مواقف نصر الله: الضرورات تبيح خرق المسلمات
بيروت ــ خاص “أخبار بووم”
جاءت اطلالة الأمين العام ل”حزب الله” اللبناني، السيد حسن نصر الله، أمس استثنائية لتضع النقاط على الكثير من الحروف في ملف المحكمة الدولية والظروف التي سمحت بامرار التمويل، على الرغم من موقف الحزب العلني الرافض للمحكمة، في موازاة رسم الحزب عبر الأمين العام لخرطية طريق جديدة لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي يتوجب عليه عدم اغفالها.
فالأمين العام ل”حزب الله”، الذي كان حريصاً، منذ انطلاق مراسم احياء “عاشوراء“، على الابتعاد عن الأحاديث السياسية والتركيز على الخطب الدينية من وحي المناسبة الكربلائية، وجد نفسه أمس مرغماً على التخلي عن صمته السياسي بعدما أثار تسهيل “حزب الله” امرار تمويل المحكمة علامات استغراب كثيرة، ليس فقط وسط أنصاره الذين كانوا يبحثون عن اجوبة لتساؤلاتهم، بل حتى لدى خصومه السياسيين الذي استغلوا الفرصة لاعتبار ان “حزب الله” قد أقدم على سابقة جعلته يعترف أخيراً بشرعية المحكمة.
أجوبة حرص نصر الله، الذي كانت تقاسيم وجهه تشي بالكثير من الغضب وعدم الارتياح لما آلت إليه الأمور، على تقديمها وارفاقها بعدد من الرسائل وجهت في معظمها لرئيس الوزراء اللبناني.
الجواب الأول جاء من خلال التأكيد على عتب “حزب الله” الكبير على ميقاتي الذي “نعتقد أنه أحرج نفسه كثيراً عندما ألزم نفسه إعلامياً وسياسياً وفي لقاءاته بأنه ملتزم بشكل حازم وقاطع بتمويل المحكمة بمعزل عن رغبة المؤسسة الدستورية التي اسمها مجلس الوزراء، وهو يعلم أن غالبية وزراء حكومته لا يؤيدون هذا الخيار، وهنا يحق لنا أن نعتب على دولة الرئيس لأننا شركاء، وأيضاً أوصل الامور في الأسابيع الاخيرة إلى نقطة حادة وغير مناسبة عندما أعلن نيته الاستقالة اذا سقط خيار التمويل في الحكومة”.
الجواب الثاني كان عبر التشديد على أن عدم اثارة “حزب الله” مشكلة بعد اعلان ميقاتي “مخرج” تمويل المحكمة عن طريق استخدام أموال “الهيئة العليا للاغاثة“، جاء حماية للاستقرار اللبناني في الدرجة الأولى، وتقديماً “للمصلحة الوطنية العليا على أي اعتبار آخر، كما فعلنا في الاتفاق الذي عرضه علينا الوزيران القطري والتركي. نحن لا نوافق ولكننا لن نفعل مشكلة”.
تبرير، وإن كان في نظر نصر الله كافياً، إلا أنه يتغاضى عن أن هذا الاستقرار ليس فقط مطلباً لبنانياً بل سورياً وايرانياً وروسياً، وتحركه رغبة واضحة لعدم اعطاء الغرب فرصة للتصعيد أكثر ضد النظام السوري، ورسالة من النظام السوري أن التسويات لا زالت ممكنة وانه لم يتخذ بعد قراراً بالمواجهة الشاملة.
أما اعلان الأمين العام عن عدم امتلاكه لكافة التفاصيل حول المخرج الذي أعلنه ميقاتي، وانه لو عرض الملف على التصويت لكان الوضع اختلف، لان قرار التمويل سيسقط، فهو خطاب لم يبد نصر الله من خلاله قادراً على اقناع الكثيرين ممن يعرفون أن ميقاتي لم يكن ليتحرك باتجاه اتخاذ هذه الخطوة لو لم يكن قد حصل تفاهم غير مباشر مع “حزب الله” بالدرجة الأولى ومع سوريا بالدرجة الثانية. والا لكانت هناك خيارات عديدة كان يمكن ان يلجأ اليها الحزب وحلفاؤه لمنع ميقاتي من الاقدام على هذه الخطوة، وخصوصاً ان حادثة دخول رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، إلى البيت الأبيض رئيساً للحكومة وخروجه منه رئيساً سابقاً لا زالت ماثلة أمام اللبنانيين، ولم يكن هناك فعلاً ما يردع “حزب الله” عن تكرار هذا السيناريو لولا وجود تفاهم ضمني ومصالح أكبر حرص “حزب الله” على مراعاتها في هذه اللحظة الاقليمية الحرجة.
أما الحديث عن عدم تبدل موقف الحزب من المحكمة لجهة عدم الاعتراف بشرعيتها وتجديد التأكيد على أنها مسيّسة واسرائلية واميركية حتى يثبت العكس، محملاً المسؤولين عنها مسؤولية اثبات براءتها من هذه التهم، كما تأكيده على رفض اي تمويل للمحكمة من جيوب المواطنين اللبنانيين، فجاء في معرض التأكيد لجمهور “حزب الله” على ثوابت ظنوا لوهلة أنها قد تكون تبدلت، والتشديد على أن لا مساواة ستطال أوضاع المتهمين المنتمين لـ”حزب الله”.
في موازاة ذلك، حرص نصر الله على التأكيد أنه لا يرغب في مقايضة تمرير المحكمة، لكنه تحدث عن التزامات ستقع في المستقبل القريب على كاهل ميقاتي لتنفيذها لا ينفصل بعضها عن المحكمة وتحديداً في ما يتعلق بملف شهود الزور، منطلقاً من “الثوابت” التي حاجج بها ميقاتي للدفاع عن اصراره على تمويل المحكمة.
فمن وجهة الأمين العام لـ”حزب الله”، فإن ميقاتي مثلما وضع نفسه أمام امتحان في تمويل المحكمة فهو أيضاً أمام امتحان في ملف شهود الزور.
ولذلك فإن “وطنية” رئيس الحكومة و”سنيته” وحرصه على تحقيق العدالة “تفرض عليك أن تقوم دولتك شخصياً بوضع نقطة على جدول مجلس الوزراء تطلب فيها فتح ملف شهود الزور وتصوّت وتطالب وتعمل ليقرر مجلس الوزراء الحالي تحويل ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي”.
أما الاختبار الثاني، فميدانه فعالية وانتاج الحكومة، متوجهاً الى ميقاتي بالقول “لا تؤجل ملفات، لا تراهن على الأحداث والمتغيرات، لا تقطّع الوقت، بل تحمل مسؤوليتك الوطنية”، في موازاة حرصه على ارضاء حليفه البرتقالي بتأكيده أن “جميع مطالب “تكتل الإصلاح والتغيير“ هي مطالب واقعية وموضوعية وصحيحة ومنطقية ونحن نؤيدها بالكامل”. أما الفشل في تحقيق اي تقدم في الملفات الداخلية، فسيبقى التعاطي معه على ما يبدو رهناً باتجاه الأوضاع في المنطقة، وبشكل خاص في سوريا، وخصوصاً بعدما اجبرت الحزب للمرة الأول منذ سنوات على تقديم “تنازلات” حول مسألة كانت حتى الأمس القريب من المسلمات.