خطة سرية أوروبية لضبط ليبيا
نصيرة بلامين
كشف موقع «ميديا بارت» أن دول الإتحاد الأوروبي استثمرت مئات الملايين من الأورو لتعزيز الحدود الليبية خشية تأزم الوضع مع عدم استقرار البلاد والحدّ من تحفيز الهجرات إلى أوروبا.
وقد تمكنت “ميديا بارت”من الحصول على تقرير سريّ من قبل مصدر دبلوماسي في أوروبي في بلجيكا بروكسل، وقد احتوى التقرير بالتفصيل مجموعة الإجراءات المتخذة لـ«تأمين» ليبيا. فالقطاع الأمني الخاص منهار وهو قيد إعادة التنظيم. ومؤسسات الدولة هي في حالة تقهقر، كما هناك منافسة بين مختلف المجموعات المسلحة، وهشاشة وضعية الحدود إلى جانب وتهريب السلع والمتاجرة غير القانونية، كلّ هذه الأوضاع كانت حافزاً لأعضاء الإتحاد الأوروبي للانشغال بالحالة المتدهورة والمقلقة التّي تسود ليبيا منذ سقوط معمر القذافي.
وقد استثمرت دول الإتحاد الملايين من اليورو في محاولة تجنيب المنطقة من الاضطرابات السياسية وغيرها. أمّا فيما يتعلق بموضوع الهجرة ومنعها لألا تصل إلى السواحل الأوروبية فهي تحاول سدّها تماما.
وقد اطلعت «ميديا بارت» تقريرا حصرياً وضع من قبل اللجنة الأوروبية للشؤون الخارجية، وكذا السلك الدبلوماسي للإتحاد الأوروبي والذّي تمثله البريطانية كاثرين أشتون، ويضمّ مختلف النشاطات والإجراءات المتخذة والمتعهدة لها لـ”«تأمين البلد».
ويتبين من هذا التقرير أن الأشخاص الفارين من الحرب أو الفقر، يعتبرون عناصر لا يؤتمن لها ومخلة للأمن مثلهم مثل نشاطات تهريب الأسلحة أو المخدرات. ففي الوقت الذّي أثارت قضية غرقى لامبيدوسا مشاعر رؤساء وحكام أوروبا، فهم يعملون حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لبعثة «أوبام» التّي تنحصر أهم مهامها في تعزيز الحدود الخارجية لليبيا –القوات البحرية شمالا على بعد 1800 كلم، القوات البرية جنوبا، شرقا وغربا على بعد 4000 كلم وكذا القوات الجوية-. كما يتمّ تحضير دورات تدريبية لقوات الأمن –من الشرطة والجيش- على نطاق واسع فضلا على تقديم المشورة في شراء معدات المراقبة الإلكترونية.
وفي إطار تجسيد العلاقات الثنائية، تظهر فرنسا وإيطاليا من بين الدول الأوروبية المساعدة، فروما اقترحت تزويد ليبيا بمختلف المعدات من السفن والقوارب وسيارات رباعية الدفع وأجهزة كشف المعادن وأجهزة التحكم الإلكترونية.
ومع تصاعد العنف في المنطقة التي أسفرت على مقتل ٤٠ ليبيا وجرح الآلاف من المواطنين يبدو أنّ بعثة “أوبام” لا تهتم بهذا الشق الداخلي للصراع حسب اللجنة الأوروبية للشؤون الخارجية.
التقرير الذّي تمّ تدوينه في 18 نيسان/ابريل 2012 والذّي يحتوي على أكثر من ٢٠٠ صفحة –في النسخة الإنجليزية يمكن الإطلاع عليه- والتّي حاولت دبلوماسية بروكسل الحفاظ على سريته لأنّه يحتوي على معلومات استراتجية من شأنها “المساس بمصالح الإتحاد الأوروبي أو واحد أو أكثر من بلدان الإتحاد” حسب التعبير الرّسمي. ويعرض التقرير الحالة الفوضوية التّي تعيشها البلاد. فهناك ما لا يقل عن ٢٤٠ ألف من المقاتلين السابقين ينتظرون نوعا من “المكافأة” لمساهمتهم في الإطاح بالنّظام السابق، كذلك هناك ٢٠٠ ألف لعبوا دورا حاسما، لكن الكلّ ينتظر اندماجه في قوات الأمن الحالية. كما أنّ بعض الفرق أعربت عن طموحات سياسية وتريد أن يكون لها شأن ودور في مستقبل البلاد وترفض وضع الأسلحة.
ويؤكد واضعو التّقرير أنّ: «الحكومة ضعيفة وهشة في ليبيا» ووضعية الحدود متقهقرة. وبعد إجاء تحقيقات على الأرض في 01 مارس إلى غاية 31 ماي 2012، عادت السلطات الأوروبيةواقتعت بأنّ الموظفين لمراقبة الحدود سواء كانوا من الشرطة أو من الجيش أكانوا ينتمون إلى كتائب ثورية أو فرق مسلحة محلية على حد سواء غير مؤهلين وليست لديهم دراية بالقوانين المعمول بها وضرورة تطبيقها.
وزيادة على ذلك، فعمليات المراقبة غير متناسقة، والقيادة المركزية لا تمارس أيّ سلطة على جنودها المتمركزين، كما أنّ الهياكل البنيوية قديمة جدا وأخرى منعدمة تماما. إذ هناك ٤ آلاف من حرس الحدود -وهم تحت إشراف وزارة الداخلية- لديهم مهمة “مكافحة الهجرة غير الشرعية” ٦٣٠٠ من الجمارك –التابعين إلى وزارة المالية- من المفترض أن تعهد لهم مسؤولية “مكافحة التهريب”.
واستثناءا من نقطتي عبور: مصر وتونس، فإنّ غالبية مناطق العبور غير مجهزة، فقط ٤ مناطق تمّ تزويدها بالماسحات الضوئية –السكانير- ولكنها من نوعية رديئة. كما تنقص الهياكل والأجهزة للكشف عن المخدرات والأسلحة.
ويلاحظ أيضا خلل في تنظيم ٩ آلاف حارس متمركز –التابعين إلى وزارة الدّفاع- سلك أنشأ مؤخرا لدعم “عمليات الاستقرار العسكري” وحراسة المناطق على بعد ٥٠ كلم من الحدود.
ويشير التقرير إلى أنّه في جنوب غرب البلاد، تسيطر عليها فرق من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي –أكمي-. أمّا قوات البحرية فيبدو عليها من الحرفية أحسن بكثير مع ٦٥٠٠ رجل، حتى وإن كانت مهمتها “محدودة جدا” بالنظر إلى ٨٠ موقعا تعتبر بوابات للمهاجرين وغياب الردار لمراقبة السواحل. وتتسع عمليات المراقبة إلى ثلاثة أميال بحرية قبالة الشاطئ، الموقع مجهز بأربعة من زوارق دورية والعديد من “القوارب الصغيرة” معظمها “متهرئ وغير صالحة للاستعمال”، وأيضا طائرة ومروحتين “بحاجة إلى صيانة”.
إنّ هذه الهياكل ليست من شأنها منع المهاجرين واللحاق بأوروبا عن طريق مالطا أو إيطاليا: ففي 2013 كشفت وكالة مراقبة الحدود “فرونتاكس” على ٣٢ ألف شخصا أصولهم من القرن الإفريقي أقلعوا من ليبيا أو تونس. وتوالت وازدادت الرحلات بعد الاضطرابات السياسية التي عرفتها البلدان الواقعة في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط عام 2011. خوفا من الهشاشة السياسية والمزيد من حركات المهاجرين، وكان ردّ الأوروبيين سريعا. فبعد نهاية التدخل العسكري تحت رعاية الحلف الأطلسي، كان من اللازم “مساعدة” ليبيا وتأمين “إدارة كامل حدودها”. ففي سبتمبر 2011 وعلى هامش اجتماع في باريس، اتفقت الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي على تقاسم المهامات فيما يخصّ الحدود والأمن والاقتصاد والمالية العامة والمجتمع المدني. وفي اجتماع عقد في باريس في شهر فيفري 2013 تمّ التأكيد على هذه النقطة.
وتعدّ الأموال المخصصة لتأمين ليبيا هامة جدا، بحيث قدرت اللجنة الأوروبية للشؤون الخاريجية مبلغ 95 مليون يورو خصصها الإتحاد الأوروبي لليبيا خاصة في مجال الأمن وتسيير المهاجرين وكذا في إطار سياسة “الجوار” و”الاستقرار” و”التطور”. ومن المقرر أن تضاف ٢٥ مليون يورو خلال الفصل الثاني من هذا العام، كما تعهدت “أوبام ليبيا” ميزانية ٣٠،٣ مليون يورو سنويا. ويصف التقرير بدقة أولويات هذه البعثة والتي من الواجب أن تكون فعالة والمتمثل نشاطها في تحديد الاحتياجات الملحة في مجال الأمن الحدودي، وتقديم مشورات للسلطات في اقتناء المعدات والتدريب على استعمالها، وتكوين فرق من الشرطة والجيش ومن الدمارك المكلفة بمراقبة الحدود، والعمل مع الاستخبارات الليبية وتحسين أداء تركيبات القيادة والتعاون مع الدول المجاورة. ومن يدري “ربما غدا، أوروبا لن تكون أوروبية”.
وتتكون هذه البعثة من ٤٠ شخصا وهي متمركزة في طرابلس وبدأت أشغالها في شهر ماي 2013، ومن المقرر أن تدوم سنتين وأن ينخرط فيها ١١١ عضوا. وقد تباطأت مهامها بسبب الاضطرابات العديدة التي تعرفها المنطقة، ففريق البعثة يتجنب السفر خارج العاصمة كما أنّ أعضائها يعملون ويسكونون في فندق كورينتيا في نفس المكان حيث تمّ اختطاف مؤخرا الوزير الأول الليبي.
ونظرا إلى هذه المخاطر يتحاشى جلب عائلات الموظفين. ويكمن الهدف على مدى متوسط الذهاب إلى الجنوب “لمساندة” قوات الأمن التي تجوب المناطق الساحلية والتي هي تحت سيطرة قبائل التبو والطوارق.
ويؤكد مصدر أوروبي أنّه “مع اختطاف الوزير الأول، الوضع متوتر، لكن البعثة متواجدة ولا يعاد النظر فيها”. وبدأ التدريب في المطار الدولي لطرابلس لتحسين مراقبة الهوية والجمارك، ويساعد الضباط المكلفين بقضايا الهجرة والأمن خبراء أوروبيون لإعادة تركيبة القيادة، ويستفيد رؤساء الإدارات بندوات في “الإدارة المدمجة للحدود”. ويشير المصدر: “نحن لا نقوم بتزويد المعدات، صحيح أنّ الليبيين يطلبون ذلك لكننا لا نريد انتهاج هذا المسار”.
ومن المقرر تواجد بعض البوادر لتشجيع السلطات للأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان أثناء القيام بالإجراءات، لكن النهج العام في تسيير البلاد والمتمثل في الجيش والأمن بسبب عمليات القبض على مهربين ومهاجرين “غير شرعيين” تعتبر هي الأولوية. وفي هذا المظمار، تكون مهام “أوبام” مكملة لمهام “فرونتاكس” –التي خصصت ٨٩ يورو في 2012- ومهام “أورو سور” –التي خصصت ٢٤٤ مليون يورو خلال 2014 و2020- وهو الجهاز الجديد لمراقبة الحدود. كلّ على طريقتها، فإن الأجهزة الثلاثة ترمي إلى تشديد المراقبة.
وفي إطار العلاقات الثنائية، اتخذت العديد من الدول نصيبها في هذا المشبك: إيطاليا لأسباب تاريخية –المتمثلة في تاريخ الاستعمار- وجغرافية الناشئة عن القرب وقد خصصت 280 مليون يورو على مدى سنة متكاملة، بالإضافة إلى شراء معدات واقتراح تكوينات ضرورية لمعرفة كيفية استعمالها وصيانتها، ويعتزم البلاد على استعادة دوريات بحرية ليبية للمساعدة في “تسيير وإدارة” المهاجرين ودعم حراس الشواطئ، والجمارك والشرطة المكلفة بالتحقق من وثائق الإقامة والأنشطة لمكافحة المخدرات.
فرنسا من جهتها، ركزت اهتمامها على الجمارك وحماية الشخصيات، والبحرية، والطيران وإزالة الألغام. ويتمّ كلّ هذا بإعاطاء دروس لموظفي الجمارك بالتعاون مع المعهد الفرنسي لطرابلس. وتكفلت وزارة الداخلية الفرنسية بتدريبات لمهنة “حارس خاص” لكبار الشخصيات، وتكوينات الطيارين في مدرسة الطيران لصالون دو بروفانس لمدة أربع سنوات وتدريب ضباط البحرية في طولون لمدة ستة أشهر وضباط في المدرسة الحربية بباريس. وخارج الإتحاد الأوروبي، تشارك دول أخرى كالولايات المتحدة لمعرفتها برهنات الهجرة مع المكسيك وهي تشارك في العديد من النشاطات بمقدار 20 مليون دولار. كما اقترحت تركيا والأردن وقطر والإمارات العربية تكوين شرطيين أو عسكريين ليبيين أو بإرسال تجهيزات خاصة.
وكان موقع « EUobserver.com» والذي كان له علم بتقرير اللجنة الأوروبية للشؤون الخارجية، قد أشار إلى أنّ هذه الاستثمارات ليست “خيرية”. وتتنافس الدّول لتركيز مؤسساتها، فالموارد النفطية الليبية وكذا الفرص التكنولوجية تثير المنافسة.
بعد إبعاده من العراق، وعلى وشك إزاحته من أفغانستان، فإن القطاع الخاص بالأمن في معركة للفوز بعقد تأميني مع “أوبام”، وحسب استخبارات أونلاين المغاربية السرية هناك العشرات من المؤسسات تنتظر من مثل: مجمع أكو البريطاني وفرعه قلوبال سكيلس، ج4أس، هاجيس، أيجيس أند بلو هايكل، الفرنسية أركوس، جيوس، أمارانتي، وقاليس، الكندية قاردوولد، وأرقوس سيكيورتي المسجلة في قبرص. الرهان معتبر جدا، بحيث أنّ البعثة تخطط لتخصيص 20 إلى 25 بالمائة من ميزانيتها لحماية موظفيها حسب هذه المواقع.
والعمل في الأمن والمراقبة على الحدود ليس جديدا، فمعمر القذافي كان أول من أدرك أنّ مسألة الهجرة هي مركزية للاتحاد الأوروبي وجعله موضوع ابتزاز. ففي أوت 2010، طلب من الإتحاد الأوروبي دفع 5 مليارات من الأورو وإلاّ لن يضع حدّا لللأفارقة الصحراويين. وقد أعلن خلال مراسيم مع سيلفيو برلسكوني عند استحضاره “شبح اجتياح البربر”: “ربما غدا أوروبا لن تكون أوروبية بل سوداء إنهم الملايين من الأفارقة يريدون المجيء”.
وفي العديد من المرات استطاع الزعيم الليبي تصعيد المراقبة على الحدود البحرية ولكنه لم يتمكن قطّ من جعلها ضيقة مثلما قامت به دول الإتحاد الأوروبي. كما أنّ شساعة الحدود البرية التي تمتد على المناطق الصحراوية لم تكن مراقبة جيدا، وقد عمت لسنوات المتاجرة بالأسلحة والذخائر والمخدرات والأدوية غير الصالحة. كما أنّ موت القذافي لم يغير في الأمر شيئا بل الوضعية تفاقمت شيئا فشيئا بإعطاء المزيد من الحرية للمليشيات والقبائل المحلية التي تقوم بتنظيم المرور والعبور.