تركيا تستقبل الجهاديين وتغلق الحدود (1)
على طول خط الاسلاك الشائكة الحدودية الفاصلة ما بين تركيا وسوريا يمكن رؤية اليات الحفر تعمل على خندق بعمق ثلاثة امتار وعرض مترين ونصف تقريبا، ها قد انتبهت تركيا اليوم لمخاطر تسلل الاسلاميين المتشددين الذين يدينون بالفكر القاعدي، ولكن ورغم ضجة اليات الحفر الا انه يمكنك سماع اللهجات العربية المتنوعة في القرى والمدن الصغيرة التركية الحدودية، ها هم عناصر الدولة الاسلامية في العراق والشام يتجولون في الشوارع ويشترون الطعام ويسيرون بين اللاجئين السوريين والمواطنين الاتراك.
طوال اكثر من عام من منتصف 2012 وحتى نهاية 2013 كان يمكن ملاحظة شبان عرب واجانب في المطارات التركية، يتجهون من مطار اسطنبول الى مطاري هاتاي وغازيعنتاب خاصة، ليلتحقوا من هناك بالمنظمات القاعدية المتعددة في سوريا، كانت انذاك كتائب “المهاجرين” اكثر من ان تعد وتحصى، الاغلب بينهم انضموا الى جبهة النصرة، الممولة والمدارة من تنظيم القاعدة العراقي المعروف باسم “دولة العراق الاسلامية” ومجموعات مهاجرة اخرى كانت تعمل بشكل مستقل، استوطنت في العديد من البقاع السورية، بعضها فضل الجبهات وانصرف الى القتال ضد النظام السوري، بينما كانت اهداف اغلب المجموعات الاخرى التمركز في المناطق الامنة والمحررة في الريف، سواء في حلب او ادلب او حماة واللاذقية ودير الزور والرقة.
المطارات التركية والمعابر الحدودية غير الشرعية هناك كانت تشهد توافد مئات من المقاتلين، ومن العراق قدم عدد اكبر، ولكن حرس الحدود الاتراك نفذوا اوامر حكومتهم بالتساهل مع العابرين، لم يلق بالا جنود الحدود الى هويات المارين من امامهم الى الداخل السوري، كانوا يمنعون التهريب العلني، ولكن هناك معابر شهدت غض بصر تام.
في اواخر صيف العام 2012 التقيت لاول مرة بمجموعة مهاجرين تنتظر رفاقها على الحدود، الشبان الملتحون كانوا على متن سيارتين ودراجة نارية في الجهة السورية، ووصل نحوهم حوالي خمسة من الملتحين ايضا من الجانب التركي، تعانقوا سريعا وتركوا خط الحدود حيث كانت الاسلاك الشائكة مقطوعة ما بين عمودي الاسمنت بما يسمح بمرور شاحنة محملة.
الجميع في سوريا وخاصة في القرى القريبة من الحدود يعرف قصص عبور المجاهدين العرب، والاجانب، وكل عناصر التنظيمات القاعدية، كما يعرف الكل المعابر العسكرية، حيث تمر شاحنات احيانا محملة بالعتاد والذخائر، ويمكن الوصول الى اية قرية حدودية في الجانب السوري وسؤال اول طفل تصادفه عن “معبر” ليدلك الى اقرب طريق للتهريب.
الاتراك من ناحيتهم كانوا يضغون الطرف ليس فقط على المعابر بل ايضا داخل القرى التركية الحدودية وداخل المدن القريبة من الحدود.
لم تشكل داعش ارباكا فعليا لاية جهة دولية، لم تكن قادرة على لعب دور اكثر من اسناد النظام او تنفيذ سياسات تركية صغيرة، او مساندة هذه القوة في الثورة على حساب تلك، ولكنها حتما لم تكن ولن تكون قادرة على لعب دور ابعد مدى من بضعة قرى حدودية تركية، ومن يتحدث عن خطر القاعدة وتجمعها في سوريا على الغرب يتجاهل ان هذه القاعدة هي غير تلك اللادنية، وانها اليوم بحالة من التفكك والضعف وقصر النظر تشبه الى حد بعيد مجموعات من المرتزقة والمهوسسين الذين يقودون الاف من الايديولوجيين المتعصبين، ولكن الحكمة والحنكة وطول الاناة والمشروع السياسي وما يفرضه من عمل متواصل قد طواها الزمن بالنسبة لهم، ولم يعد الامير اكثر من مجرم عادي استتر بذقن وعصبة من المخلصين.
ويجهل من يتحدث عن مخاطر القاعدة خارجيا ان كل من عبر الى تركيا رصدته كل اجهزة المخابرات، من تلك التركية الى اخر من يتابع الشأن السوري، وان عودته من سوريا الى اي مكان اخر في الدنيا ستكون تحت ابصار اجهزة الامن ومتابعتها، وان هؤلاء الشبان المقتنعين بالفكر القاعدي يصبحون دون فاعلية ما ان ينقطع اتصالهم مع قياداتهم في سوريا والعراق.
بكل الاحوال، فان من يتجول في مدينة الريحانية الحدودية التركية سيجد العشرات من الشبان القاعديين بلهجاتهم العربية او الداغستانية او الروسية، وقد حلقوا لحاهم قبل العبور الى تركيا فبانت بشرة خدودهم بيضاء وبقي شعرهم الطويل وملامحهم القاسية وتجهمهم على حالهم. وهم ينتظرون هناك ما يسهل عودتهم الى بلادهم او الدخول مجددا الى سوريا ولكن الى مناطق لا تزال تحت سيطرة التنظيم.
العديدون من القاعديين تخلوا عن القتال بعد الاشتباك مع الجيش الحر، وخاصة مع قوات جيش المجاهدين والجبهة الاسلامية، دزينات عدة من هؤلاء سلموا انفسهم وسلاحهم الى المقاتلين السوريين، وطلبوا اعادتهم الى تركيا، وهكذا كان، واعلن البعض منهم انه لا يريد حمل السلاح ضد ابناء الشعب السوري “المسلمين”.
(يتبع جزء ثاني)
بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة