#روسيا: #سوريا و #أوكرانيا معركة واحدة مع الغرب
بسّام الطيارة
لا أحد يمكنه التغاضي عن العنف الذي تمارسه السلطات الأوكرانية تجاه المعارضة، التي نزلت إلى شوارع المدن وساحاتها. كما لا يمكن التغاضي عن أن قسماً غير قليل من المحتجين بات يلجأ إلى العنف بعد فترة من التردد ومحاولة السلطة فتح حوار يبدو مستحيلاً في الظروف الحالية.
إلا أنه لا يمكن التغاضي عن كون الغرب الذي لوّح للمعارضة بـ«جنة عضوية الاتحاد الأوروبي»، مدفوعاً بشكل مفضوح من الولايات المتحدة، قد لعب بالنار حين لم يأخذ بعين الإعتبار أن روسيا اليوم ليست روسيا الأمس. ما يحصل في أوكرانيا اليوم بين الغرب وروسيا يحاكي كثيراً ما يحصل أيضاً بينهما في سوريا.
سبقت الحالة السورية الحرب في ليبيا حيث تعتبر روسيا أنها قد «أكلت الضرب» في المسألة الليبية، لذا تتشدد في مواقفها من الثورة السورية المدعومة من الغرب، منعاً لتكرار مسألة «التفرد الغربي بالحل والربط» حسب قول أحد الدبلوماسيين الروس في باريس.
تأتي المسألة الأوكرانية مباشرة بعد هذا الفاصل لتذكّر موسكو وخصوصاً الرئيس فلاديمير بوتين، بأن الغرب لم يكتفِ بانضمام دول الكتلة الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، بل سعى إلى نشر صواريخه «في الحديقة الخلفية لروسيا» في بولونيا وفي تشيكيا خصوصاً، حسب قول الدبلوماسي.
وترى روسيا أنها قد «لُدِغت» أيضاً في هذه المسألة. وبعد أقل من عقد مما تعتبره إدارة بوتين «ضربة غير مقبولة» يحاول الغرب «تكرار فعلته» والتوغل أكثر في «العمق السلافي» في أوكرانيا التي ارتبطت تاريخياً بروسيا والتي تسكنها أقلية كبيرة روسية.
الدبلوماسي الروسي متأكد من أن «الغرب لن يكتفي باتفاقات تجارية مع أوكرانيا»، بل سيسعى الى «تكبيلها سياسياً ومن ثم انضمامها الى الاتحاد الأوروبي… بانتظار زرع صواريخٍ أطلسية على الحدود الملاصقة للأراضي الروسية، منهياً بالقول «لا ثقة لدينا بوعود الغرب».
قد تكون تخمينات الروس في باب الظن، إلا أن التاريخ والجغرافيا يشيران إلى أن أوكرانيا كانت دوماً محل نزاع بين الغرب الكاثوليكي اللاتيني الجرماني وبين الكتلة الروسية السلافية. الجغرافيا تدل على أهمية الدولة الأوكرانية فهي ثاني أكبر دولة من حيث المساحة، وتحيط بها في الشرق روسيا وفي الشمال تحدها بيلاروسيا وبولونيا وفي الغرب سلوفاكيا وهنغاريا وفي الجنوب رومانيا ومولدافيا. ولها ثغور على البحر الأسود وبحر «أزوف».
ظلت أوكرانيا حبيسة تنازع «غربها مع شرقها» فبعد هيمنة بولونية ليتوانية مشتركة ثار الأوكرانيون السلاف الأرثوذوكس والكاثوليك الشرقيون على الحكم البولوني الكاثوليكي، وبعد فترة تقرير مصير تُقارب القرن عادت لتقع في براثن الثورة البولشفية ضمن إطار حكم ذاتي محدود.
إلا أن التاريخ الذي يعيد نفسه كان يذكر لنا أنه في نهاية عام ١٩١٨ وفي إطار دعم الثورة الروسية البيضاء في الحرب الأهلية الروسية، تدخت فرنسا مدعومة من القوى الغربية واحتلت ميناء سيباستوبول ثم انسحبت بعد هزيمة، إذ تصدى لها «الوطنيون الأوكرانيون». إلا أن هذا التدخل دفع بالجيش الأحمر لاجتياح أوكرانيا وسلبها فتات الحكم الذاتي التي كانت تتمتع به.
فهل يقود «التدخل الغربي» في الشؤون الأوكرانية مرة ثانية الجيش الروسي لابتلاع استقلال أوكرانيا حيث أن «نوستالجيا العهد الامبرطوري الروسي والسوفياتي» هي في أوجها في عهد بوتين.
بعد الولايات المتحدة، وافق وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي على المضي قدماً في فرض عقوبات على المسؤولين عن العنف في أوكرانيا، تشمل حظر تأشيرات السفر وتجميد أرصدتهم، حسبما ذكرت وزيرة الخارجية الإيطالية ايما بونينو، التي قالت، لدى مغادرتها اجتماعاً طارئاً في بروكسل أمس (الخميس)، “تم الإتفاق على هذا الموقف مع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبولندا، الموجودين حالياً في كييف، للتفاوض” مع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش.
في المقابل وفي تلميح لا يخفى على متابع، أكد الرئيس الروسي أن القدرة القتالية للجيش والأسطول الروسي تبقى عاملاً مهماً للأمن القومي الروسي. وقال بوتين، في كلمة لمناسبة “عيد حماة الوطن” الذي يصادف الأحد المقبل، إن الظروف الحالية “تتطلب منا أن نكون يقظين ومستعدين لأي تطور للأحداث، دفاعاً عن روسيا ومواطنيها، ما يحتّم أن تبقى القدرة القتالية للجيش والأسطول عاملاً مهماً للأمن القومي الروسي”.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن عالم اليوم يشهد حالات كثيرة من انعدام الهدوء والاضطراب، بل واتساع مساحات للمخاطر والأزمات المحتملة.
وأكد أن القيادة الروسية على قناعة تامة بأن المشاكل الدولية الخلافية يجب حلها بأساليب سياسية وليس عسكرية، مؤكداً أن روسيا هي دولة محبة للسلام. وشدد على أن “مثل هذا الموقف الروسي أوقف تطورات دراماتيكية عديدة، بما في ذلك حول سوريا”.