الذهب الفائضة فيرتفع السعر إلى مستواه الأول.
وهناك نقطة جديرة بالبحث والاهتمام، وهي من أين تأتي كميات الذهب الإضافية إلى سوق لندن، عندما يرتفع سعره؟ الجواب: إنه لا يأتي إلا من مصدر واحد، إذ لم يوجد سوى مصدر واحد لزيادة كمية الذهب في السوق، وهو الأرصدة الرسمية لهذه الحكومات. إذن تأتي الكمية الإضافية في عرض هذا الذهب، عند ارتفاع سعره، من الأرصدة الذهبية الرسمية لبلدان مجمع الذهب فقط. أي إن الأرصدة الذهبية لبلدان مجمع الذهب تستعمل شراءً وعرضاً لخدمة أميركا، في دعم سعر الدولار لتثبيته.
وعلى كل، نستطيع أن نقول إن مجمع الذهب سار، في الفترة الممتدة من 1960-1965، أي من تاريخ إنشائه إلى سنة 1965، سيراً حسناً، إذ استطاع أن يثبت عملياً سعر الذهب عند المستوى الرسمي (35) دولاراً للأونصة. ولكن ابتداءً من سنة 1965 وحتى تاريخ وفاته، في 17 آذار سنة 1968، انقلب الوضع رأساً على عقب. فبعد أن كان في الفترة الأولى يدخل سوق الذهب في لندن، إما عارضاً وإما مشترياً، أصبح يدخلها في الفترة الثانية عارضاً فقط، الأمر الذي هدد أرصدة البلدان الأعضاء الذهبية بالذوبان؛ لذا انسحبت فرنسا منه في شهر حزيران سنة 1967، وفي خريف العام نفسه اندلعت أزمة الإسترليني، وتلتها أزمة الذهب (وهاتان الأزمتان موضحتان تالياً)، واندلاع هاتين الأزمتين آل إلى اشتداد الطلب على الذهب بصورة مخيفة. فلقد خسرت بلدان مجمع الذهب من أرصدتها الذهبية في غضون ستة أشهر (2.5) مليار من الدولارات؛ لذا اضطرت أخيراً إلى عقد اجتماع في واشنطن في 17 آذار 1968، قررت فيه إلغاء مجمع الذهب، وترك المعدن الأصفر حراً يتحدد بقوى العرض والطلب. وهذا المؤتمر لم تحضره فرنسا، وفيه تعهدت الولايات المتحدة أن تبذل جهدها للقضاء على عجز ميزان مدفوعاتها. والأهم من ذلك أنها قررت إلغاء الغطاء الذهبي الداخلي للدولار، أي حذف الـ(25%) لضمان قيمة الدولار في الخارج .