لبنانيو ألمانيا: فلافل وحشيشة واحتيال على “أبو السوس”
ليس من الصعب العثور على تجمعات المهاجرين اللبنانيين في ألمانيا، حيث يعيش نحو 60 ألف لبناني (وفق إحصائيات غير دقيقة نشرها موقع جمعية المغترب اللبناني على الانترنت في شباط 2010)، فرائحة الفلافل ودخان النراجيل المنبعثة من مقاهي Neuköln (جنوب برلين) كافية للإشارة إلى أن ثمة لبنانيين يعيشون هناك.
أحياء عديدة اضافة الى Neuköln، مثل kreuzberg و bankstrasseوOsloer Witenau في برلين، ومدن مثل Hannover، وHamburgوErfurt وStuttgart، وManheim، وMünchen وFreiburg، و,Kiel، وBonn، وKöln، وغيرها تحتضن عائلات كثيرة من اللبنانيين الذين هاجروا خلال الحرب الأهلية لينعموا بتقديمات دولة الرعاية الاجتماعية.
بعض المهاجرين يشكلون امتداداً لشريحة واسعة من الطلاب الذين ذهبوا الى ألمانيا الشرقية للدراسة وفق منح قدمتها برلين الشيوعية آنذاك لمنظمات يسارية لبنانية وفلسطينية خلال فترة السبعينات، وبعضهم الآخر عائلات طلاب سابقين درسوا في جامعات ألمانيا الغربية، وتخرجوا من كليات الطب والهندسة والعلوم والتكنولوجيا وغيرها فضلوا البقاء هناك على العودة الى موطنهم الذي لا يزال يئن تحت ضغوط الأزمات المتتالية.
أما الجزء الأكبر من المهاجرين اللبنانيين الذين يعيشون في وريثة الرايخ الثالث، فهم من فئات إجتماعية فقيرة هاجرت خلال الحرب واستندت في معيشتها على تقديمات مكتب الشؤون الاجتماعية. بعضها لم يهتم بتعليم أولاده فبقيت مستوياتهم الثقافية دون المطلوب. لذلك تجد الجالية اللبنانية في ألمانيا أقل تعليماً وثقافة من مثيلاتها في فرنسا وبريطانيا، حيث تسود الفئة المتعلمة والمثقفة بشكل أكبر. مع ذلك في المانيا عدد من اللبنانيين الذين احتلوا مراكز أكاديمية ومهنية مهمة في الجامعات والمستشفيات والإدارات الرسمية ومرافق أخرى. ومنهم الكثيرون الذين استفادوا من دورات التأهيل في المعاهد المخصصة بمجالات حرفية وفنية ومهنية ليتمكنوا من العمل في مهن عديدة.
يبدو أن هذه الظروف الاجتماعية هي التي دفعت بعض أولاد الجالية في برلين وهامبورغ خصوصاً، على بيع الحشيشة والمخدرات في محطات القطارات والحدائق العامة، حسبما يحدثنا أحد الشبان المقيم هناك منذ 12 سنة. يقول سامر(إسم مستعار) إن كثيراً من شباب لبنان في ألمانيا فضلوا الطرق الأسهل والأسرع لجمع المال فلجأوا الى تجارة الممنوعات والسرقة من المتاجر الكبرى، “منهم من يبيع السموم البيضاء والخضراء ومنهم من يتاجر ببطاقات تشريج هواتف وتذاكر وسائل النقل المزورة. وبعضهم يحتال على الدولة فيتهرب من دفع الضرائب أو يصرح كذباً عن عدم سير أموره المادية بشكل جيد ليقبض رواتب من السوسيال ويعيشون كالتنابل ينامون حتى الظهيرة”.
لكن الحكومة الألمانية “ليست سهلة” كما تقول أم محمود، وذلك لأنها سرعان ما تكشف الخارجين على القانون فتقوم بحبسهم أو ترحيلهم اذا كانوا بلا إقامات. وتروي أم محمود عن إمرأة صديقة لها ذهبت لقبض راتبها ورواتب أطفالها من مكتب الشؤون الاجتماعية، حيث فوجئ الموظف بالذهب والحلي في يديها وعنقها، حينئذٍ قرر المكتب وقف دفع المخصصات لها على مدى طويل يعادل ما تملكه من المجوهرات” لأن الإعانات الاجتماعية أولى لمن هم بحاجة في القانون الألماني.
وفي حين عمل العديد من اللبنانيين على تنشيط عمليات التبادل التجاري بين بلدهم الأم والبلد الذي استقبلهم كلاجئين، بقي جزء كبير منهم عاطلاً عن العمل أو مدعياً ذلك ليستفيد من تقديمات الشؤون الاجتماعية التي تخصص لكل فرد من أفراد العائلة راتباً شهرياً بات يتراوح اليوم بين 300 و500 يورو، اضافة الى مساعدات تتعلق بايجار المنزل ومخصصات الأطفال والرعاية الصحية.
لقد فتحت هذه الإعانات شهية الكثير من اللبنانيين على ممارسة البطالة أو الكذب على الدولة وعدم التصريح عن العمل والمدخول الشهري، إذ يحتالون على الشؤون الاجتماعية بافادات تثبت عدم كفاية مداخليهم من أعمالهم الخاصة ليتقاضوا اموالاً اخرى من “السوسيال”، فباتوا محل كراهية دافعي الضرائب من الألمان الذين شعروا أن هذه الفئة أتت لتسرق أموالهم وتعيش عالة على حكومة بلادهم، أو حتى لأخذ أمكنة عملهم المُفترضة.
لذلك بات اللبنانيون حين يتحدثون مع بعضهم في القطارات والأماكن العامة يستخدمون “شيفرة” حين يتحدثون عن الشؤون الاجتماعية بكلمة “أبو السوس”، وهي نسبة الى كلمة “Sozial”. لعل هذه الظاهرة التي سرت على العديد من اللاجئين من الدول النامية والذين استفادوا من التزام برلين بمعاهدة جنيف حول معاملة الهاربين من الاضطهاد والحروب، قد رتبت على الحكومة مبالغ مالية باهظة تركت آثارها السلبية على الدولة رغم قوتها الاقتصادية. لذلك خففت الحكومة من حجم إعاناتها لتحث كل من يعيش على أراضيها على العمل والانتاج.
أما الفئة الأخرى من اللبنانيين فجنحت نحو سوق تجارة السيارات وقطع الإكسسوار والتبديل، فتشكلت كارتيلات من التجار الذين بدأوا يصدّرون السيارات وقطعها الى لبنان والعراق وأفريقيا، ومنهم من اعتمد الاحتيال بارسال سيارات مضروبة وغير صالحة للسير، بينما جنح البعض الآخر نحو التجارة بالبضائع المستعملة والأدوات الكهربائية والإلكترونيات والمعدات الطبية. أما جزء صغير من التجارة فنشط على خط معاكس عبر استيراد كل ما هو لبناني من أغذية ولوازم الى المانيا.
يمكن زائر برلين -على سبيل المثال- أن يشاهد في أحياء العرب، حيث يعيش اللبنانيون الى جانب الفلسطينيين والعراقيين والسوريين والمغاربة، المقاهي والمطاعم التي تقدم النراجيل والفلافل والشاورما والمقبلات اللبنانية، فيما تخصصت بعض المحلات ببيع لوازم المحجبات من الألبسة “الشرعية” والعطور اضافة إلى المأكولات والحبوب والمعلبات وخبز المرقوق والتنور وغيرها.
بعض المهاجرين اللبنانيين يدخل ألمانيا بصورة غير مشروعة فيمزّق جواز سفره ويدعي انه عراقي أو فلسطيني أو مواطن من دولة لا تزال تشهد اضطهاداً للأقليات، وذلك طمعاً في الحصول على حق اللجوء، ومنهم من استحصل على بيانات ومستندات فرنسية أو بلجيكية مزورة فدخلوا ألمانيا على أنهم مقيمون أوروبيون.
في المقابل، يساهم بعض التجار اللبنانيين هناك في تحريك عجلة الاقتصاد في لبنان من خلال ما يرسلونه من بضائع كانت السيارات تحتل رأس قائمتها في السابق. لكن اليوم لم تعد تجارة السيارات ذات جدوى الا بالنسبة للتجار الكبار، في ظل ارتفاع الضرائب ومصاريف الشحن والجمرك والشروط المتعلقة بتاريخ ونوعية السيارات المستوردة الى البلد الأم.
في أي حال، لم يعد هناك كثير من اللبنانيين الذين يعيشون كلاجئين في بلاد الرايخ الثالث، فمعظمهم حصل على الإقامة الدائمة أو الجنسية، طبعاً بقي هناك من هو وضعهم معلّق في دائرة الأجانب، لوجود مشكلات تتعلق بطبيعة إقامتهم أو لوجود أحكام قضائية بحقهم في موطنهم الأصلي، أو لعدم تمتعهم بالشروط التي تخولهم الحصول على صفة لاجئ. ومنهم من ينتظر ترحيله في احد سجون التسفير المُعدّة لذلك.
طبعاً لا توجد احصائيات دقيقة حول عدد اللبنانيين الذين حصلوا على الجنسية الألمانية، لكن هناك عشرات الآلاف الذي تمكنوا من التمتع بحق المواطنة في بلاد الآريين، إما من خلال زيجات مختلطة أو من خلال فترة عمل طويلة تمكن بعضهم خلالها من إجادة اللغة الألمانية وادوا ما عليهم من ضرائب وساعات عمل مطلوبة. ومنهم من بقي بعد تخرجه من الجامعة، حيث حظي بعقد عمل وراتب مكّنه من اكتساب الجنسية ولو بعد سنوات طويلة.
مما لا شك فيه أن اللبنانيين في المهجر ومنهم من يعيش في المانيا قد ساهموا بما يرسلونها من أموال وبضائع في تحريك عجلة الاقتصاد في لبنان الى درجة كبيرة، ألا أن الأزمة الاقتصادية العالمية تركت اثاراً سلبية على وضع معظم المهاجرين فباتوا مادياً في وضع لا يُحسدون عليه إلا من ناحية تمتعهم بالعيش في ظل دولة القانون ونظام الرعاية الاجتماعية.