رام الله (الفصل ١): الهجوم في الأمم المتحدة
يبدو أن رام الله تنتظر«غودو»، هكذا يلاحظ بشماتة أحد المعلقين. ما زالت مسائل الحياة اليومية هي الشغل الشاغل لأكثرية المواطنين، وكل المصاعب المرتبطة بفعل الاحتلال وتجميد السلطات الإسرائيلية من حين لآخر دفع الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية، إلى جانب ضآلة المساعدات المالية من قبل الدول العربية.
رغم كل هذا فإن مسألتين تحتلان اهتمام المثقفين الدائرين في فلك الحكومة والسلطة، وتملأ ضجتها المقاهي العابقة بدخان السجائر، وهما هجوم السلطة في الأمم المتحدة وتوحيد السلطتين في غزة ورام الله.
ولكن أين باتت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية؟ «في ٢٣ أيلول/سبتمبر طلبت الرباعية من الفلسطينيين والإسرائيليين أن يقدموا لها قبل ٢٦ كانون الثاني/يناير اقتراحات مكتوبة حول الحدود والأمن»، حسب قول دبلوماسي فلسطيني، الذي يضيف «لقد قدمنا المطلوب وننتظر من الطرف الإسرائيلي أن يفعل مثلنا، وحتى الآن فإنه لا يتحرك، ويكتفي بالقول إنه سوف يفعل في حال عودة مسار التفاوض». ويستطرد «نرفض مع الرباعية محاولة إضاعة الوقت هذه».
يمكن تلخيص المقترحات الفلسطينية بما يلي: حدود ١٩٦٧ مع تبادل للأراضي بنسبة ١،٩ في المئة، إلى جانب القبول بحضور مسلح دولي على الحدود مع إسرائيل وفي غور الأردن. بالطبع يوافق الفلسطينيون على عدم التحالف مع أي دولة معادية لاسرائيل، مع ضمان تجريد الدولة المقبلة من السلاح، مع إبقاء مستوى متواضع من تسليح قوات الأمن، كما هو الحال الآن. رغم إعلان السلطة استعدادها للعودة إلى المفاوضات شريطة وقف الاستيطان والاعتراف بحدود ١٩٦٧، فإن لا أحد هنا في رام الله يعتقد بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع حكومة بنامين نتنياهو. ومع ذلك يتفق الجميع على أنه من الصعب معرفة ما يدور في خلد الرئيس محمود عباس، الذي يحيط به فريق غير متجانس الأفكار من المستشارين، ما يترك تأثيراً على متابعة هذين الملفين.
لقد استعاد الرئيس عباس بعد خطابه في الأمم المتحدة بعض شعبيته. وأثارت نتيجة التصويت في اليونيسكو حماس المواطنين، رغم أنها بفعل «الصدفة» أكثر من كونها نتيجة لاستراتيجية مسبقة، كما أكد وزير خارجية السلطة، رياض المالكي، بقوله «إن الملف الفلسطيني يطرح في كل مؤتمرات اليونيسكو كل سنتين، وجاء هذه السنة ووسائل الإعلام تتناول هذا الملف بقوة. وبالتالي بدا لنا من الصعب التراجع». ما لا يقوله الوزير، هو أن محمود عباس، أراد تجنب التراجع في اليونيسكو، مثل التراجع الذي قام به في ملف لجنة غولدستون (راجع تقرير غولدستون ٦ تشرين الأول/أوكتوبر ٢٠٠٩) خشية من ردة فعل الرأي العام الفلسطيني. ويشرح أحد المثقفين قائلاً «لم يكن الرئيس مثله مثل كافة مسؤولي السلطة يحترم الرأي العام، ولكن الأمر تغيّر، وبات الرأي العام عاملاً سياسساً مهماً».
ولا تثير نتيجة التصويت هنا الكثير من الاغتباط رغم الـ ١٠٨ أصوات. ويقارن الجميع نسبياً بما حصلت عليه منظمة التحرير عام ١٩٧٤ في الأمم المتحدة أو بعدد الدول التي اعترفت بفلسطين وهي ١٣٠ دولة. ورغم تفسيرات وزارة الخارجية بأن عدداً من الدول “لأسباب تقنية” غابت عن التصويت، إلا أنها تعترف بقوة الضغوط الغربية.
هذه الضغوط أتت من جهات عدة، من الولايات المتحدة، من كاثرين أشتون (من دون أن نعرف باسم من كانت تتكلم؟): فقد هددت واشنطن مونتنيغرو بمنع حصولها على عضوية الحلف الأطلسي. أوتاوا أرسلت رسائل إلى كافة الدول الأعضاء تطالبها برفض الطلب الفلسطيني. آشتون هددت الدول الراغبة بعضوية الاتحاد الأوروبي مثل كرواتيا. أما ألمانيا فقد روجت معلومات تفيد بأن محمود عباس يعارض هذا التوجه في اليونيسكو.
باتت استراتيجية السلطة اليوم عدم التقدم لعضوية أي من المنظمات الدولية، ما عدا منظمة الصحة العالمية، حيث يدرج طلب العضوية بشكل أوتوماتيكي كل سنة. أما السبب فهو أن الولايات المتحدة أعلنت بأن ذلك يمكن أن يقود إلى قطع العلاقات بين السلطة والإدارة الأميركية من جهة، ومن جهة أخرى، يشرح لنا الوزير المالكي، «أن سكرتير عام الامم المتحدة بان كي مون قد ألح بعدم الاقدام على هذه الخطوة لأن النتائج المالية التي ستترتب على المنظمة الدولية ستكون كبيرة، وأنها كما حصل في اليونيسكو سوف تصيب الدول الفقيرة».
ويرى المالكي بأن العمل يجب أن يظل في مجلس الأمن، وخصوصاً أن عدداً من الدول الجديدة سوف تدخل المجلس مع مطلع السنة الجديدة. والوضعية ما زالت غير مستتبة وغير مضمونة إذ أن توغو وغواتيمالا واذربيدجان والمغرب وباكستان سوف تحل محل الغابون ونيجيريا وبوسنيا ولبنان والبرازيل.
ويقول الوزير «سوف نركز مجهودنا على بعض هذه الدول». وأعلن أنه سوف يقوم بجولة في أميركا اللاتينية حيث تحظى المنظمة بدعم واسع. ويؤكد «سوف ننتهي يوماً بالحصول على الأصوات التسعة». أما في حال استعمال واشنطن للفيتو «عندها نحن مستعدون للذهاب إلى محكمة العدل الدولية لسؤالها ما إذا كان يحق لدولة ما عضو في مجلس الأمن استعمال حق النقض للاعتراض على قبول عضو جديد، لأن هذا مخالف للقوانين المنظمة»، يشرح الوزير.
يقول مثقف «لقد وصلنا إلى أقصى ما يمكن الوصل إليه. لا نستطيع الذهاب بعيداً لأن محمود عباس يرفض عملية «كباش» مع واشنطن».
لنختصر الوضع المتناقض الذي أدخل عباس نفسه فيه: هو مهندس اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ ولا يستطيع التراجع عنه. ولا يريد في نفس الوقت، وهو في سن ٧٨ عاماً، أن ينهي حياته كخائن في «مزبلة التاريخ». ويقال إنه أجاب الأميركيين عندما طلبوا منه القبول بأن تدفع إسرائيل الأموال المحتجزة فقط لمسوؤلي الأمن: «لن أكون أنطوان لحد فلسطين»، في إشارة إلى العسكري اللبناني الذي قبل في الثمانينات التعاون مع المحتل الإسرائيلي.
إلا أن السلطة الفلسطينية ما زالت تؤمن بإمكانية تغيير في واشنطن قبل الانتخابات عام ٢٠١٢، وتشير إلى تصريحات وزير الدفاع ليون بانيتا، الذي سأل الاسرائيلين ما إذا كان التفوق العسكري يكفي «ما داموا يعزلون أنفسهم في الساحة الدبلوماسية؟».