لبنان يخشى «ربيع العرب»… بسبب…
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
بعد أسابيع سيكون العالم مع موعد الذكرى الأولى لانطلاق «الربيع العربي». قبل الولوج في العام الثاني من مسار الثورات التي تطال عالمنا العربي، فلنتوقف قليلاً وننظر إلى الظاهر والخفي لما آل إليه عالمنا العربي هذا، لنرى سبب «الخوف في … لبنان».
يعيش العالم العربي في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ثورة بكل معنى الكلمة، ثورة سوف يذكرها التاريخ لأنها، وهذا محصور في الثورات الكبرى فقط، سوف تترك آثاراً عميقة في مسيرة الإنسانية. نحن في خضم ثورة كبرى وليس ثورات صغرى. «الربيع العربي» هو عنوان واحد لما يصيب العالم العربي والإسلامي أيضاً. إنها ثورة واحدة بتأثيرات متجاذبة وجامعة من المحيط إلى الخليج.
بالطبع هذه الثورة لها محاسن ظاهرة، بعضها بات ملموساً: سقوط ثلاثة أنظمة (في تونس ومصر وليبيا) واستبدال حكام وأنظمة محجرة أعمارها ما بين الثلاثين والأربعين عاما بمحاولات لبناء أنظمة ديموقراطية تعكس تطلعات الشعوب التي نزلت إلى الشوارع للتخلص من ماض مقيط. قد تلاقي النجاح أو تواجه الصعوبات، ولكن أياً تكن نتيجة تحولات الحاضر الفوضويـة، فـ«الحاضر» أفضل بمرات ومرات من الماضي الديكتاتوري.
ثلاثة أنظمة أخرى تهتز تحت ضربات الثورة، وهي تقاوم بشدة. الأول (في البحرين) يحاول الخروج عبر إصلاحات، بعد أن قمع تظاهرات بمساعدة خارجية، من دون أن يتخلص من أسبابها ومن دون أن تتناول الوسائل الإعلامية عدد ضحايا قمعه للوصول الى أهدافه. الثاني (في اليمن) وصل إلى نوع من توازن الرعب المميت بعد حرب بين الثوار والحكم. الحاكم حصل فيه على «العفو» نتيجة لعبة إقليمية لم تأخذ بعين الاعتبار تعداد الضحايا الذين سقطوا خلال الثورة، طالما لم يتصدروا النشرات الإخبارية. الثالث (في سوريا) بلغ عدد ضحاياه ٤٠٠٠ (حتى كتابة هذه السطور)، ورغم هذا، فإن الثوار لا يرون حتى الآن الضوء لنهاية نفق الثورة رغم أنه موجود لا محالة.
في بقاع أخرى هرعت أنظمة لتجديد ألوان بناء حكمها وتسارعت وتيرة الإصلاحات مشرقاً ومغرباً. الكل خائفٌ من الثورة ومن الربيع.
لبنان السرمدي، يعتمد على الانتخابات لتغيير الأكثريات والقفز بين حبالها، وهي عادات مكتسبة. حرية الرأي مضمونة وإن استغلها بعض السياسيين للشتم والذم، إلا أنها، مع صحافة حرة لا يكبلها إلا المال، كلٌ لا تتجزأ. هذا البعض من محاسن لبنان يفترض أن تتم حمايته من نسمات الربيع العربي، فلا المعارضة ولا الأكثرية وضعتا نصب أعينهما «تغيير النظام»، وشعار تغيير النظام إن وجد فهو يعني «تحسينه من الداخل وكل حسب نظرته».
إذاً لماذا «الخوف» في لبنان بالذات؟
ينبع الخوف في بلاد الأرز من تلمس «أسباب الصراع»، لأن لبنان قريب من اسرائيل ولأن أول تجارب زرع التفرقة بين أبناء الوطن الواحد بدأت فيه، فكانت حرباً طائفية انتهت بنهاية عبثية. يدرك لبنان، بلد «تنوع الأديان والمذاهب»، أن الثورة ضد الفقر والجوع الاستبداد والديكتاتورية يتم «تدجينها وإلباسها ثوب صراع مذهبي – طائفي». يخاف لبنان لأنه أدرك أن الأنظمة المستهدفة قد تتمسك بحبال هذا التلوين الطائفي وأنها قد تجد طوق النجاة في التسعير الطائفي الغرائزي وفي شحذ الميول الفِطرية التي تنمو في بحيرات التخلف الفكري التي سهرت تلك الأنظمة على «عدم تجفيفها».
يخاف «لبنان النموذج» من أن يتحول العالم العربي إلى نموذجه الذي قاد إلى الحرب الأهلية. نموذج مبني على أديان ومذاهب متفرقة تجمعها مصالح ضيقة بعيدة عن مصلحة الوطن العليا: مصلحة كل دين وكل مذهب وكل مدرسة وكل تيار ولربما كل حي وشارع. يخاف لبنان أن يتحول الشرق الأوسط الجديد إلى «موزاييك إثني ديني مذهبي».
هذا الموزاييك تسعى له «الدولة العبرية» بقوة، هي التي تدعي «النموذج الديموقراطي في المنطقة»، لا تخجل في القرن الحادي العشرين من المطالبة بأن تكون «دولة اليهود». تخاف اسرائيل “الربيع العربي” الذي يأتي بالحريات والديموقراطية ويتخلص من الديكتاتوريات ويؤسس لنمو حديث لشعوب المنطقة، ولكنها لا تخاف من “ربيع عربي” يؤسس لتفرقة إثنية دينية مذهبية. اسرائيل تلوح علناً بخطر وصول الإسلاميين، ولكنها تعرف أن هذا التلوين الطائفي لصراعها يخدمها على المدى الطويل.
عندما تتحول المنطقة العربية إلى مناطق سنية تتقاطع فيها أقليات شيعية، قبطية، كاثوليكية، أرثوذوكسية، علوية، سيريانية، أو حوثية، تركب على قوالب إثنية عربية كردية أشورية تركمانية بربرية وأمازيغية أو دارفورية، لن تجد إسرائيل حرجاً في الحديث عن «شعب يهودي» يصطف داخل هذا الموزاييك، ينكب على دراسة تلويناته «الاستشراقيون الغربيون الجدد»، بعد أورث برنار لويس طروحاته لبرنار هنري ليفي.
يتم كل هذا قبل أن يطفئ “الربيع العربي” شمعته الأولى … فكيف الحال عندما «يهرم» هذا الربيع؟
لهذا السبب يرتجف لبنان خوفاً.