“الإسلام والصّحوة العربية” لطارق رمضان: مواكبة العصر والتمسّك بالهويّة
باريس ــ “أخبار بووم”
“الإسلام والصحوة العربية” هو آخر ما صدر لطارق رمضان، أستاذ الدّراسات الإسلامية المعاصرة بكلية “سانت أنتونيه” في جامعة أوكسفورد البريطانية، عن دار “لابريس دي شاتليه” الفرنسية للنّشر. وانطلاقاً من الفكر الإسلامي النيّر والحضارة الإسلامية عندما كانت في أوجّها، والتّي كانت مهداً للعلوم والفنون، يعرض طارق رمضان، من خلال هذا الكتاب، الأدلة والبراهين على أنّ المسلمين بحوزتهم الوسائل والطّرق لرفع تحدّيات العصر دون التّخلّي عن هويتهم، فالمسلمون قادرون على مواكبة العصر واقتراح حلول ومشاريع خاصة على أصعدة مختلفة، أكان ذلك يتعلّق بتسيير المجتمع أو السّياسة أو الاقتصاد أو الفنون والإبداع والثقافة من جهة، ومن جهة أخرى الاحتفاظ بتقاليدهم والقيم الرّوحية. لكن هل بإمكان الغرب التمييز بين الإيديولوجية والعصرنة؟ هل الحلّ هو فرض تغريب البلدان العربية والإسلامية أم تقبّل واقع تعدّد الحضارات والأديان والثّقافات، مبدأ الانفتاح والتّفاهم؟
يقول طارق رمضان، في مقابلة مع الصحافي الفرنسي أكسيل دي تارليه ضمن برنامج “C’est à dire” على القناة الفرنسية الخامسة TV5، إنّ القرار الأوّل الذّي أصدره مصطفى عبد الجليل بعد سقوط القذافي وإعلانه تطبيق الشّريعة “يدعو إلى القلق كثيراً ولا بدّ من تقييم الأوضاع بجدّية وحكمة، فالإقرار بتطبيق الشّريعة لأوّل وهلة في ليبيا يفهم من ذلك أنّ المجلس الوطني الانتقالي يريد أن يطمئن شعبه أو حتّى الرّأي العام أنّه لا وجود لنفوذ غربي، ولو قمنا بقراءة عميقة لهذا القرار لأدركنا سريعاً أنّ السّبب في كلّ ذلك هو انتقاد الغرب لمصطفى عبد الجليل حينما كان وزيراً للعدل وحكم على ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني مرتين بالإعدام في قضية نشر مرض الإيدز في ليبيا، لذا رأى سريعاً أن يضع بينه وبين الغرب حاجباً دينياً سياسياً وهو تطبيق الشريعة والسماح للرجل بتعدّد الزّوجات وبالتّالي المساس بحقوق المرأة وكرامتها الإنسانية، وهي مناورة من قبل المجلس الوطني الانتقالي”.
وأضاف رمضان قائلاَ “أنا ضدّ فكرة من يعتقد أن إلزام تعدّد الزّوجات هو لاحترام المبادئ الإسلامية، هذا التفكير هو خاطئ، فاليوم يفترض أن تكون العدالة الاجتماعية هي إلهام ووفاء للمبادئ الإسلامية وكذلك التّعليم ومحاربة الفقر”.
ورداً على أكسيل دي تارليه في قضية القيّم النّبيلة في فرنسا كونها مرتبطة بالمبدأ العلماني، قال رمضان “إنّ مفهوم العدالة الاجتماعية ليست ناتجة فقط عن مبدأ قومي فرنسي، فهي ليست فقط ثمرة فلسفة فولتير وروسو، بل هي حصيلة نقاشات شكّلت أسس الثّقافة الفرنسية ومصدرها المسيحية والبروتستانتية واليهودية وكذلك الفكر الإسلامي في العصور الوسطى”، وهذا ما أراد تبسيطه في كتابه هذا.
فالمجتمعات الإسلامية لا يمكن النّظر إليها بمنظار غربي، فالعالم الإسلامي يحاول أن يبثّ روح العقلانية التّي كوّنت التاريخ العربي، كما أنّ القيم العزيزة التّي تصبوا إليها الشّعوب العربية والإسلامية هي الديموقراطية ولا شيء غير ذلك.
أمّا عن قضية حصر الدّيانة الإسلامية في المجال الخاصّ لتسهل مساراً تقدّمياً ملحوظاً في كلّ من ليبيا وتونس ومصر، قال طارق رمضان “لا يمكننا طرح هذه العبارات وحصرها بين ما هو خاصّ وما هو عمومي، فالتّاريخ الغربي يثبت عكس ذلك وحتّى وإن عرف بعد ذلك تطوّراً وتقدّماً في هذا المفهوم لكنّ هذا التّطوّر عرفه أيضاً العالم الإسلامي، لكنّه لم يمسّ لا الخاصّ ولا العمومي، سلّ أيّ شخص عن رمزية المسيحية يجيبك أنّها ليست محصورة فقط في الميدان الخاص، فرمزيتها موجودة في كلّ مكان، فالعطلات مثبّتة عامة يوم الأحد بالنسبة للمسيحيين والبروتستان ويوم السبت لليهود، المشكلة لا تعود في ما هو خاص أو عمومي، المهمّ هو معرفة تحديد السّلطات، أي التّفريق بين السّلطات الدّينية التّي تفرض نفسها على الدّولة وسلطة الدّولة التّي يتفاوض عليها الشّعب، القضية هي قضية سلطات لا تمويه الشعب في قضية حصر الدّين بين الخاص والعمومي. لا يجب أن تستحوذ الدولة على الدين وتقوم بتسيسه، فالخطاب الحالي القائم، سواءً في تونس أو مصر، بين الإسلاميين والعلمانيين هو خطاب عقيم لا أساس له، المشكلة تعود في تحديد السّلطات والسّماح للمجتمعات التّي هي مسلمة في غالبيتها إيجاد مسار ديموقراطي من شأنه أن يقوم على مبادئ دولة القانون وحقّ المواطنة ومساواة في الحقوق بين المرأة والرّجل، فالمرأة لها نفس كفاءات الرّجل ولذا عليها أن تقبض راتباً مساوياً لراتب الرّجل، وهذه النّقطة بالذّات لا زالت تثير الجدل في فرنسا وكذا أوروبا”. وأضاف “علينا أن نقوم بمجهودات جبّارة في هذا المجال ولا يكتفي أن نمدّ مجتمعاتنا بنماذج مصنّعة، إنّ أيّ نموذج يستمد من تاريخ حضارتنا لا من فبركتنا له”.
هذا لا يعني إقصاء الدّيانة الأخرى أكانت مسيحية أو بروتستانتية أو يهودية، ففي مصر مثلاً الأقباط والمسلمون متعايشون منذ عصور خلت، لكن لا يمكن إنكار العنصرية تجاه الأقباط، ولذلك يجب تحسين الظّروف، وهذه العنصرية لا تعود بتاتاً إلى التّقاليد الإسلامية، هذه العنصرية أقامها الجيش، فالجيش المصري يحاول تفريق الشّعب المصري بين القبطي والمسلم لترسيخ وجوده فقط، اليوم أكثر من أيّ وقت آخر، المسلمون هم على موعد مع الديموقراطية والتّقدّم وإقامة دولة حقّ ومساواة وطنية، الإسلام بريء من اتهامات العنصرية والتّفرقة بين من هو مسلم وغير مسلم.
وفي قضية التّخريب والحرق الذّي تعرضت له مكاتب الجريدة الساخرة “شارلي هيبدو” ( Charlie Hebdo) الفرنسية، قال طارق رمضان “لدينا الحقّ في التّعبير عن جميع الآراء، وأنا أدين بشدّة هذه الأعمال التّخريبية والإجرامية التّي تعرضت لها مكاتب الجريدة، فالجريدة معروفة بطابعها السخري ويجب أن تكون لدينا شجاعة المواطنة لتقييم الطّابع الهزلي الذّي عودتنا عليه هذه الصّحيفة منذ عشر سنوات، وحتّى إن لم تكن تعجبني هذه الرّسومات إلاّ أنّني أدين وبشدّة هذه الأعمال التّخريبية بدون شروط. من جهة أخرى، كمواطن، لديّ الحقّ في التّساؤل كيف يمكن لجريدة ساخرة طرد صحافي لأنّه تجرّأ على رسم كاريكاتوري يهزأ من ابن رئيس الجمهورية، أليس هناك خرق في حرية التّعبير، إذا ما أقررنا بحرية التّعبير وافتخرنا بها وتغنّينا بها فلتكن للجميع، لا لفئة معيّنة”.