مهرجان العرس الشرقي في باريس
يفتح مهرجان العرس العربي أبوابه اليوم السبت في ١٦ويدوم إلى غد الأحد في ١٧ ت٢/نوفمبر. وقد تحول إلى مهرجان عربي إسلامي سنوي في قلب باريس يرتاده أكثر من خمسة وعشرين ألف زائر في اليوم. «برس نت» زارت المعرض وعادت بالريبورتاج التالي.
باريس – «برس نت»
تتزركش للدورة السابعة على التوالي، فضاءات “لافييت” الكبرى شمال باريس؛ ذات المعمار الخرافي الذي صممه مهندس برج أيفل الشهير، بألوان “قوس قزح”، وأضواء الأعراس العربية الدافئة التي يأتي بها كل خريف إلى عاصمة النور “مهرجان العرس الشرقي في باريس”. الموعد الذي أخذ يتأكد كأحد أهم مراكز الجذب الثقافي الفرنسي والعالمي في هذه المدينة الحبلى بألف ألف موعد وتظاهرة.. وذلك وفق تقديمه لأفق حضاري جديد؛ يحتفل بالثقافة العربية الإسلامية في قلب ذاكرة المهجر، ويقدم لرمز “إنساني” نوعي من عمق هذه الثقافة، يبلور قيم البهجة والتكافل الاجتماعي والانفتاح على الآخر التي تستند إليها. كما صار في نفس الوقت يمثل ركيزة لها أهميتها الخاصة في حياة شباب المهجر من مسلمي فرنسا الذين يشكلون ما يفوق العشرة في المائة من سكان البلد، وحيث يشكل الاسلام الدين الثاني مباشرة بعد الكاثوليكية. هولاء الذين يجدون في رحاب هذا المهرجان صدى لمختلف إنتظاراتهم المتعلقة بثقافة الأفراح وطقوس الزواج، وفق تقاليد تعود بجذورها إلى قلب ثقافتهم الأم.
حول هذا المعنى تشرح السيدة زبيدة شرقي مديرة المهرجان: “لقد جاءت فكرة مهرجان العرس الشرقي في باريس كاستجابة لحاجة اصبحت مع الزمن على درجة من الإلحاح لجيل كامل من الشباب من الأصول العربية والإسلامية، أو الشرقية بشكل عام، المقبل على الزواج في فرنسا. والذين يرغبون في الاحتفال بهذا الحدث الجوهري في حياة الإنسان بطريقة تقليدية تستمد معالمها من ثقافة الأهل وذاكرة الثقافة الأم. وذلك بتوفير كل ما قد يحتاجونه في هذا السياق وفق نفس الشروط التي تتوفر للراغبين في الزواج من الفرنسيين الآخرين؛ والذين يجدون أمامهم عبر مختلف الصالونات أو المعارض والتظاهرات ما قد يحتاجونه. حيث إن الدراسة الميدانية التي سبقت فكرتنا في هذا الصدد قد أثبتت إن الشباب الفرنسي ذوي الأصول العربية يتجه بشكل جوهري للاحتفال بزواجه على الطريقة التقليدية التي تستند إليها ذاكرته الثقافية وهويته الحضارية. أي إن الشاب المسلم؛ رغم ترعرعه في الوسط الثقافي الفرنسي، كفرنسي الثقافة والهوية الوطنية، لكنه يظل يرتبط وفق ذاكرة حضارية متجذرة فيما يورثه إياه الوالدان في تربة الحضارة الأم، والثقافة الأصل”.
وتواصل شارحة: “بحيث صار شباب المهجر، إن صح التعبير، يسعون اليوم- عكس ما كان عليه الجيل السابق من المهاجرين- للإحتفال بالزواج على الطريقة التقليدية التي كانت تتم في أرض ثقافتهم الأم. وهنا يتحول البحث، بالنسبة للعديد منهم عن أين يمكن أن يجد الملابس التقليدية، أو أين يجد الحلويات التقليدية، أو من يعزف الموسيقى أو كيف تتم طقوس العرس …. وخلاف ذلك من الأسئلة العملية والحضارية، إلى مهمة شاقة قد تأخذ من كل عروسين شهورا وربما سنوات. وقد يضطر هولاء لاستيراد ما قد يحتاجونه من البلدان العربية بكل ما يكلف ذلك من مصاريف، أو لإقامة حفل زواج آخر في البلد الأم. ومقابل هذا يوجد من يقوم ويقدم كل هذه الخدمات في فرنسا، والذي يكون في أغلب الأحيان عاطلا عن العمل لأن الطلب لا يصل إليه… وفكرتنا في البداية قد نهضت للربط بين كل هذه الاطراف والجمع بينها في رقعة مشتركة تؤسس لبداية التواصل المعني”.
وتستطرد:”من جهة أخرى أردنا تطريز الحدث بخلفية ثقافية تقدم لطقوس الأفراح في الثقافة العربية الإسلامية؛ وذلك بشكل مواكب ومتمم قد تستهوي على السواء الزائر العربي أو الزائر الفرنسي، حيث كنا نتوقع أن تجذب المناسبة عددا لابأس به من الزوار من مختلف الانتماءات. غير إن مفاجأتنا كانت كبيرة، عندما اكتشفنا أننا لا نستجيب لحاجة عملية ثقافية ونفسية عند أجيال المهجر، ولكن أيضا لعطش معرفي وثقافي من طرف الزائر الفرنسي. فقد تحولت التظاهرة إلى عرس عربي إسلامي سنوي في قلب باريس يرتاده أكثر من خمس وعشرين ألف زائر في اليوم؛ وهو رقم استثنائي بالنسبة للصالونات المتخصصة. والتي تقدم في نفس الوقت البعد العملي ولكن وبصورة أعمق البعد الثقافي وطقوس الأعراس العربية”.
وتضيف مديرة المهرجان: “من ناحية أخرى نجد إن إعداد المتزوجين الذين يبحثون عن هذا البعد التقليدي لأعراسهم، قد أخذ في الازدياد في الفترة الأخيرة بشكل لافت. حيث نجد نسبة 35% من مجموع الـ240 ألف زواج سنوي في فرنسا، هي لشباب فرنسي من أصول عربية إسلامية؛ (وهذا غير الزواج المختلط)، والذين صاروا في مجملهم يسعون للتأكيد على حاجاتهم الحضارية الخاصة فيما يتعلق وطقوس الزواج والاحتفال به. والجديد أيضا إن شباب الجيلين الثاني والثالث قد استقلوا بأنفسهم ماديا، ولم يعودوا يدورون في فلك العائلة كما كان يحدث مع اجيال الهجرة القديمة، حيث كانت الأسرة تتكفل بكل شيء وتفرض شروطها بطريقة أو أخرى. (وهذا لا يشمل الزواج المختلط الذي يدخل في دائرة مختلفة وتحتل فيه مساحة الثقافة العربية زاوية مهمة بطبيعة الحال). هذا الجيل الجديد الذي يكون قد وصل مرحلة الزواج، بعد أن يكون قد كون نفسه ماديا، صار قادرا على أن يختار بنفسه ما يريد.. ووفق أي طقوس أو وسيلة، وإلى اين يريد أن يتجه لقضاء شهر العسل وخلافه.
دبي الوجهة الأولى لقضاء شهر العسل لدى الشباب الفرنسي
من بين النتائج التي أسفرت عنها الدراسة الميدانية التي تبلورت بعد ظهور مهرجان العرس الشرقي في باريس، أن التأثيرات المباشرة لجيل المهجر على المشهد الثقافي العام في البلد، قد أنعكست أيضا على نمط الأعراس وأجوائها أو مواعيدها المهمة. من ذلك أختيار الأماكن التي يتم فيها قضاء شهر العسل. حيث أثبتت الدراسة أن دبي تحضى بالمرتبة الأولى، تليها المغرب أو تونس ومصر…. وبعض البلدان الشرقية. مما يعكس تأثيرات ثقافة “ألف ليلية وليلة” على هذه الأبعاد ذات الأهمية الكبرى في حياة كل مقدم على الزواج. تشرح السيدة زبيدة شرقي بهذا الخصوص:” هذا الأمر يعكس حاجة وجودية ملحة للتأكيد على الذاكرة وعلى الهوية العربية الإسلامية لدى هذا الجيل. أي أننا هنا نقابل طلبا جديدا يبحث عن الذاكرة والهوية ونستجيب له وفق هذه التظاهرة السنوية التي تختصر أمام المعنيين مسافات الخيار في رقعة واحدة، قادرة على أن تقدم في نفس الوقت دعما اقتصاديا له دلالته يدعم البعد الحضاري الذي تنشده هذه الأجيال”.
وحول البعد الآخر الذي يميز تظاهرة هذا العام تقول السيدة زبيدة شرقي:
“ما يميز عروض هذا العام بصورة خاصة هو التركيز على ثقافة “الزينة” أو المكياج العربي الأصيل، الذي صار يلهم اليوم مصممي الغرب، ويزركش عروض الأزياء الكبرى هنا في عواصم الشمال. وستكون علامة عالمية مسجلة وهي (شارمل/باريس) من الكويت، في قلب العروض. حيث سيكون من شأنها أن تعطي صورة مضئية عن جماليات الزينة العربية التي تدور حولها ثقافة العرس الشرقي. ثمة زاوية مهمة أخرى في مهرجان هذا العام والمتمثلة في الجناح الذي خصصناه في واجهة قاعة العروض، للمبدعين العرب في مجال الأزياء وأكسسوارات الأفراح. وذلك للتأكيد على قدرة الفضاء العربي الإسلامي، ورغم كل الظروف، على المساهمة بحيوية خلاقة في تطريز فسيفساء الإبداع عبر العالم. وإن الثقافة الإسلامية لا تقف أمام الإبداع، ولا تعترض حيويته كما تروج له بعض الإدعاءات الباطلة. والتي تحاول في الغرب تصوير الإسلام وكأنه يمنع أو يعترض على مثل هذا النوع من العمل الفني والإبداعي خاصة في مجال الأزياء”.
وتواصل: “حيث لا يخفى إن ثمة صورة نمطية متعسفة صارت تنشر عن المرأة المسلمة، أو عن علاقة المجتمعات العربية بأزياء المرأة بشكل خاص. والتي تقدم فيها باعتبارها غير قادرة على ارتداء إي زي جميل، وإنها لا تعرف غير التخفي الكامل خلف البرقع أو الملايات السوداء التي لا تعبر عن إي جمالية للزي.
حيث نسعى هنا من خلال تقديم عروض الأزياء الراقية لعدد من المبدعين والمبدعات العرب من مختلف البلدان العربية، لتقديم صورة مناهضة ومؤكدة على جمالية الإبداع العربي في هذا المجال، وحيوية التعامل مع كل ما هو جميل وراق من طرف المرأة العربية، ومهما كان الزي الخارجي الذي تختار أن تخرج به للشارع”.
وتعرج مديرة المهرجان للتطرق لزاوية أخرى في هذا الموعد، تشدد على التقاسم والتكافل والإحساس بالآخر، وهي القيم التي تنهض عليها الثقافة الإسلامية، والتي تشكل ركيزة بذاته في ثقافة الإحتفال بالزواج في الإسلام. حيث يعني العرس العربي دعوة كل الأحباب للمشاركة في فرحة العرس، ومائدته..وطقوسه؛ وبالتالي أن يتقاسم الجميع كل ما هو جميل ورائع”.
“لذلك، تواصل السيدة زبيدة شرقي شارحة، كنا قد حرصنا ونحن نسعى لتقديم الثقافة العربية والإسلامية في أوربا عبر هذا المهرجان، أن نركز على هذا الجانب.. وقد اختار المشاركون في هذه الدورة السابعة أن يمنحوا قطعة مختارة من منتوجهم؛ لكي يباع في حفل خيري يعود ريعه لصندوق خصص لدعم اسر شهداء الثورات العربية، ومساندة النساء العربيات اللاتي تضررن من حروب الطغاة القذرة ضد شعوبها”.
وتختم زبيدة شرقي مديرة المهرجان بخصوص موعد هذا العام:” أنه المهرجان السابع، مثل سبع سموات وسبعة أيام ..هذا الرقم الذي يؤسس “للدائرة الكاملة” التي تتربع على عرش أحساسنا بالكمال في قلب ثقافتنا العربية/ الأسلامية. وهو ما يجعلني على قدر كبير من الأمل والتفائل في تحقيق نجاح نوعي، يليق بهذه الثقافة العريقة؛ التي ننهض للإحتفاء بها في محافل الغرب الصعبة المراس.”