مصورون على جبهة القتال المصرية الداخلية
عاش ثلاثة مصورين مصريين لحظات رهيبة إبان تغطية عملية «اقتحام كرداسة» من قبل قوات الأمن المصرية. كتب أحدهم: “كنا نعتقد أنه أخفض رأسه مثلنا، لكننا فؤجنا به يمسك رأسه ويشير بإصبع السبابة اليمنى، ووجهه يزرق شيئا فشيئا، وقتها عرفنا أنه يموت” إنه يصف مقتل أحد القيادات الأمنية، اللواء نبيل فراج، الذي تم على بعذ خطوات من المصورين الثلاثة.
أحمد رمضان، أحد المصورين الثلاثة، الذين أمضوا ساعتين “تحت خط النار” ما بين توقع الموت وبين الخروج الآمن بصحبة صورهم التي تجسد حقيقة الأحداث، كما أرادوا لها أن تخرج إلى النور، يروي للأناضول تفاصيل اليوم، بقوله: “عرفت من المساء بخبر محاصرة كرداسة، وبناء عليه أخذت استعدادي بشحن معداتي وتحركت بالفعل الساعة الخامسة فجراً، بعدها بحوالي ساعة بدأت المدرعات في الظهور، فسِرنا وراءها، أنا وزملائي، ووصلنا عند الكوبري (الجسر) الرئيسي هناك، وقتها سمعنا طلقات نارية باتجاهنا، نحن والأمن، فتحركنا خطوات للأمام”.
وعن المشهد الذي بثه التلفزيون المصري الرسمي، بشأن مقتل القيادي الأمني بالداخلية، قال رمضان الذي يعمل مصورا بجريدة “التحرير” المصرية: “بعدها وصلنا للمكان الذي ظهرنا فيه على الشاشات، حيث وجدنا الدبابات تتحرك واللواء فراج يطلب منهم التحرك للأمام وبعد ثوان قليلة سمعنا طلقات نارية فانبطحنا أرضنا، ورأيت بعيني اللواء يسقط، ظننته نام مثلنا، سألناه أنت بخير؟ لكننا فؤجنا به يمسك رأسه ويشير بإصبع السبابة اليمنى، ووجهه يزرق شيئا فشيئا، وقتها عرفنا أنه يموت”.
يسكت أحمد برهة، يستعيد معها ذكرياته، ليكمل بعدها وعيونه تذرف دموعا: “كان زملاؤه يفحصون جسده ووجدوا دماءه غزيرة، صرخت لينجدوا الرجل، لكن للأسف لم يكن هناك أمل في نجاته، وهذا ما حملني أمانة أكبر أن أصوره حتى يعرف الحقيقة من هم خارجها”.
يتابع أحمد الذي قام بتغطية أحداث كثيرة منها فض اعتصام ميداني رابعة العدوية (شرق القاهرة) ونهضة مصر (غرب العاصمة) منتصف الشهر الماضي وحادث انفجار كنيسة القديسين بالاسكندرية مطلع عام 2011، “تابعنا عملنا بهدوء لم نعتاد بأنفسنا إذا كنا مازلنا تحت خط النار، ولم يكن متاحاً أن نتحرك بشكل جماعي أو حتى نقف حتى لا يتم رصدنا، بدأنا بالزحف، كل منا على قدميه.. كنا نمسك بأيدي بعضنا البعض ونذكر أنفسنا بالشهادة، حتى وصلنا للدبابة، لكن إطلاق الرصاص عاد مجددا لتجدد معه شهادتنا وقررنا وقتها أن نتحرك مع الدبابة بشكل منفرد”.
وعن تلك الأفكار التي راودته خلال الساعتين، يروى أحمد “كنت لا أفكر في شيء سوا أنني خلاص ميت.. زملائي كانوا يقولون بعد خروجنا، يا أحمد رأينا الموت، قلت لهم نحن متنا بالفعل وأحيانا الله من جديد، كنت لا أفكر في شيء سوى أنني أحمل هذه الكاميرا من أجل توصيل رسالة، فإذا مت فهذه إرادة الله، وإذا خرجت فلا يمكن أن أقول أنني خفت، ولم أوثق الحدث”.
محمد حسام الدين، المصور بوكالة الأناضول للأنباء، يقول “َتحركت للمكان حوالي الساعة السادسة فجرا، وبقيت هناك ساعتين كان ضرب النار فيهم عشوائي، سمعت صوت الرصاص مدوياً من كل اتجاه لكن أول طلقة أصابت اللواء، لم يخطر ببالي وقتها سوى النطق بالشهادة والاستغفار، وقلت لنفسي: لو مت سأموت وأنا أصور”.
حسام الذي بدى صاحب ثبات انفعالي عال، رغم أنه، بشهادة زملائه، كان الأقرب للموت، حيث أطلقت الرصاصة على اللواء عقب مروره من ذات المكان، قال “عندما رأيته يسقط كان يجب أن أوثق ما حدث، لم يخطر ببالي أبدا أن أختبأ، كل ما فعلته كي أحمي نفسى انتظرت ثواني ووجدت نفسي بعدها أؤدي واجبي باستكمال التصوير”.
وبشأن الصورة التي تداولها بعض النشطاء على الفيسبوك، وتسألوا عن سر وجود ثلاثة مصورين، في هذا المكان، في إشارة إلى إمكانية تواجدهم بالتنسيق مع قوات الأمن، علق حسام “هؤلاء لا يعرفون حقيقة ماذا حدث معنا، وأقول لهم سبب تواجدنا بهذا العدد في هذا المكان، أنه كان موقع الأحداث، واضطررنا للانبطاح أرضا فالضرب كان بشكل عشوائي وبعدها كنا نتحرك بشكل فردي ونصيبنا أوصلنا لهذا المكان، حتى نؤدي عملنا”.
حسام الذي كشف عن أن زميله علاء القمحاوي، المصور بجريدة “المصري اليوم” المصرية، هو من التقط صورته مع زملائه، وليس الضابط الذي ظهرت قدمه في الصورة حسبما أشاعت عدد من الصفحات على فيسبوك.
ورغم ما تعرض له حسام لكنه قال بحسم “مع أول حدث جديد، سأذهب لتأدية واجبي، رسالتي نقل الحقيقية، ولن أتخلى عنها مهما كلفني الأمر، ولو كان حياتي، فكله قضاء الله وقدره”.
أما كريم عبد الكريم، زميل رمضان وحسام، فقد بدى أن الحياة عنده توقفت عند مشهد مقتل اللواء، “كان يشاور لنا أن نأخذ احتياطاتنا، فأخذ هو الطلقة، ولم أستوعب وقتها لماذا أخفض رأسه وانبطح لكنى عرفت أنه استشهد بسرعة جدا، رأيته يتلقى الطلقة ثم سقط ولفظ أنفاسه سريعا، فالرصاصة صوبت جهته من ناحية المدرسة التي كانت في الوجهة المقابلة له، وليس من أي جهة أخرى، كنت أتابعه جيداً فالمسافة بيننا لم تتعد الثلاثة أمتار”.
عبد الكريم، الذي يعمل مصورا لدى جريدة “اليوم السابع” المصرية، يقول أن الساعتين كانوا من أخطر الساعات التي مرت عليه في حياته، ولا تقارن بلحظات فض اعتصام رابعة، مفسرا الأمر بقوله: “رأيت كثيرا مصابين وقتلى لكن لم أشعر بالقلق مثلما حدث اليوم، وتحديداً مع مقتل اللواء، لأنه كان من الممكن أن يكون أنا أو رمضان أو حسام”.
ويتابع عبد الكريم “الجهل أكثر ما ألمني، فالناس كادت تموت بسبب جهلهم حيث كانوا يقومون بفتح الشبابيك لمتابعة الأحداث، وكان من الممكن أن يطلق عليهم النار في أي لحظة لأنه لا أحد كان يعلم ما إذا كانوا أهالي أو قناصة على الأمن، لدرجة أنني كنت أقوم بعمل زوم (تقريب بالكاميرا ) على الشبابيك لأظهر للأمن أنهم أهالي عاديين، لأحميهم”.