أوباما لن يجافيه النوم
نجاة شرف الدين
صحيح أن الفارق الزمني بين التوقيت في جنيف والتوقيت في واشنطن ، يسمح للرئيس الأميركي بالبقاء صاحيا حتى بعيد موعد التوقيع على الإتفاق النووي الإيراني بين الدول الست الكبرى وإيران ( الثالثة فجرا بتوقيت جنيف والثامنة مساء بتوقيت واشنطن ) ، إلا أن أوباما وبعدما أعلن بعد دقائق من التوقيع عن الإنجاز ، إستطاع أن ينام ملء جفونه تلك الليلة. فالتوقيع الذي نجح الرئيس الأميركي بالحصول عليه عبر وزيره جون كيري ، أحدث عاصفة من ردود الفعل ، ولو كان متوقعا من البعض ، منهم المرحب والداعم ومنهم الرافض والمستاء ، ومنهم من ينتظر الأفعال وليس الأقوال حتى ولو كانت موقعة.
كثيرة هي التحاليل والمقالات والنقاشات التي ضجت بها وسائل الإعلام في العالم في قراءة هذا التوقيع وإنعكاساته على المنطقة بأسرها وعلى المستوى السياسي والإقتصادي ، وهي ركزت على رد الفعل الإسرائيلي بالدرجة الأولى ، والذي عبر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو برفضه الإتفاق والذي كان يطمح بضربة عسكرية والتقى بذلك أيضا مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين الذين إعتبروا ما حصل ” خطأ تاريخيا ” على الرغم من التوضيحات والتطمينات الأميركية التي أرسلت هاتفيا وعبر اللقاءات بشأن ضمان أمن إسرائيل . الموقف الاسرائيلي المستاء من الإتفاق لم يكن وحده ، فقد صدر موقف أولي متشدد من الجانب السعودي عبر مجلس الشورى ، الذي رأى أن “النوم سيجافي سكان الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي الذي أبرم بين القوى العالمية وإيران”وأعرب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي عبدالله العسكر عن خشيته من “أن تكون إيران ستتخلى عن شيء مقابل شيء آخر من القوى الكبرى على صعيد السياسة الإقليمية”، مضيفاً “أشعر بالقلق بشأن إتاحة مساحة أكبر لإيران أو إطلاق يدها أكثر في المنطقة” واصفا أجندتها في المنطقة ب ” القبيحة “.إلا أن هذا الموقف السعودي عاد ليترطب من خلال موقف الحكومة التي رحبت ولو بحذر بالإتفاق النووي معتبرة في بيان في ختام اجتماعها الأسبوعي ” إذا توفرت حسن النوايا فيمكن أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أولية في اتجاه التوصل لحل شامل للبرنامج النووي الإيراني”.
الإتفاق الذي وصفه البعض بالتاريخي ، خاصة أنه يأتي بعد ثلاثة وثلاثين عاما من الانقطاع بين أميركا وإيران ، شكل إنجازا جديدا يضاف الى سجل الرئيس أوباما ألذي كان إفتتح التواصل عبر المكالمة الهاتفية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ،والتي كسرت الجليد الشكلي بين الرجلين ، كما ستشكل فيما لو إكتملت بعد ستة أشهر تحولا كبيرا في السياسة الأميركية تجاه المنطقة.
أوباما ألذي يقارع منافسيه الجمهوريين في الكونغرس من أجل عدم وضع عقوبات جديدة على إيران ، أحدث خرقا ، إذا ما نجح في مرحلة الإختبار وتم إستكماله ، سيكون بعده من الصعب على أخصامه إتهامه بالضعف والتردد ، فهو إستطاع أن يحقق إيقاف البرنامج النووي ذي الأهداف العسكرية من دون الخوض في حرب قد ينتج عنها تداعيات غير محسوبة ، وهو أيضا كان قد سبق وأنجز إتفاقا بشأن الأسلحة الكيميائية في سوريا ومن دون توجيه ضربة عسكرية .
كثيرون إنتقدوا أداء أول رئيس أسود وصل الى سدة الرئاسة ، وكثيرون تحدثوا عن موقفه المتردد وغير الحاسم ، وكثيرون يعتبرون أنه من أسوأ الرؤساء ، إلا أنه وفي جولة سريعة على بعض المحطات التي ركز عليها في السياسة الخارجية والداخلية ، يمكن القول إنه حقق العديد من الإنجازات الأساسية بالنسبة للشعب الأميركي ، كما إعتمد سياسة الإنفتاح والدعوة الى الحوار والسلام بدل الحرب ، وهو الحائز في سنته الأولى على جائزة نوبل للسلام .
واجه أوباما مع بداية عهده الأزمة الإقتصادية العالمية والتي كان السبب الأساس لها سياسات سلفه جورج دبليو بوش الحربية ، واستطاع أن يعيد لأميركا عافيتها الاقتصادية عبر تراجع معدل البطالة الى 7.3 بالمئة ، ودخول برنامجه الصحي موضع التنفيذ ولو عبر مشاكل تقنية ، وفي المقابل إستمر بحربه على الإرهاب لا سيما خارج أرضه عبر عمليات سرية وهو قتل أسامة بن لادن وأخرج قواته من العراق ويستعد لإخراجهم من أفغانستان .
في مواجهته الأخيرة مع الجمهوريين بشأن إقرار الموازنة ،صحيح أن أوباما لم يخرج بطلا لكنه بدا حازما ولم يتراجع تحت ضغط إغلاق الدولة ، وهو مع ولايته الثانية المترافقة مع هجوم جمهوري واسع على سياساته ، لا يزال يتمتع بأغلبية شعبية تمنحه دعما في مواقفه إضافة الى الكاريزما والهدوء اللذين يتمتع بهما ، ليكمل سياسة القضم من خلال خطوات التفافية لتمرير مشاريعه بعيدا عن المواجهة المباشرة على الطريقة البوشية ، واليوم ومع توقيع الإتفاق الإيراني ، والذي أحدث إرتياحا في الأسواق المالية العالمية ، والذي منح حق التخصيب لإيران بنسبة لا تتجاوز الخمسة في المئة وهو ما إعتبرته إيران إنجازا ، وسمح بالتفتيش الدائم وجمد العمل في محطة آراك وهو ما إعتبرته دول الغرب إنجازا مقابلا ، أجمعت المواقف على الترحيب عالميا ، وأطلقت الدعوات لمراقبة مرحلة الإختبار لستة أشهر قبيل التوقيع النهائي ، وحدها إسرائيل بقيت تحلم بالضربة ، أما أوباما الذي حقق إنجازا دبلوماسيا بمختلف المقاييس ، فلن يجافيه النوم ، على الأقل للستة أشهر المقبلة..