اغتصاب نساء ليبيا
ترجمة «نصيرة بلامين»
خلال هذه الأشهر ألأخيرة حدثت ظاهرة جديدة في ليبيا لم يكن قبل ليحسب لها حسابا في بلد يسير على خطوات المازوشية الرجالية المتشددة بحلة الإسلام والمتشبثة بعادات وتقاليد متوارثة من قديم الأزل. لقد خرجت نساء في الشوارع لتفرض على السلطات وتطالبها بالاعتراف بجرائم الاغتصاب التي تعدّ بالآلاف والتي ارتكبت خلال الثورة. العديد من النساء والناشطات في منظمات والمتطوعات بمختلف أعمارهن رفعن لائحات خطت عليها شعارات من مثل: “لن نقبل بهذا أبدا”، وكذلك “على المؤسسات تعليم الأفراد بعدم الاغتصاب”، وشعارات “لا تغتصبوا” بدل “لا تجعلن أنفاسكن محل اغتصاب”.
كما اجتمعت مرات عديدة في طرابلس وسط ساحة الشهداء، والتي كان يطلق عليها سابقا بالساحة الخضراء تحت الأسوار التي ظهر فيها معمر القذافي يوم 25 فيفيري/شباط من عام 2011، بعيون شاخصة ملوحا بيده في الهواء تجاه أتباعه يحرضهم فيها بالغناء والرقص والقيام بكل ما يحلو لهم، وهذا ما تحذر له السكان وأدركوا على كونه تحريض على الاغتصاب بكل راحة وطمأنينة.
وقد قبعت الكثير منهن أمام مدخل البرلمان والمؤتمر الوطني العام حاملة نفس اللائحات ومرددة نفس الشعارات، وقد أجبرت البرلمانيين الخضوع لهن لاستقبالهن والنظر في مطالبهن ومعالجة مظالمهن. لقد تحدت تلك النسوة طابوه الحديث عن الاغتصاب والتمست من الدولة خرق حاجز الصمت، ذلك الصمت الذي كان الأداة الناجعة خلال حقبة معمر القذافي، كما طالبت السلطات الأخذ على عاتقهن مسؤولية كون جريمة الاغتصاب أداة حرب كانت تستعمل للاضطهاد، والاعتراف بمعاناة الكثير من الضحايا التي أجبرت على التستر والصموت، وكذا حمايتهن ومرافقتهن ومساعدتهن كضحايا حرب. وقد صرحت إحدى المناضلات أنّه لولا نشاطهن لظلت هذه المظلمة وجريمة الاغتصاب، هذه “الأداة المسمومة التي خلقها الطاغية القذافي تطارد أجيالا وأجيالا”.
جرأة تلك النسوة كانت فعلية ما دام موضوع التظلمات كان جدّ حساس، مما جعلت حكومة الوزير الأول الليبيرالي علي زيدان تستجيب لمطالبهن بحيث قامت خلال شهر جوان/حزيران الماضي بنصّ مشروع قانون يمكن أن يكون بادرة أولية على الساحة الدولية. نص القانون هذا الذي لا يمكن تصوره غداة نهاية الثورة منذ عامين، وقد أذهل العديد من المنظمات غير الحكومية التي لها دراية واسعة على الميدان ببرغماتيته وحداثته. هذا النص الذي يفترض أن يصوت عليه البرلمان الليبي تنتظره وتتحسبه الآلاف من الضحايا في ليبيا بل وكذلك في جميع أرجاء الشرق الأوسط.
وتقول القانونية الدولية “سيلين بارديت”، والتي عهد لها قبل العمل في المحكمة الدولية الجنائية في شأن أحداث يوغوسلافيا سابقا إنّ “هذه البادرة رائعة” في اقتراح نص قانون لضحايا الاغتصاب. وكان لسيلين بارديت أن عملت سابقا في قضايا العنف الجنسي المقترف في حق سكان البوسنة ولازالت تعمل في هذه الميادين حين قامت الثورات العربية، وأضافت أنّ: “النساء المغتصبات في هذه المناطق من العالم لاسيما سوريا ومصر ينتظرن هذا القانون على أمل أن ترفع إحداهن رأسها يوما ما وأن يعترف لهن بحقوقهن ومكانتهن في المجتمع”.
وكانت اللجنة القانونية للبرلمان قد وافقت على مشروع القانون هذا، إلاّ أنّ الحالة الفوضوية التي تشهدها البلاد والأحداث الأخيرة التي وقعت كاختطاف الوزير الأول واشتباكات بين المليشيات في قلب العاصمة طرابلس والعديد من الاغتيالات في شرق البلاد أدت إلى إحجام المنتخبين للنظر في هذه القضية كونها من الطابوهات الحساسة وتأجيل مناقشة مشروع النصّ القانوني. هذا الموقف أثار حنق العديد من المنظمات النسوية وكذا وزير العدل صلاح بشير المرغني الذّي قال إنّه “لأمر مستعجل بل هي مسألة حالة طوارئ، إنّ هذا القانون هو ضرورة حيوية لمستقبل ليبيا والمصالحة الوطنية، أقول هذا وأنا أزن تماما أقوالي”.
لقد ولت وانتهت فترة نكران ورفض مناقشة عمليات الاغتصاب التي ارتكبت خلال ثماني الأشهر الماضية من الثورة (أي ابتداءً من 17 فيفري إلى غاية 23 أكتوبر)، وأكد الوزير: “لدينا أدلة وأشرطة أفلام وشهود. بحوزتنا تسجيلات عن الوزير الأول خلال فترة معمر القذافي وهو يضحك مع زملائه ومعاونيه في إشارة إلى عمليات الاغتصاب التي ارتكبها رجاله”. ويوضح صلاح بشير المرغني أنّه: “بأمر من الطاغية قامت فرقات القذافي بعمليات اغتصاب واسعة. إنها حقيقة علينا استيعابها والتصدي لها حتى وإن كان هذا الأمر يرعبنا ويخل بتوازننا واستقرارنا. لدينا تجربة كبيرة بشأن مجازر وجرائم الدمّ، كل هذه العمليات نعلم جيدا كيف نتصرف معها إما بالتعويض أو المعاقبة، ولكن الاغتصاب هو أمر آخر”.
ويضيف وزير العدل: “إنّه أسوأ ما يكون من الاعتداءات، إنها قضية شرف تمس كيان العائلة بل القبيلة برمتها، إنها جريمة لا تغتفر أكثر منها من القتل، ولذا كانت جريمة الاغتصاب يتستر عليها، وهذا كان الدافع لعديد من الشابات للجوء إلى الانتحار وبعضهن تم قتلهن من طرف أقاربهن من الذكور وآخريات كتمن سرهن. ولا تزال عمليات الانتقام الدموية متواصلة ولا أحد يجرأ التحدث عنها”.
هناك مدن كمصراطة تكن الحقد تجاه مدن أخرى، لاسيما مدينة تاورغاء، حيث شيع عنها أنّها استضافت العديد من المغتصبين، ويشرح صلاح بشير المرغني أنّه: “للحدّ من دوامة العنف هذه واسترجاع حقوق تلك النساء الضحايا اللاتي يعانين الظلم أضعافا مضاعفة، لابدّ من قانون من شأنه أن يعترف بآلامهن ومنحهن رتبة ضحايا حرب وإعادة لهن كرامتهن وشرفهن”. النّص يخصّ أيضا “تلك النسوة اللاتي كنّ يجبرن على إرضاء شهوات معمر القذافي وأبنائه خلال فترة حكمه السوداء”. ويضم نصّ القانون على ضرورة منحهن معاشا شهريا، ورعاية طبية كفيلة، وعروضات للدراسة في ليبيا أو خارج الوطن وأن يكون لهن الأولوية في اعتلاء مناصب في المجال العمومي، والحصول على قروض عقارية أو شراء سيارة، وتقديم مساعدات في رفع دعاوى قضائية ضدّ المعتدين عليهن.
وقد اتخذت إجراءات عديدة لحماية الأطفال الذين ولدوا جراء الاغتصاب، وهم كثر، على الرغم من عمليات الإجهاض التي تمّ تشريعها استثنائيا خلال الحرب من قبل كبير المفتيين وكذا تسهيل إجراءات لتبني هؤلاء الأطفال. وأخيرا لا بدّ من إنشاء لجنة خاصة في العديد من المدن لإحصاء النساء المستفيدات من هذا القانون مع ضمان السرية المطلقة بخصوص المعلومات التي تم جمعها. يكفي القول أنّ هذا الأمر يعدّ قنبلة في الثقافة الليبية.
ومدركا بهشاشة الحكومة الحالية، يضيف وزير العدل صارخا: “لذا عليكم بمساعدتنا، وأنا جاد في مطلبي هذا، نحن بماسة الحاجة إلى دعم ومساندة من قبل المجتمع المدني للتصويت على مشروع نصّ القانون المقترح. وندعو جميع الناشطات والحركات النسوية، ومدافعات في مجال حقوق الإنسان للكتابة والتظاهر حتى يكون لهن وقعا وبالتالي يمكن لهن الضغط على البرلمان الليبي. نحن بأمس الحاجة إلى نساء متضامنات وبرلمانيين، إنّها الفرصة الوحيدة للمصالحة الوطنية”.
وكانت رئيسة البرلمان الإيطالي لاورا بولدريني أول من رحب بهذه المبادرة ومدّ يدّ المساعدة لليبيا. وكانت قد استضافت في 02 جويلية الماضي مؤتمرا في روما تحت عنوان “الحقيقة الضرورية” وكانت فرصة لنائب رئيس البرلمان الليبي جمعة أحمد عتيقة لطرح نصّ القانون والاستماع إلى شهادات وسط منتخبين إيطاليين، بحيث انذهلوا أمام العديد من الشهادات والتقارير التي تذكر بـ”المأساة الليبية”. لقد استمع الإيطاليون أولا إلى صوت رجل وإلى نبرة صوته التي توحي بالآلام والجروح التي تكمنها سريرته. وإلى رجل قام بتفتيش بيت للبحث عن ابنه تمّ اختطافه في بداية الثورة، حيث عثر عند سفح الدرج في الطابق السفلي على باب مدرعة كبيرة تخفي وراءها غرفة تعذيب: “كانت هناك أجهزة كهربائية وألياف حديدية وحبال متدلية في أعلى السقف. ورواق يؤدي إلى تواجد العديد من الزنزانات مفعمة بالمياه والبراز. الزنزانة الأولى كانت تخفي الكثير من نساء عاريات تماما، وفي الزنزانة الثانية مجموعة من الأطفال الصغار كذلك عراة أمّا في الثالثة كان يتواجد فيها رجال.”، الكل تمّ اغتصابهم حسب أقوالهم.
بعدها طلبت الرئيسة على إلقاء الظلام في الصالة للتمكن من الاستماع إلى شهادة امرأة كانت ملثمة وكان يبدو عليها الخوف وهي ترتعش كما أنها كانت مناضلة أثناء الثورة وقد تمّ اعتقالها في 20 من شهر جوان 2011 مع اثنين من رفقائها في جامعة طرابلس وتمّ اختطافها على متن سيارة 4/4 التي كان زجاجها معتم، وبعد مرور ثلاث ساعات من السير على متن السيارة والأعين معصبة تمّ استنطاقهن وهنّ مجردات من ثيابهن. وعندما صرحت صديقاتها أنهن عازبات تمّ إرسالهن إلى أحد الكتيبات وإلى حدّ الآن لا أحد يعرف عنهن شيئا.
وكانت المرأة الشابة متزوجة وتمّ نقلها إلى أحد السجون حيث قضت فيه شهرين عارية مثلها مثل 80 امرأة أخرى جردن من ثيابهن. وقد تمّ تعذيبها بشرارات كهربائية في جسمها وبحروقات وبجميع أنواع التعذيب الجنسي، كما كانت تغتصب باستمرار وأيديها مربوطة بحبال متدلية في السقف وقالت: “لا أحد يمكن أن يعيد لي ما فقدته لكن أريد أن يعترف بي كضحية حرب لا كمومس كان عليها ملازمة منزلها كما قال لي البعض, أريد أن تجري العدالة مجراها وإدانة ومحاكمة المعذبين والجلادين”.
المجلدون والمعذبون؟ التقينا بإحدهم في خلال شتاء 2012 في سجن مصراطة. شبان مغتصبون محبطين معنويا وبائسين البعض منهم كان يتحدث متعثرا في كلامه والدموع متحجرة في مقلتيه وهو يلتمس الاعتذارات عمّا حصل من عمليات الاغتصاب. وأخذ بعض جنود القذافي يصف كيف تمّ تموينهم بالكحول والحشيش ومن المخدرات و”حبوب مثيرة” للجنس وكيف تمّ إرسالهم بأمر من القذافي إلى بيوت لاغتصاب جميع النساء المتواجدات زيادة على ذلك كان يقومون بتصوير مراحل الاغتصابات باستخدام الهواتف النقالة وإرسالها إلى عائلات الضحايا المغتصبة وإلى أزواجهن وإخوانهن ليختلوا عقليا أو يلزموا داخل بيوتهم ولا يخرجون، ويضيف: “كانت الفتيات تستغيث وتصرخ وتتوسل إلينا ناشدين رحمة أبائنا، لكني كنت مهددا بالقتل بالمسدس إن لم أقم باغتصابهن… أرجوكم لا تحدثوا بهذا الأمر لوالدتي، إن علمت بالأمر ستموت، أنا حاليا أقرأ القرآن وأصلي ليلا نهارا.”.
وقد تمّ توقيف المئات منهم وإيداعهم في سجون غير مراقبة من طرف الدولة وهم يتعرضون بشكل مداوم للتعذيب وهذا “غير مقبول” يقول الوزير فالسلطة الليبية يجب أن تولي الأهمية إلى أصحاب الأمر بالاغتصاب وهو سيف الإسلام، ابن القذافي، ووزيره الأول ورئيس المخابرات وجنرالاته ويؤكد الوزير: “يجب أن نولي اهتمامنا بهذا الأمر بسرعة”، ولهذا عوّل في سبتمبر الماضي عرض مشروع نص القانون في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكأنّه شعر أنّه بدون دعم الغرب سينفلت مشروع القانون ويقع في فوضى الحالة الليبية الراهنة.
(لوموند فرنسا ١٥ ت٢/نوفمبر ٢٠١٣)