من هو الإرهابي؟
لا يوجد “كلاشيه” سياسي- إعلامي يستفز الجماهير اليوم مثل مصطلح “الإرهاب”، مضافاً اليه مصطلح “التكفيريون”. كلاشيه بات عنواناً لحربِ مذهبيّة قذرة في سوريا، تمتد الى لبنان بذرائع عديدة، منها مشاركة حزب الله في القتال الى جانب جيش النظام السوري، ومنها استمرار احتجاز مجموعات من الإسلاميين في سجون لبنان وخصوصاً رومية “من دون وجه حق”، ومنها “الغبن” اللاحق بأهل السنّة في بلاد الأرز مروراً بـ “أرض الرباط” في الشام وصولاً الى بلاد الرافدين.
أما الحرب المُضادة، فهي استغلال النظام السوري وشبيّحته ومرتزقته، لشعار “محاربة الإرهاب”، من أجل شيطنة المعارضة بكافة أطيافها، وجعل معركته ذات طابع “إنساني نبيل” هدفها مكافحة الإرهاب الذي تحاربه كل الدول اليوم بدءاً من الولايات المتحدة وصولاً الى روسيا الاتحادية مروراً بالعراق وإيران وباكستان وأفغانستان واليمن وليبيا وتونس ومصر ودول الخليج العربية الخ..
المفارقة أن هذا الشعار بدأ في الأصل ضد تيارات وأنظمة هي اليوم إما أصبحت في خبر كان (مثل المنظمات التي كانت تتغذى من ليبيا والعراق واليمن وسوريا وهذه الأنظمة المخلوعة بالقوة كانت “جول راعية للارهاب”)، أوتيارات وأنظمة انخرطت في الحرب المُضادة الى جانب خصوم الأمس مثل إيران وسوريا والعراق والسودان ومن يدور في فلكهم من منظمات مثل حزب الله ومنظمة بدر العراقية وغيرها.
لقد ازدهر مصطلح محاربة الإرهاب في عالمنا العربي في السبعينيات، حين نشط جهاز العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على يد المناضل وديع حداد، الذي كانت عملياته غير مباركة أصلاً من الجبهة بقيادة الدكتور جورج حبش، لأن فيها جانب سلبي هو احتجاز مواطنين أبرياء. مع ذلك ساهم “ارهاب” أبو هاني في جعل القضية الفلسطينية قضية عالمية، بأقل قدر ممكن من الخسائر البشرية في صفوف الأبرياء.
إلاّ أن مصطلح “محاربة الإرهاب” درج بشكل أوسع وأكبر، في بداية الثمانينات، ضد الجمهورية الاسلامية في ايران وحزب الله، تحديداً، في العام 1983، الذي شهد تفجير السفارة الأميركية في بيروت وتسبب بمقتل 63 شخصاً فيها، اضافة الى تفجيرات بشاحنتين مفخختين. استهدفتا مبنيين للقوات الأميركية والفرنسية في بيروت وأودت بحياة 299 جندي آنذاك.
وجاءت مرحلة جديدة من الصراع بين الغرب والإسلام السياسي المُسلّح المدعوم من إيران، تضمنت خطف رهائن غربيين في لبنان، وتم لاحقاً إخراج عشرات ان لم يكن مئات الأفلام السينمائية التي تتحدث عن الإرهاب الشيعي تارة والإرهاب الإسلامي عموماً.
وكان ردّ الإسلاميين من حزب الله وحركات الإسلام السياسي السنيّة التي نشطت في أفغانستان ضد الاحتلال السوفياتي بدعم السعودية ودول خليجية وبعضها من أميركا، تحت شعار محاربة “الالحاد”، أن الإتهام بالإرهاب ليس معيباً “لأن الله يقول في كتابه الكريم: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله…” (الأنفال-60).
إذن الإرهاب لم يكن حكراً على طائفة معينة أو أتباع مذهب محدد، بل طال اليسار الفلسطيني واللبناني ومن ثم الإسلام السياسي الشيعي كما الإسلام السياسي السني، ليتّسع مجال الاتهام فيشمل حصيلة التزاوج بين مدرسة الاخوان المسلمين والسلفيين في أفغانستان، حيث خرجت صورة جديدة من السلفية الجهادية تطورت لتهاجم الغرب في عقر داره اوائل القرن الواحد والعشرين.
فالتيار السلفي في الأصل لا يتعاطى السياسة بشكل مباشر، إنما كان يؤسس لمدرسة تكفيريّة اقصائية تحت شعار “سلامة العقيدة من البدع” وضعت المفاهيم الأصولية للحركات “الجهادية” التي انحرفت عن خطّها الطبيعي في مقاتلة الأميركيين والإسرائيليين لتجعل معركتها مع الشيعة والأقليّات. مع العلم ان هذه المدرسة التي أصبحت موصومة بشعار التكفير هي موجودة بأشكال مختلفة لدى جميع المذاهب وليست حكراًعلى التيار السلفي كما يتم الترويج الآن.
في أي حال، يمكن من خلال عرض تاريخي لنشوء الحركات “الإرهابية” معرفة من هو الإرهابي الحقيقي الذي أوصل المنطقة الى ذروة الفوضى. فالإرهاب الذي نشاهده اليوم، والذي وصل الى مرحلة قتل النفس بعنوان “مقاتلة المشركين والكفار”، هو نتيجة وليس سبب. هو نتيجة إرهاب الجيش السوفياتي في أفغانستان، هو نتيجة ارهاب الأنظمة العربية التي احتكرت السلطات واستبعدت وقمعت شرائح واسعة كانت صاحبة حق في ممارسة دورها السياسي والإعلامي. هو نتيجة لما تقوم به قوات بشار الأسد ومرتزقته ضد المدنيين في سوريا، بكذبة “محاربة الإرهاب” الذي خرج من مقرات الاستخبارات السورية والايرانية أصلاً، ومثله خرج من الرياض والدوحة وواشنطن ولندن الخ.
فالإرهاب هو نتيجة إرهاب أميركا والدول الاستعمارية التي دعمت كيان مسخ صادر الاراضي العربية في فلسطين وقتل أهلها ليقيم دولته التوراتية “الموعودة”. هو نتيجة إحتلال دول واستباحة أجواء أخرى باكستان واليمن والصومال من قبل طائرات بلا طيار تقصف متى تشاء ومن تشاء. وهو نتيجة لتحريض مذهبي مكثف يتم بدعم وتنسيق دوائر الاستخبارات و”حراس الهيكل” لتعميم الفوضى وتغيير وجه المنطقة.
أما الضحية الذي تحول الى جلاد فيستحق دراسة ظاهرته التي ما هي الاعبارة عن مشكلة بنيوية بحاجة الى تفكيك دقيق. فالفيلسوف الألماني كارل ماركس، حين وصف الدين بأنه أفيون الشعب، لم يكن يجانب الصواب، حيث تصبح التعاليم الدينية المتشددة القائمة على أساس الكراهية والحقد بمثابة حقنة كوكايين أو حبة كبتاغون، تتحكم بمسار الانتحاري الذي ينقاد نحوعالم فانتازي مليء بالنساء والخمر والملذات “محرراً” العالم الدنيوي من “الكفرة والأنجاس”، بيد أن هذا الشاب فاته أن يقرأ الآية الكريمة التي تقول: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا…” (المائدة-32)، لأنه اكتفى بسماع “مواعظ” فقهاء الفتن وأخذ نصيبه من الحقد الذي أصبح اليوم أقوى من أي قنبلة نوويّة.
“محاربة الإرهاب” هو “كلاشيه” المرحلة الحاضرة والمقبلة التي ستجعل من دول “محور الشر” عناصر أساسية في خوض حرب تؤسس لإعادة توزيع الثروات النفطية وغير النفطية على الكبار فقط، حيث تصبح اجساد الصغار والفقراء أشلاءً غبيّة ترسم صورة العالم الجديد.
ممتع ممتع ومبكي. راىع كيف تشرح بلا حدود ولا خطوط حمراء. الا الامام.. أتمنى من القراء أيضا قراءة كتاب معمر الجديد… مفاسد الشريعة….. فانه يعش ش في رأس القراء ويلخص كيف كل اغبياء هذا العصر الحجري لا تستعمل عقولها….
تاريخ نشر التعليق: 2014/01/27اُكتب تعليقك (Your comment):